في يوم الأربعاء 13 يوليو الجاري، وخلال كلمة له بمعهد بروكنغز الأمريكي، قال جون برينان مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA)، “إن تنظيم داعش يمثل تهديدًا خطيرًا جدًا جدًا على الملكة العربية السعودية”، هذا الإعلان من رجل مخابرات لدولة تعد الأولى في العالم له دلالات ورسائل معينة يريد من خلالها وضع النقاط على الحروف، ولقراءة ذلك لا بد من العودة إلى زمن ليس ببعيد عن كيف تم الإعلان عن ولادة دولة إسلامية جديدة تحت مسمى “داعش”، تحولت فيما بعد إلى هاجس يؤرق العالم.
في 29 يونيو 2014 أعلن أبو محمد العدناني إقامة الخلافة الإسلامية ومبايعة أبي بكر البغدادي خليفة المسلمين، وقال العدناني وهو الناطق الرسمي باسم الدولة التي باتت تعرف إعلاميًا باسم “داعش” إنه تم إلغاء اسم العراق والشام من مسمى الدولة، وإن مقاتليها أزالوا الحدود بين العراق وسوريا التي وصفها بالصنم.
واستغل هذا التنظيم الحرب الأهلية التي اندلعت في سوريا، عقب انتفاضة شعبية تطالب الرئيس السوري بشار الأسد بالرحيل، لكنها اتخذت فيما بعد طابعًا قمعيًا وسرعان ما تحولت من ثورة سلمية إلى مسلحة، ودخلت الجماعات الجهادية إلى سوريا من كل الدول التي وجدت في سوريا أرضًا خصبة لزرع نبتة الخلافة الإسلامية من الشام.
حظيت في البداية تلك الجماعات بدعم لوجستي وبالعدة والمال والسلاح من قبل دول خليجية على رأسها المملكة العربية السعودية التي كانت تأمل بأن تنتهي الحرب السورية سريعًا برحيل بشار الأسد، على غرار دعمها للجماعات الجهادية في حرب أفغانستان ضد الاتحاد السوفيتي.
لكن تنظيم الدولة شكل نفسه، وبدأ يتوسع في الانتشار ويزداد قوةً ووصل الأمر باحتلاله مناطق واسعة في العراق واستولى على محافظات عراقية بدون أي مقاومة من قبل الجيش العراقي، وتقدم نحو كردستان العراق، وبدأ بتنفيذ إعدام جماعي بحق مسيحيين ومواطنين من ديانات أخرى وهو ما أثار حفيظة الولايات المتحدة الأمريكية.
في 7 أغسطس 2014، توجه الرئيس الأمريكي باراك أوباما بكلمة للشعب، يصف فيها الاعتداءات العنيفة الموجهة ضد اليزيديين (مجموعة دينية صغيرة في العراق)، ويقرر أنه من الضروري تدخل القوات الأمريكية، وأضاف أن هذه العملية تهدف إلى حماية المواطنين الأمريكيين في المنطقة إضافة إلى الأقلية اليزيدية، إلى جانب وقف تقدم المسلحين إلى أربيل، عاصمة كردستان العراق.
ومنذ 8 أغسطس 2014 وبتكوين تحالف دولي وصل تعداده حاليًا إلى بضع وستين دولة، لم يستطع التحالف القضاء بشكل نهائي على التنظيم الذي وسع عملياته إلى خارج قواعده ( دول في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية نفسها)، مع انحساره في العراق وسوريا وليبيا.
لكن مع دخول روسيا بشكل رسمي لإنقاذ نظام الرئيس السوري بشار الأسد، واشتداد المعارك ضد التنظيم من قبل الجيش السوري الحر والعراقي والنظام السوري بدعم روسي والتحالف الدولي، بدأ ينحسر التنظيم في العراق وسوريا، وأيضًا في ليبيا التي كانت مرشحة بأن ينتقل التنظيم إليها مستغلاً الفراغ السياسي الذي أحدثته الأطراف المتنازعة على السلطة، لكنه ووفقًا لتقارير استخباراتية روسية وسورية مشتركة، فإن التنظيم بدأ يحمل حقائبه متجهًا إلى اليمن مستغلاً الأوضاع هناك منذ إعلان السعودية تحالف عاصمة الحزم ضد الحوثيين الذين أجبروا الرئيس اليمني عبده ربه منصور هادي على تقديم استقالته في سبتمبر 2014 ليستولوا على السلطة بالقوة.
وتواجد التنظيم في اليمن يمثل تهديدًا حقيقيًا للمملكة العربية السعودية ودول الخليج بل على العالم أجمع لأهمية موقع اليمن الاستراتيجي، وهو موقع محوري في التجارة العالمية، ولمس المجتمع الدولي بعد عام من إعلان الرياض “عاصفة الحزم” – التي لم تحقق أي هدف من الأهداف التي أنشئت من أجلها، سوى أن اليمن أصبح أرضًا خصبة للجماعات الجهادية -، خطورة ذلك من خلال تنامي عناصر الإرهاب واستحواذها على المزيد من المساحات في ظل الانفلات الأمني والانشغال بالصراع.
