بينما أنا جالس في منزلي بمدينة حلب المنكوبة، ودوي أدوات الحرب يصدع رأسي بضوضائه القاتلة، ويعصر قلبي بآثاره المأساوية المدمرة، قفزت إلى حاضري بضعة أبياتٍ من قصيدةٍ للشاعر الراحل بشارة الخوري، يتخيل فيها أدوات الحرب وقد عقدت مؤتمرًا، تبرأت فيه من مسؤوليتها عن دمار البشرية:
أدوات الحرب عنها أضربت … والتقت أجمعها في محفل
وقفَ الفولاذ فيهم خاطبًا … بكلامٍ كالرحيق السلسل
قال: لو أنصفت ما كنت سوى … سكةٍ أو معولٍ أو منجل
إلى آخر التحفة الشعرية الفريدة، التي خرج الأخطل الصغير منها بعبرةٍ لخصها بقوله:
هذه، وهي جماد، أنفت … أن ترى الإنسانَ يهوي من عَل
يدعي العقلَ، ولكنْ حربه … أنبأتنا أنه لم يعقل
وكما نظر الشاعر حينها إلى الوجه الجميل لأدوات الحرب القبيحة، سنلقي الضوء من خلال موضوعنا هذا على الوجه المفيد الممتع للأسلحة النارية، بعيدًا عن دمار الحروب وويلاتها، وقريبًا من صخب المنافسات الرياضية، بحماسها وعنفوانها ولذتها التي تنأى عن الأذى القاتل.
مخطط توضيحي يبين أنواع الأسلحة المستخدمة في مسابقات الرماية الأولمبية
وسنسبر في سطورنا القادمة أغوار رياضة الرماية، وأقصد طبعًا الرماية بالأسلحة النارية الفردية، التي تعتبر واحدةً من أعرق الرياضات الأولمبية الحديثة، حيث ظهرت اللعبة منذ دورة الألعاب الأولمبية الصيفية الأولى، التي استضافتها العاصمة اليونانية أثينا عام 1896، وذلك بُعيد تشكيل الاتحاد الدولي للعبة بـ 9 سنوات، وقبيل إقامة أول بطولة عالمٍ للعبة في مدينة ليون الفرنسية بعامٍ واحد، وقد استمرت فعاليات الرماية مصاحبةً لجميع الدورات الأولمبية باستثناء دورتي 1904 و1928، علمًا بأن أولمبياد باريس عام 1900 شهد حادثةً كادت تتسبب بشطب منافسات الرماية من المنهاج الأولمبي تمامًا، عندما استخدم الحمام الحي كهدفٍ للرماة، مما أسفر عن نفوق نحو 300 حمامةٍ خلال منافسات الدورة، ولكن الأمر عولج في الدورات التالية، عبر الاستعانة بهياكل طينيةً عوضًا عن الحمام الحي.
وتتخذ منافسات الرماية الأولمبية 3 أشكالٍ، تبعًا لأنواع الأسلحة المستخدمة فيها ونوعية الأهداف المطلوب إصابتها، وسنستعرض فيما يلي أشكال الرماية الـ 3 بالتفصيل:
1- رماية البندقية RIFILE
ونميز فيها نوعين أساسيين من البنادق، الأولى هي البندقية الحرة، عيارها 5.5 ملم وتستخدم للأهداف البعيدة (50 م)، والثانية هي بندقية الهواء أو البندقية المضغوطة، عيارها 4.5 ملم وتحشى بالخردق وتستخدم للأهداف القريبة (10 أمتار).
وتتضمن فعاليات رماية البندقية 5 مسابقات، 3 منها للرجال واثنتين للسيدات، الفعالية الأولى هي الرماية من مسافة (50 م) بالأوضاع الـ 3: واقفًا، جاثيًا، ومنبطحًا، على دريئةٍ تظهر لمدةٍ محدودة، حيث يعطى كل متسابقٍ 120 طلقةً بحيث يستخدم 40 طلقةً لكل وضعية، على أن يتأهل أفضل 8 رماةٍ من حيث النتائج إلى الدور النهائي، الذي يعطى فيه كل منهم 10 طلقاتٍ إضافيةٍ لكل وضعية، ومثلها تمامًا فعالية الرماية (50 م) للنساء، مع فارقٍ بسيطٍ يكمن في عدد الطلقات الممنوحة والذي يبلغ 60 طلقة، على أن تستخدم 20 طلقةً لكل وضعية.
الفعالية الثالثة هي الرماية من مسافة (50 م) من وضعية الانبطاح، وتقتصر على الرجال دون النساء، حيث يزود كل رامٍ بـ 60 طلقة، وعليه أن يقوم بإصابة الدريئة لأكبر عددٍ من المرات خلال مدةٍ زمنيةٍ لا تتجاوز الساعة والنصف، على أن يتأهل أفضل 8 من حيث النتائج إلى الدور النهائي، الذي يمنح فيه كل منهم 10 طلقاتٍ إضافية.
