يعود فشل محاولة الانقلاب التي نفذها عناصر من قوات الجيش التركي يوم الجمعة، 15 يوليو 2016، إلى عدة أسباب، من بينها الانقسامات التي حصلت في صفوف القوات العسكرية وزلات المتآمرين.
بالإضافة إلى ذلك، لعبت وسائل التواصل الاجتماعي والاتصالات المتنقلة، كالعادة، دوراً محوريا في عملية الإحباط هذه، ومكنت الشعب، مجدداً، من التعبير عن إرادته وتحديد من يحكمه وفقاً لهذه الإرادة
انطلاقا من المعلومات المتاحة، سعت عناصر متمردة من ضباط الجيش التركي، يوم الجمعة، إلى تنفيذ المخطط الكلاسيكي للاستيلاء العسكري على الدولة، الذي كان يطلق عليه في القديم اسم “انقلاب العقداء”. وعمدت هذه العناصر، في ضل هذا المخطط، على إغلاق الطرقات الرئيسية وحاولت تأمين مقر البرلمان والرئاسة وسعت أيضاً إلى القبض على المسؤولين مرفوعي المستوى في الدولة، من بينهم الرئيس رجب طيب اردوغان وكبار القادة العسكريين.
بالإضافة إلى ذلك، عمد هؤلاء الإنقلابيون على السيطرة على وسائل الإعلام الحكومية واستعمال المحطة التلفزيونية الحكومية لبث بيانهم وإعلان النصر قبل أوانه، ولكنهم سرعان ما أدركوا أن هذا المخطط الكلاسيكي لم يعد كافياً وسارعوا إلى الاستيلاء على القنوات التلفزية الخاصة وإغلاق قناة سي أن أن التابعة لتركيا.
ضن الإنقلابيون أنهم سيتمكنون من السيطرة على الإعلام وقراءة بيانهم وتفسيره من خلال إغلاق المحطات التلفزيونية والسيطرة عليها وحرمان المواطنين من الوصول إلى مصادر إخبارية بديلة. كما استغلوا هذا الانقلاب لتنشيط الجماعة الصغيرة من المتعاونين التي تساندهم ولحث الآخرين على الانضمام إليهم، وخاصةً العناصر الأخرى من الجيش.
تراءى للانقلابيين أنهم، بأتباعهم قواعد المخطط الكلاسيكي، سيتمكنون من تنفيذ انقلاب عسكري ناجح، ولكنهم فشلوا في تحديث هذا المخطط بطريقة تأخذ بعين الاعتبار واقع وسائل التواصل الاجتماعي وتكنولوجيا الهواتف الذكية، لذلك، اعتبرت محاولة السيطرة على مصادر المعلومات نسبية، الشيء الذي ساهم في فشل محاولة الانقلاب العسكري في مدة وجيزة.
اعتمد الرئيس اردوغان، في غضون ساعات قليلة من بداية الانقلاب، على تقنية الفيديو المتوفرة على هاتفه المحمول للتواصل مع شعبه ولحثه على النزول إلى الشوارع وصد المتمردين. سرعان ما تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي، الفايسبوك وتويتر، الرسالة التي توجه بها اردوغان، مدعمة بصور المدنيين الواقفين فوق الدبابات وأمامهم.
لعبت وسائل التواصل الاجتماعي أيضاً دوراً حاسماً في نقل، بصفة مباشرة، الدعم المحلي والدولي الذي تقدمت به الأطراف السياسية للرئيس والحكومة التركية المنتخبة بصفة شرعية وديمقراطية. تلقى الرئيس اردوغان، بالإضافة إلى ذلك، رسائل مباشرة من النقاد المحليين، عبر موقع تويتر، أدانوا من خلالها محاولة الانقلاب وأكدوا أنها لم تعد طريقة مثالية للتغيير. من جهتهم، تقدم الرؤساء الأجانب، من بينهم الرئيس اوباما، بدعمهم لأردوغان وللديمقراطية التركية.
لم تقتصر مهمة الاشتباك الدولي والمحلي على إشباع فضول عامة الشعب، فقد عمل أيضاً على مقاومة المعلومة التي سعى الإنقلابيون الذين سيطروا على وسائل الإعلام المحلية إلى نقلها. بالإضافة إلى ذلك، حاول هذا الأخير تقويض محاولة الانقلابيين “لنقل حالة الحصار”.
ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي وتكنولوجيا الاتصال المتطورة، التي ضمنت تدفقاً سريعاً للمعلومات، في تشجيع الحشود الكبيرة من الشعب التركي وتمكينهم من مواجهة المتمردين ودباباتهم.
تحول الشعب التركي من حالة المتلقي، الغير فاعل، إلى حالة المشارك الفاعل والقادر على تقرير مصير الدولة بعد تلك الليلة التاريخية. فقد أثبت جدارته في التصدي لعناصر الجيش التركي وإحباط محاولة الانقلاب، على الرغم من استيلاء هؤلاء الأخيرين على وسائل الإعلام الحكومية.
لم يسمح الشعب التركي لهذه المجموعة من الخونة من تحقيق مخططها، حيث عملت مجموعة موسعة من المواطنين على عرقلة مسار القوات العسكرية وإفساد مخططهم، حيث تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي صوراللمدنيين وهم في مواجهة صارمة مع عناصر الجيش المتمردة. وأثبتت هذه الصور للعالم أجمع قوة إرادة الشعب التركي وشجاعته، وأكدت أن الانقلابيين قد فشلوا أمام هذه الإرادة واستوفوا كل الفرص التي كانوا يمتلكونها في الدولة.
بدأت المئات من الجنود المتمردين، بعد لمسهم للهزيمة، بالاستسلام وشرعوا في رفع الحصار عن الطريق. بالإضافة إلى ذلك، أظهرت الصور التي ملأت صفحات المواقع الاجتماعية، أن الشعب التركي نجح مجددا في إثبات دوره الجوهري في تحقيق مصير الدولة على الصعيد السياسي، وخاصةً فيما يتعلق بطريقة الحكم والحاكم.
ليست هذه المرة الأولى التي تلعب فيها وسائل التواصل الاجتماعي دوراً مهماً في التأثير على النتائج أو تمكين المواطنين من تحقيق مشاركة فعالة في الدولة بطريقة تمنع على الأقلية فرض إرادتهم أمام الأغلبية.
وليست هذه المرة الأولى التي ينجح فيها الشعب في تحقيق إرادته وفرضها بفضل التكنولوجيا، فقد تمكن الملايين من المصريين، في سنة 2011 و2013، عبر مواقع التوصل الاجتماعي من إبهار العالم بنشاطاتهم الجماعية التي تضمنت الخروج إلى الشوارع لخلق التغيير ولتقرير طريقة الحكم.
ساهمت وسائل الإعلام الاجتماعية في تعزيز الديمقراطية من خلال المساعدة على إحباط محاولة الانقلاب ضد الحكومة المنتخبة شرعاً.
وسيسجل التاريخ أن مجموعة من المسؤولين الأتراك المحتالين قد فشلوا، وأتباعهم، في فهم الكيفية التي استطاعت بها وسائل التواصل الاجتماعي تغيير الديناميكية التقليدية للانقلابات العسكرية. سيكون على الحكومة التركية اليوم اجتياز التحدي الذي يتمثل في الاستفادة من هذه المحاولة الانقلابية في مزيد تعزيز الديمقراطية في الدولة ومؤسساتها الشرعية.
المصدر: بلومبرغ