وقعت محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا على الحكومة الديمقراطية المنتخبة، وقد ظهر من التحقيقات الأولية فيما يتعلق بالشق العسكري تورط العديد من قيادات الجيش التركي في مختلف الأسلحة والفروع، وعلى كافة المستويات القيادية والرتب العسكرية بداية من الفريق أول نهاية بمئات الجنود الذين جرى اعتقالهم على خلفية المحاولة.
اعتقل في هذه المحاولة بالتحديد أبرز قادة الجيش التركي الثاني والثالث، واتهموا بالخيانة العظمى، بعدما ثبت محاولة قتل الانقلابيين للرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مقر إقامته أثناء قضائه لعطلة، إلا أن المحاولة فشلت وظهرت تفاصيل الأمر تباعًا.
حيث كشف المصادر الرسمية معلومات جديدة عن تفاصيل محاولة الانقلاب الفاشلة تشير إلى وجود جنود مجهولين عسكريين خلف إحباط هذا الانقلاب بجانب الأبطال الميدانيين من أجهزة الدولة المختلفة.
فبحسب المصادر تتبعت المخابرات العامة التركية خطة الانقلاب ووصلت إليها في الساعة الرابعة من عصر الجمعة، وهو ما دفع بتعجيل الانقلابيين لخططهم لتبدأ في الساعة التاسعة والنصف.
عقب ذلك قام قائد الجيش الأول الجنرال أوميت دوندار الذي طلب الانقلابيون منه أن ينضم إليهم قال لهم “دعوني أفكر قليلا” ثم اتصل بأردوغان في الساعة الثامنة والنصف، حيث طلب منه السفر لمدينة اسطنبول بدلًا من أنقرة، وأخبره أنه سيؤمن طائرته للهبوط في المدينة.
وفي ذلك الوقت اعتقل رئيس الأركان التركي خلوصي آكار بعد فشل إقناعه من قبل الإنقلابيين بالانضمام إليهم، وبعد رفضه قيّد وغطي راْسه ووضع بغرفة منفردة، بحسب شهادة المتهم الأول في التخطيط لهذا الانقلاب الجنرال أكين أزتورك قائد القوات الجوية السابق وعضو مجلس الشورى العسكري التركي.
لذا كان الموقفان لقائد الجيش الأول التركي الجنرال أوميت دوندار، والجنرال خلوصي آكار حاسمين في خطة إجهاض المحاولة الانقلابية، فمن هما الجنرالان اللذان رفضا إجهاض تجربة تركيا الديمقراطية؟
الجنرال أوميت دوندار
هو قائد الجيش الأول الذي تولى منصب رئيس الأركان بالوكالة أثناء العملية الانقلابية، وهو من أوائل الذين تواصلوا مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من قيادات الجيش لإخباره بتحركات مريبة داخل الجيش.
دوندار البالغ من العمر 61 عامًا ابن مدينة مانيسا القريبة من بحر إيجه غرب تركيا، التحق بالأكاديمية الحربية وتخرج منها برتبة ملازم في الهندسة العسكرية عام 1975، وخدم في الجيش بعد تخرجه حتى قرر الالتحاق بالأكاديمية العسكرية مجددًا، حيث تخرج منها عام 1985 برتبة ضابط صف، ومُنح منح رتبة لواء من قبل كلية الهندسة العسكرية عام 2005، ومركز التدريب التابع لهيئة الأركان العامة.
وقبل ذلك عام 2001 تمت ترقيته إلى رتبة قائد لواء في قسم الإنشاءات والعقار والبنية التحتية العسكرية التابعة لـحلف شمال الأطلسي (الناتو) التي أسست فيلق السلام الـ28 التابع للحلف.
كما عمل بالملحقية العسكرية لسفارة بلاده بالعاصمة البريطانية لندن، ومن أبرز المواقع التي تولى قياداتها بالجيش التركي قبل وصوله إلى منصب قائد الجيش الأول التركي، كانت قيادة سلاح حرس الحدود، كما تولى قيادة وحدة الميكانيكا بهيئة القيادة والإدارة اللوجستية التابعة للقوات المدرعة، كما عمل سكرتيرًا عامًا للأمانة العامة للقوات البرية، وكذلك عمل بالهيئة العامة للتخطيط الإستراتيجي التابعة لإدارة هيئة الأركان.
