من أحلى مدن فرنسا، التي تتمتع بأجمل الشواطئ، وتجذب إليها محبي السياحة البحرية، والتي تجد فيها ملايين الأغنياء من مختلف العالم يبحرون ويقضون أسعد إجازاتهم في يخوتهم على شواطئ نيس الجميلة، من أرض الجمال والسعادة إلى أرض المجاهدين الإسلاميين كما يصفها الإعلام الدولي الآن.
تمتلئ فرنسا بمهاجري دول المغرب العربي من تونس والجزائر والمغرب، والذين هم مُتهمون مسبقًا بكونهم محسوبين على الفصيل السلفي، أو اليمين المتطرف الآن، ولم يبدأ الأمر فقط بحادثة نيس الأخيرة، التي راح ضحيتها 84 ضحية جراء دهس شاحنة سائقها فرنسي من أصل تونسي، لمجموعة من الناس يحتفلون بعيد فرنسا القومي، بل بدأ الأمر في نفس المدينة بطعن أحد الإسلامين لثلاثة جنود حراسة لمعبد يهودي في فبراير الماضي، كما بدأ الخطر يدق أبواب المدينة عندما أظهر عمدتها الأسبق استعداءً واضحًا تجاه المسلمين، واتهامهم بالتطرف الوحشي منذ عامين، بالإضافة إلى التوتر حول مسألة رغبة بعض المسلمين في بناء مسجد يخص مجموعة من المسلمين السلفيين في المدينة.
بعد أن شهدت فرنسا الهجوم الإرهابي الأخير على مدينة نيس تم إلغاء مهرجان موسيقى الجاز المرتقب هناك، كما ألغت العديد من الفنانات حفلاتهم القادمة في نيس منهم الفنانة الأمريكية ريهانة، كما تم إلغاء رحلات الوصول المتوقعة إلى نيس في الأسابيع المقبلة، لم يكن الأمر كذلك فقط لأنهم مرعوبون من فكرة حدوث عمل إرهابي آخر، إلا أنهم بالتأكيد سيخسرون الكثير من المال نتيجة رفع الشرطة حالة الاستنفار الأمني في المدينة، والتي لن تكون الحركة فيها طبيعية كالأيام التي سبقت الحادث، وهو ما سيجعل الفنانين يخسرون أعدادًا كبيرة من الجماهير، بالإضافة إلى تضييق الخناق على السائحين، حيث إنهم سيركنون إلى تجنب الأماكن المزدحمة معظم الوقت.
ستشهد مدينة نيس في الشهور الثلاثة المقبلة وجودًا أمنيًا مكثفًا وواضحًا للعامة في كل الأماكن المزدحمة وأماكن التجمعات في المدينة، ليس في نيس فحسب، بل في مدن فرنسا كلها، فتعد فرنسا الآن تحت تهديد الخطر الإرهابي المستمر.
ما الذي يمكن أن تفعله قوات الأمن لمواجهة الحوادث الإرهابية المتوقعة؟
قالت وزارة الخارجية الفرنسية لصحيفة الغارديان بأنها كثفت قواتها الداخلية والخارجية على الحدود لفرنسا، كما رفعت من مستوى تحذيراتها للمواطنين الفرنسيين بكون فرنسا مهددة باستمرار من تنظيم الدولة الإرهابي، ولذلك ولمدة ثلاثة شهور على الأقل سيتم تواجد عناصر الشرطة الخاصة وأفراد الأمن في معظم الشوارع، وكل أماكن التجمعات.
خصصت الشرطة الفرنسية تطبيقًا خاصًا بالحوادث الإرهابية على الهواتف الذكية، يرسل رسالة نصية إلى عامة المواطنين بالتحذير من وقوع حادث إرهابي قريب، وهو التطبيق الذي تنصح به الشرطة الفرنسية السائحين بأن يقوموا بتنصيبه على هواتفهم فور وصولهم إلى المطار، ليكونوا على أتم استعداد إذا ما تمّ تطبيق حالة الطوارئ بخصوص حادثة معينة تتوقع الشرطة حدوثها، إلا أنه تم التبيلغ بفشل التطبيق عند وقوع الحادثة الأخيرة في نيس، ولكن الشرطة الفرنسية تعد بتفعيل التطبيق بنظام أكثر دقة من ذي قبل، وذلك لتقليل عدد الناس المتجمعة في الأماكن المترقب حدوث العمل الإرهابي فيها، ومحاولة تحذير الناس من الخروج من بيوتهم في اليوم المشكوك فيه بحدوث عمل إرهابي.
لم تكن باريس أو نيس هم المدن الأوروبية الوحيدة التي تشهد الحوادث الإرهابية من قِبل أفراد تنظيم داعش، بل انضمت أنقرة وإسطنبول في تركيا إلى القائمة، كما انضمت مدينة بروكسل كذلك، والتي تشهد هي الأخرى آليات أمنية جديدة لم تشهدها من قبل، في محاولة لفرض السيطرة الأمنية، وتوقع الحدث قبل حدوثه ومحاولة تقليل الخسائر البشرية قدر الإمكان.
عندما حدث هجوم باريس في العام الماضي كان الأمر بمثابة صفعة على وجه السياحة في المدن الأوروبية، إلا أنه كانت استجابة الأمن والسائحين كذلك بأن الجميع لن يستسلموا للإرهاب، إلا أن تلك الجملة تبدو ساذجة للغاية في ذلك الوقت، لأنه يجب، بعد الأحداث الإرهابية المتتابعة على المدن السابقة، أن تتخذ الشرطة التدابير اللازمة لفرض السيطرة الأمنية على أماكن التجمعات، وبالأخص محطات السفر سواء كانت قطارات أو مطارات أو محطات نقل بحري، وذلك كله جزء من الكل، فلا يفترض دومًا أن يضرب الإرهابي ضربته في أماكن التجمعات المعروفة كذلك، ولا ننسى هنا ما حدث في تونس العام الماضي حينما هوجم أحد الشواطئ السياحية بعمل إرهابي قضى على حياة العديد من السائحين هناك.
لا يمكننا أن نبسط الأمور، وأن ننتظر في سبيل أن ينقضي الأمر فحسب، هذا الأمر لن ينتهي بمجرد تطبيق على الهواتف المحمولة، أو باستنفار أمني لبضعة أيام، لا بد من المزيد من الجهود ومزيد من الأموال من أجل فرض نظام أمني يمكنه السيطرة وإحكام قبضته على الأماكن المستهدفة، ليهدف على الأقل من تقليل أرقام الضحايا المستمرة في الزيادة بعد كل حدث إرهابي.