ألغت تركيا عقوبة الإعدام في العام 2004 على أمل أن تسرع من إجراءات انضمامها للاتحاد الأوروبي الذي اعتبر أن أحد أهم شروط انضمام أنقرة إلى الأسرة الأوروبية هو إلغاء عقوبة الإعدام في البلاد، بحيث تكون تركيا رسميًا قد صادقت على البروتوكول السادس من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، وجاء إلغاء حكم الإعدام ضمن مجموعة كبيرة من الإصلاحات في مجال حقوق الإنسان في محاولة للوفاء بمعايير الانضمام للاتحاد الأوروبي، واليوم يطالب المجتمع وبعض الأحزاب في تركيا إعادة حكم الإعدام لتنفيذه بحق الانقلابيين الذين حاولوا الانقلاب على الحكومة في 15 يوليو/ تموز.
انقسام سياسي في إعادة عقوبة الإعدام
أكد زعيم حزب الحركة القومية دولت بهجتلي أن الحزب مستعد لقبول قرار الإعدام بحق الانقلابيين في حال كان حزب العدالة والتنمية جاهزًا لذلك، واصفًا أن حزبه مستعد للقيام بكل ما يترتب عليه القيام به وسط راحة بال تامة على حد وصفه.
زعيم الحركة قال ذلك في اجتماع للحزب إن زمن الانقلابات ولى إلى غير رجعة ومحاولة الانقلاب على الحكومة التي شهدتها البلاد في الـ 15 من يوليو/ تموز تعد أكبر إساءة للبلاد، وشدد بهجتلي أن الشعب التركي بات يدرك جيدًا الطريقة التي يتم تغيير الحكم بها فمن يأتي بصناديق الاقتراع لا يمكن أن يذهب إلا بصناديق الاقتراع.
الجدير بالذكر أن حزب الحركة القومية أعلن تأييدة للحكومة التركية ورفض الانقلاب العسكري ضدها مباشرة وأجرى زعيم الحركة اتصالاً هاتفيًا مع رئيس الحكومة بن علي يدلدريم أكد فيه أن حزب الحركة القومية لن يقف مكتوف الأيدي أمام محاولة الانقلاب أيًا كانت العواقب بالنسبة إليه.
الشعب التركي بات يدرك جيدًا للطريقة التي يتم تغيير الحكم بها فمن يأتي بصناديق الاقتراع لا يمكن أن يذهب إلا بصناديق الاقتراع.
وفي نفس السياق قال متحدث باسم حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد إن الحزب لن يؤيد اقتراح البرلمان لإقرار عقوبة الإعدام من جديد في البلاد عقب محاولة الانقلاب الفاشلة، واستطرد أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تطبق القوانين الجديدة بأثر رجعي وأن من مسؤولية السياسيين نقل هذه الرسالة للشعب، علمًا أن حزب الشعوب وقف أيضًا في الساعات الأولى ضد الانقلاب الفاشل وأعلن تأييده للحكومة.
وفي ظل الصراع الدائر حول مصادقة البرلمان على قرار الإعدام بين من يرفض إعادة الحكم ومن يريده لتنفيذ عقوبة الإعدام ضد الانقلابيين، أكد الرئيس رجب طيب أردوغان أنه سيصادق على قرار إعادة أحكام الإعدام في حال صدوره عن البرلمان التركي تمهيدًا لتنفيذه بحق الانقلابيين خلال المقابلة التي أجرتها معه قناة سي إن إن الأمريكية مساء أمس الإثنين 18 يوليو/ تموز، وأكد أيضًا أن محاولة الانقلاب الفاشلة تمثل خيانة عظمى للبلاد ولا يمكن للحكومة التركية أن تتجاهل المطالب من قبل الشعب الداعية لتنفيذ حكم الإعدام بحق هؤلاء الخونة على حد تعبيره.
الخشية من عزلة دولية
تشير التقارير الواردة أن من شأن إعادة حكم الإعدام أن تجعل تركيا في عزلة دولية بسبب رفض معظم حكومات العالم إعادة تركيا لحكم الإعدام، حيث علقت الحكومة الألمانية أن هذا سيقود إلى إنهاء مفاوضات ضم تركيا للاتحاد الأوروبي وأشار الناطق باسم الحكومة الألمانية أن موقف الاتحاد الأوروبي واضح من هذه القضية وهو “الرفض القاطع لأحكام الإعدام”.
كما حثت الأمم المتحدة، الإثنين 18 يوليو/ تموز، على لسان نائب الأمين العام للمنظمة فرحان حق، تركيا على عدم العودة إلى تطبيق عقوبة الإعدام على خلفية محاولة الانقلاب الفاشلة، ودعا أيضًا وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، تركيا إلى “الالتزام بأعلى المقاييس الديمقراطية في التعامل مع منفذي الانقلاب”.