وفي العام 2009، حصل على رتبة فريق بالقوات المسلحة، وعين قائدًا للجيش الخامس، وعام 2011 عين مستشارًا بوزارة الدفاع ثم رقي عام 2013 إلى رتبة جنرال وعين قائدًا للجيش الثالث، في حين أنه وصل إلى منصبه الحالي في العام الماضي بعدما سمي قائدًا للجيش الأول التركي.
كان دوره الأبرز إبلاغ الرئيس التركي أردوغان قبيل التحركات الانقلابية بساعة، وهو ما أعطى هامش حركة للرئيس تسببت في نجاته من محاولة الاغتيال المرتبة له في مقر إقامته بمرمريس، كما ساعد على تأمين طائرة الرئيس في الجو حتى هبط في مطار أتاتورك بسلام، كما تولى بعد ذلك قيادة الأركان بالوكالة بعد الإعلان عن اعتقال رئيس الأركان خلوصي آكار.
الجنرال خلوصي آكار
هو رئيس أركان الجيش التركي الذي رفض الانضمام إلى العملية الانقلابية بعد محاولات عديدة من الاقناع له من قبل الانقلابيين بحسب شهادة قائد القوات الجوية السابق وعضو مجلس الشورى العسكري الحالي الجنرال أكين أزتورك المتهم الأول في هذه المحاولة الانقلابية الفاشلة، حيث أشار في شهادته إلى أن محاولات عديدة جرت لإقناع خلوصي آكار بتأييد هذا التمرد العسكري، إلا أنه رفض، حتى اعتقل ووضع في غرفة معزولة.
خلوصي آكار البالغ من العمر 64 عامًا ابن مدينة قيصري في تركيا، والذي التحق بالمدرسة العسكرية للقوات البرية عام 1972، وتخرج من مدرسة سلاح المشاة العسكرية عام 1973، واشتغل منذ تلك الفترة قائدًا للقوات البرية في وحدات مختلفة ضمن القوات البرية التركية.
كما عمل آكار في مناصب مختلفة داخل الجيش التركي أبرزها إدارة الشعبة اللوجستية لفرقة المشاة الثانية، إدارة القيادة العامة، ثم عمل كمدرس في الأكاديمية العسكرية الحربية، وكضابط استخبارات في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وكضابط تخطيط للقوات البرية في سكرتارية القيادة العامة، ومن ثم شغل منصب مدير في وحدة القلم الخاصة في الأركان العامة، وعمل بعدها معاونا لقائد القوات التركية في البوسنة.
تقلد خلوصي آكار في العام 1998 منصب قائد لواء سلاح مشاة الأمن الداخلي 51، وعين رئيسًا لدائرة التخطيط والمبادئ الحربية في قيادة حلف شمال الأطلسي، وسلم قيادة مدرسة سلاح البر الحربية وأكاديمية سلاح البر الحربية.
وفي العام 2007 عين الفريق خلوصي أكار قائدًا للقوات البرية التركية اللوجستية، وعين قائدًا للفيلق الثالث في القوات التركية، ثم رفع إلى رتبة فريق أول في عام 2011.
وفي العام الماضي اختار مجلس الشورى العسكري التركي الأعلى، برئاسة رئيس الوزراء آنذاك أحمد داود أوغلو، قائد القوات البرية الفريق الأول خلوصي آكار رئيسًا لأركان الجيش التركي، خلفًا لرئيس الأركان السابق نجدت أوزال.
كان قبلها آكار قد تقلد منصب النائب الثاني لرئيس أركان الجيش التركي، وفي شهر أغسطس من العام 2013 عين كقائد لقوات سلاح البر التركي، وهو الأمر الذي أهله بسهولة لتقلد منصب رئيس الأركان بعد ذلك، خاصة في ظل الحديث عن ثقة قيادات حكومة العدالة والتنمية به خاصة الرئيس التركي أردوغان.
ويُعد رفض الجنرال خلوصي آكار تأييد العملية الانقلابية أحد العوامل الحاسمة داخل الجيش التي شجعت قيادات أخرى لرفض هذه التحركات، وهو ما رجح كفة الحكومة الشرعية بعد ذلك، لذا يعد موقف خلوصي آكار انحيازًا واضحًا للتجربة الديمقراطية التركية.