الفعالية الرابعة هي الرماية من بندقية الهواء لمسافة (10 م) من وضعية الوقوف، حيث يزود الرماة بـ 60 طلقةً مع 10 طلقاتٍ إضافيةٍ في الدور النهائي لأفضل 8 رماة، ومثلها تمامًا فعالية الرماية من بندقية الهواء للسيدات، مع فارقٍ في عدد الطلقات الذي يبلغ 40.
2- رماية المسدس PISTOL
ونميز فيها 3 أنواعٍ من المسدسات، الأول هو المسدس الحر، عياره 5,5 ملم ويستخدم للأهداف البعيدة (25 و50 م)، والثاني هو المسدس سريع الطلقات، عياره 5.5 ملم ويستخدم لمسافة (25 م)، والثالث هو مسدس الهواء أو المسدس المضغوط، عياره 4.5 ملم ويحشى بالخردق ويستخدم للأهداف القريبة (10 أمتار).
وتتضمن فعاليات رماية البندقية 5 مسابقات، 3 منها للرجال واثنتين للسيدات، الفعالية الأولى هي الرماية من مسافة (50 م) للرجال من مسدسٍ حر، حيث يزود كل رامٍ بـ 60 طلقة، وعليه أن يقوم بإصابة الدريئة لأكبر عددٍ من المرات خلال مدةٍ زمنيةٍ لا تتجاوز الساعتين، على أن يتأهل أفضل 8 من حيث النتائج إلى الدور النهائي، الذي يمنح فيه كل منهم 10 طلقاتٍ إضافية، ومثلها الفعالية الثانية الخاصة بالرماية من مسدسٍ حرٍ للسيدات، مع فارق في بعد الدريئة الذي يبلغ (25 م).
الفعالية الثالثة هي الرماية من مسدسٍ سريع الطلقات، على دريئةٍ تبعد مسافة (25 م)، وتقتصر على الرجال دون النساء، حيث تقام منافساتها على مدى 6 جولاتٍ في يومين، ويتأهل إلى الجولة السادسة الحاسمة أفضل 4 رماةٍ من حيث النتائج.
الفعالية الرابعة هي الرماية من مسدس الهواء لمسافة (10 م) من وضعية الوقوف، حيث يزود الرماة بـ 60 طلقةً مع 10 طلقاتٍ إضافيةٍ في الدور النهائي لأفضل 8 رماة، ومثلها تمامًا فعالية الرماية من مسدس الهواء للسيدات، مع فارقٍ في عدد الطلقات الذي يبلغ 40.
3- رماية بندقية الصيد SHOTGUN
تعتمد على بنادق صيدٍ مزدوجة الفوهة تحشى بالخردق، ويكون الرمي من خلالها على أطباقٍ فخاريةٍ تطلقها آلات قاذفة في الهواء وفق مسارٍ معين.
وتتضمن فعالياتها 5 مسابقات، 3 منها للرجال واثنتين للنساء، الفعالية الأولى تدعى Trap، حيث تخرج الأطباق من آلةٍ موجودةٍ ضمن حفرةٍ في الأرض، ويجري الرمي من 5 مواقفٍ على مدى 6 جولاتٍ تقام على مدار يومين، حيث يقذف للمتسابق في كل جولةٍ 25 طبقًا، على أن يبلغ الجولة السادسة الحاسمة أفضل 6 رماةٍ من حيث النتائج في الجولات الـ 5 الأولى، وتماثلها فعالية Trap للسيدات، مع فارق في عدد الأطباق والجولات، حيث يقذف لكل متسابقةٍ 40 طبقًا على مدى 3 جولاتٍ، على أن تكون الجولة الثالثة هي الحاسمة.
الفعالية الثالثة تدعى Double Trap، وهي تقتصر على الرجال دون النساء، وتقذف الأطباق فيها من الحفرة بشكلٍ مزدوج، ويرمى عليها من موقفٍ واحدٍ على مدى 3 جولاتٍ، حيث يقذف لكل متسابقٍ 50 طبقًا في كل جولة، على أن يتأهل للجولة الثالثة الحاسمة أفضل 6 متسابقين في الجولتين الأوليتين.
الفعالية الرابعة تدعى Skeet، وهي تشبه بهيكلها التنظيمي فعاليات Trap، مع ملاحظة أن الأطباق تقذف من برجين، يساري مرتفع ويميني منخفض، ويتم الرمي من 8 مواقفٍ على مدى 6 جولات أيضًا، وتماثلها تمامًا فعالية Skeet للسيدات، مع فرقٍ في عدد الجولات والأطباق.
آخر ما يجدر ذكره أن منافسات بطولات العالم للرماية، تتضمن بعض الفعاليات الإضافية التي لا تتواجد ضمن منافسات الرماية الأولمبية، كالرماية من بندقيةٍ حرة لمسافة (300 م)، والرماية من بندقية الهواء على أهدافٍ متحركةٍ، ورماية المسدس الفائق السرعة، وغيرها من المسابقات والمنافسات، التي يشرف عليها الاتحاد الدولي للرماية ISSF، الذي يتولى أيضًا تحديد وضبط مواصفات الأسلحة والذخائر المستعملة، ومراقبة مقاسات حقول وصالات الرمي، ومعايير السلامة العامة فيها.