مباشرة بعد أي عملية إرهابية في الغرب، يتم اتهام المسلمين دون أي تحقيق، علمًا أن عددًا منهم يموتون في تلك العمليات، لكن رغم ذلك تتم مضايقتهم من قبل السلطات، بعد عملية “نيس” التي راح ضحيتها العشرات، خرج الرئيس الفرنسي فرونسوا أولاند ليقول إن “فرنسا تتعرض لتهديد الإرهاب الإسلامي”، ليس غريبًا أن يصدر عنه مثل هذا الكلام، باعتبار أن فرنسا بالذات سبق لها أن اعتقلت المسلمين وضايقتهم لأسباب كهذه، لكن الغريب أن يطل علينا وزير خارجيته بعد فشل الانقلاب العسكري في تركيا، ليصرح أن “الانقلاب لا يمنح أوردوغان شيكًا على بياض لعمليات التطهير”، علمًا أن اعتقال الخونة الذين ساهموا في محاولة الانقلاب مشروع والتحقيق معهم يتم وفق القانون.
فشل الانقلاب أسقط الأقنعة وأوضح أن بعض الدول كانت تمني النفس بنجاحه وسقوط الديمقراطية في بلاد الأتراك، فبعد بيان “الجيش” كان جون كيري وزير الخارجية الأمريكي يستعد للاحتفال وعبر عن أمله في الحفاظ على السلام والاستقرار واحترام “استمرارية السلطة”، وحين تأكد الفشل لم يخف كيري حسرته وقال: “إن المحاولة الانقلابية تمت بطريقة غير مهنية”، وأردف قائلاً أنه “لم يكن عملاً جيدًا في التخطيط والتنفيذ”.
وبعد أيام من فشل الانقلاب ما زالت الدول الغربية تلعب آخر أوراقها للتضييق على الأتراك، ونئيهم عن معاقبة المتورطين فيه، قالت مسؤولة العلاقات الخارجية بالاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني “إن الانقلاب العسكري الفاشل في تركيا يجب ألا يكون عذرًا لإخراج تركيا من دائرة حكم القانون”، وأضافت مهددة بورقة الاتحاد الأوروبي “لا يمكن لأي دولة تطبق عقوبة الإعدام أن تكون عضوًا بالاتحاد الأوروبي”.
وقال المفوض المسؤول عن توسعة الاتحاد الأوروبي إنه قلق من حملة الاعتقالات في تركيا، بل وصل به الحد إلى القول أن لديه انطباعًا على أن لائحة الاعتقالات كانت معدة قبل الانقلاب!
بات موقف بعض الدول الأوروبية إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية من الانقلاب واضحًا، بل وإنها تقف وراءه، رغم التصريحات المعلنة التي أدانت هذا الفعل، لكن وراء تلك التصريحات تقف وجوه كانت تأمل أن تسقط الديمقراطية من بلاد الأتراك، وتنتهي سياسة أوردوغان التي تعرقل مخطط الغرب في الشرق الأوسط.
الشعب التركي الذي أفشل الانقلاب لن يقبل بتدخل خارجي لمنع الاعتقالات في صفوف الخونة، وهو الوحيد الذي سيحسم مسألة عودة تطبيق حكم الإعدام من عدمه، لأن الأمر يخص تركيا، ويهم أحفاد العثمانيين فقط، ولا أعتقد أن السياسيين في بلاد الأناضول بكل أطيافهم سيستدرجون إلى مستنقع الشد والجذب تحت يافطة “حقوق الإنسان”، والذي تحاول جرهم إليه – باعتباره ورقة ضغط – أمريكا وشقيقتها أوروبا.
لا بديل عن التنظيم سوى الفوضى، فكما أن أمريكا لديها قوانين لحفظ أمنها القومي، فتركيا أيضًا لها قوانين لحفظ أمنها واستقرارها، وكل من خرقها يستحق العقاب، وخيانة الوطن هي أعظم جريمة، وعقابها يحدده الشعب، وخصوصًا أن هذه الخيانة راح ضحيتها عشرات من المواطنين، وكان من الممكن أن يقتل أضعاف هذا العدد لو أن الانقلاب نجح.
إن كانت هناك خروقات تمارسها الحكومة التركية، فالمعارضة أولى بفضحها، لكنها لم تقل شيئًا كهذا، بل اصطفت جنبًا إلى جنب مع الشعب والحكومة ضد الانقلاب، ووقفت مع اتخاذ التدابير اللازمة لمعاقبة الانقلابيين، بل إن حزب “الحركة القومية” أيد عودة حكم الإعدام، أي أن كل من ينتقد الاعتقالات لا يمت بصلة لتركيا.
هناك أمر آخر يدفع إلى التعامل بصرامة مع الخونة، وهو أن لهم علاقة بالهجمات الإرهابية التي استهدفت البلاد، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وأن تعامل الأتراك شعبًا وحكومة ومعارضة، مع الانقلابيين بصرامة ستخلصهم من تهديدين، تهديد الهجمات الإرهابية، وتهديد المحاولات الانقلابية.
وأعتقد أن الأتراك استوعبوا الدرس جيدًا، ولن تؤثر في قراراتهم لا أوروبا ولا غيرها، وهذا ما صرح به رئيس الوزراء التركي يوم19/07/2016 : “أمريكا اعتقلت الآلاف في غوانتانمو بدون أي دليل أو محاكمة بدعوى حماية الأمن القومي الأمريكي”، وأكد بأن ما تقوم به تركيا يتم وفق القانون، وقال إن بلاده لن تقبل من أوروبا كلمة “لكن”، أي أن تركيا بشعبها ومعارضتها وحكومتها ستقوم بما يلزم لمعاقبة الانقلابيين وفق القانون، دون أن تقبل أي تدخل من دول خارجية.