لماذا يمثل خطرًا على السعودية؟
يمثل تنظيم الدولة الاسلامية خطرًا على المملكة العربية السعودية، لثلاثة عوامل، وهي أنه يعتبرها هدفًا قادمًا له على اعتبار أنها رأس الأفعى، ودولة نفطية، وبيئتها حاضنة له.
في نوفمبر 2014 أذيع تسجيل صوتي لأبي بكر البغدادي زعيم تنظيم الدولة، ركز خلاله على الهجوم على المملكة العربية السعودية ووصفها بأنها “رأس الأفعى ومعقل الداء”، ووجه في كلمته دعوة صريحة لأنصاره بشن هجمات في السعودية حيث قال: “لا مكان للمشركين في جزيرة محمد – صلى الله عليه وسلم -“، وحدد لهم الأولويات، فحرضهم أولاً على قتل الشيعة قائلاً: “عليكم أولا بالرافضة” (يقصد الشيعة)، ثم حرض على استهداف الأسرة الحاكمة في السعودية قائلاً: “مزقوهم إربًا، نغصوا عليهم عيشهم وعما قريب تصلكم طلائع الدولة الإسلامية”.
بالرغم أن التنظيم استمد فكره من المذهب الوهابي المتشدد السائد في المملكة العربية السعودية، إلا أن التنظيم اعتبرها “رأس الأفعى ومعقل الداء” وهو رد على ما يبدو لدعم المملكة العربية السعودية التحالف الدولي وإعلانها محاربتهم، وقبلها وقفت عائقًا لتوحيده مع جبهة النصرة الذي أعلن ولاءه لتنظيم القاعدة رافضًا الاندماج مع داعش، وثانيًا لكون التنظيم يسعى نحو البلاد المنتجة للنفط، كان يرى أن المملكة هي القادم بعد العراق، والأهم له لاستقرار خلافته، وهو يحظى بشعبية واسعة في المملكة بحسب دراسة أجراها معهد “بروكنجز” الأمريكي في شهر أبريل 2015، لكن يبدو أنه غير استراتيجيته مطلقًا الذئاب المنفردة قبل أن يجد مستقرًا له غير سوريا والعراق وليبيا، واليمن أقرب له في ذلك نتيجة الانشغال في الصراع هناك.
أكثر المغردين والمتعاطفين مع داعش من داخل السعودية
وعودة إلى حديث جون برينان مدير المخابرات المركزية الأمريكية (CIA)، حول أن داعش تمثل تهديدًا خطيرًا على المملكة العربية السعودية، قال أيضًا إنه في الماضي تم استغلال ميزات المجتمع التقليدي في السعودية، لـ “تفريخ إرهابيين”، ولا يوجد هناك مفتاح ضوء يسمح بنقل دولة مثل السعودية، التي كان الجيل السابق فيها يعيش في بيئة تقليدية جدًا (إلى القرن الحادي والعشرين) بين ليلة وضحاها، واليوم توجد لديهم كافة المظاهر السطحية لعملية التحديث، لكن البيئة والثقافة والمجتمع والتقاليد الدينية مازالت غير مكيفة مع القرن الحادي والعشرين، وذلك من المهمات التي يتعين على السعوديين القيام بها”.
مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية جون برينان
هو تحريض أو رسالة للسلطات السعودية باستدراج الموضوع قبل فوات الأوان وحثها على إجراء تغييرات جذرية في منهجها وإعلامها، والانفتاح نحو العالم الذي يعتبره “متحضرًا”، وتهيئة الشباب على مستقبل معتدل، وحديثه هذا اتهام واضح أن السعودية بئة خاصة بـ”تفريخ الإرهابيين” كما نطقها نصًا بكلمته.
وقال أيضًا إن أولئك الذين كانوا يبحثون عن “منصة وثب” للأنشطة الإرهابية والمتشددة، استغلوا “منظمات مدعومة من قبل الرياض”، عندما كانت السعودية تروج لرؤيتها المحافظة للإسلام لتتصدى لتصدير الدعاية الإيرانية بعد ثورة 1979، وهنا يدعوها لمراجعة مواقفها نحو جيرانها وأن تقبل بأمر واقع والتطبيع مع إيران والاعتراف بها كقوة محورية في المنطقة، والابتعاد عن المنكافات السياسية معها.
الخلاصة
إن رسالة برينان الأساسية تفيد أن انهيار داعش في سوريا والعراق واليمن يؤدي إلى عودة الكثير من الملتحقين بداعش من السعوديين للسعودية، بالإضافة إلى أن فكر داعش رافده الأساسي الفكر الوهابي، والحاضنة السعودية لهذا الفكر تشجع على عودة “الدواعش” وتهديد الأمن السعودي والمصالح الغربية فيها وفي مناطق عدة في العالم.
وحتى لا يكون ذلك عبئًا على السعودية مستقبلاً يجب عليها الانخراط فعليًا في الجهود الدولية لمحاربة داعش وتجفيف منابع دعمها خاصة من الجمعيات والأفراد، والتفكير جديًا في تقليص نفوذها في اليمن (البلد المجاور) لأن توسعهم هناك يمثل عامل جذب للعناصر السعودية المتطرفة للالتحاق بهم ومن ثم العودة مرة أخرى لتهديد الأمن السعودي.