ومع ذلك جاء الرد واضحًا من قبل القيادة التركية حيث رفضت على لسان وزير الخارجية التركي الانتقادات الغربية، الذي ساوى بين انتقاد تعامل تركيا مع المشتبه بتورطهم في الانقلاب ودعم المحاولة الفاشلة التي سعت للإطاحة بالسلطة في البلاد.
دعا وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، تركيا إلى الالتزام بأعلى المقاييس الديمقراطية في التعامل مع منفذي الانقلاب.
وحول تأثير تطبيق حكم الإعدام على آلاف الانقلابيين، يرى الدكتور أحمد البرعي المحاضر في قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة آيدن بإسطنبول أن أردوغان لن يتنازل عن تطبيق حكم الإعدام ولو ذهب إلى استفتاء شعبي في حال فشل البرلمان في إقراره، وسيلجأ لكل الوسائل الدستورية للحصول على القانون، ويكمل البرعي أن الاتحاد الأوروبي لا يشكل عائقًا بالمطلق أمام إعادة حكم الإعدام في تركيا بل إن الأتراك آخر ما يفكرون به هو علاقتهم مع الاتحاد الأوروبي لأن عدم تنفيذ الإعدام بحق الانقلابيين لن يعجل من دخولهم للاتحاد الأوروبي بحسب ما يفيد البرعي.
ولدى سؤال البرعي فيما إذا سيؤدي إعادة الإعدام إلى انقسام مجتمعي بين رافض ومؤيد لإعادة الحكم يرى أنه بالطبع سيكون هناك ارتدادات سلبية مجتمعية لأن الاستقطاب السياسي لا يزال قائمًا، كما أن مخاوف وهواجس المعارضة من تغول النظام الرئاسي في تنفيذ الحكم سيكون دافعًا للمعارضة أكثر لرفض إعادة الحكم والحشد الشعبي ضده، أضف إلى ذلك أن شريحة واسعة من الشعب لا تريد أن تفتح مشاهد الإعدامات وأبوبابها التي يتخوفون ألا تتوقف عند الانقلابيين فقط.
ويرى البرعي أن ما قد يقلل من حدة الانقسام المجتمعي هو طريقة تعاطي حزب العدالة والتنمية مع القضية وتسويقها للفكرة أمام أحزاب المعارضة والشعب، علمًا أن الحزب الحاكم لا يملك متسعًا من الوقت لعمل هذا، فالظروف الحاصلة والتطورات السريعة لا تسمح بهذا وتحتم الحسم السريع والردع أكثر من التساهل والليونة.
تسليم فتح الله غولن
بخصوص قضية تسليم الولايات المتحدة لزعيم الكيان الموازي فتح الله غولن فقد صرح أردوغان خلال المقابلة أن هناك اتفاقية مشتركة بين البلدين تسمح بتسليم المتهمين فيما بينهما حيث سبق وأن سلمت تركيا كافة المتهمين الذين طلبتهم أمريكا منها.
وتبعًا لهذا فإن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو وفي اتصال هاتفي مع نظيره الأمريكي حول تسليم الولايات المتحدة غولن لتركيا وتبادل الطرفين الإجراءات والصعوبات التي تحول دون تحقيق المطلب التركي، وسبق تصريح لكيري أن الولايات المتحدة مستعدة لتسليم غولن إذا قدمت القيادة التركية الأدلة الدامغة التي تفيد بتورط غولن بالانقلاب الفاشل والتي تتطابق مع معايير إعادة المطلوبين في الاتفاق المبرم بين البلدين، حيث تتهم القيادة التركية أن غولن هو من كان وراء الانقلاب الفاشل.
علمًا أن جاويش أوغلو من المفترض أن يتوجه اليوم إلى الولايات المتحدة للتباحث مع مسؤوليها في مسألة إعادة فتح الله غولن، وسيطلع أوغلو المسؤولين الأمريكيين حول آخر التفاصيل المتعلقة بمحاولة الانقلاب وطبيعة المرحلة القادمة وانعكاسات ذلك على المنطقة.
ويشهد الموقع الرسمي للبيت الأبيض توقيع آلاف الأشخاص على عريضة يطالبون فيها الولايات المتحدة بعدم توفير ملاذ آمن لفتح الله غولن وتسليمه لتركيا، ودعت الرئيس أوباما إلى العمل مع الحكومة التركية المنتخبة ديمقراطيًا في تركيا لتسليم غولن لها.