ذكرت وزيرة التعاون الدولي المصرية سحر نصر، أمس الأربعاء، أن الحكومة المصرية تعمل من أجل القضاء على الفقر بشكل كامل بحلول عام 2030، وبحسب ما نقل عن وكالة الأناضول في بيان لها على هامش مشاركتها في المنتدى السياسي للتنمية المستدامة في إطار المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة في مدينة نيويورك، فإن السبيل لإخراج كل تلك الفئات من دائرة الفقر يكمن في توفير القاعدة الصلبة للتنمية، وعلى رأسها تعزيز النمو الاقتصادي، وإيجاد فرص العمل اللائقة للجميع، بما في ذلك تطوير الصناعة والابتكار ودعم البنية الأساسية.
وبحسب الوزيرة أيضًا فإن القضاء على الفقر تتم مواجهته من خلال العمل على حشد وتعبئة كافة الجهود الوطنية والإقليمية والدولية، كضمان لتحقيق التنمية المستدامة، التي قالت عنها إنها حق من حقوق الإنسان يجب أن يتمتع بها الجميع المرأة والشباب، والفئات المهمشة والأكثر ضعفًا، ومنها الأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن.
القضاء على الفقر تتم مواجهته من خلال العمل على حشد وتعبئة كافة الجهود الوطنية والإقليمية والدولية، كضمان لتحقيق التنمية المستدامة
والفقر كما يجري تعريفه لدى المؤسسات الدولية بأنه عدم القدرة على الحصول على الحد الأدنى من مستوى المعيشة، ويتعدى لصور أخرى من قبيل عدم كفاية الدخل لتلبية الحاجات الأساسية وعدم إمكانية الحصول على خدمات البنية الأساسية الضرورية والاستبعاد الاجتماعي والسياسي وعدم تحقيق التقدم التكنولوجي والمحافظة على البيئة.
هل ينجح مشروع القضاء على الفقر في مصر؟
تحليل كلام الوزيرة يندرج تحت بندين: الأول يتعلق بالمدة التي حددتها للقضاء على الفقر، والثاني يتعلق بالجديد الذي أتت به الوزيرة للقضاء على الفقر!
أما بالنسبة للمدة التي حددتها، فإن تفنيدها يعتمد على ما قدمته الحكومة المصرية خلال الشهور الماضية لتحقيق هدفها خلال العام المقرر في 2030، إلا إذا كان مشروع القضاء على الفقر يشابه مشروع توسيع قناة السويس وحفر التفريعة الجديدة لزيادة مدخولات القناة، وإذ بالقناة بعد انتهاء المشروع تصبح مدينة بالملايين وتسجل خسارات متتابعة وتخفض من رسوم العبور وتخسر من مزاياها التنافسية لصالح قنوات دولية أخرى.
أم يكون مثل القضاء على الفساد في البلاد، حيث تم اكتشاف قضية فساد تخزين القمح والتي حرمت مصر من 5 مليارات جنيه خلال العامين الماضيين، كما اكتشفت لجنة البرلمان لتقصي الحقائق أثناء زيارتها للصوامع حجم الاستيلاء على المال العام والذي بلغ في أول زيارتين فقط قرابة 119 مليون جنيه.
قفزت ديون مصر الخارجية إلى ما نسبته 100% من الناتج المحلي الإجمالي بواقع 2.722 ترليون جنيه.
أو ربما يحاكي مشروع الحكومة في القضاء على الفقر مشروع المليون وحدة سكنية والعاصمة الجديدة وعشرات الاستثمارات الأجنبية التي تم الإعلان عنها في مؤتمر شرم الشيخ في مارس/ آذار في العام الفائت وبقيت عبارة عن حبر على ورق لم ينفذ فيها شيء بسبب اختلاف المستثمرين مع الحكومة المصرية حول البنود الأساسية لتنفيذ المشروع.
ولربما يكون تخفيض قيمة الجنيه المصري من قبل المركزي وسحب قروض دولية من المؤسسات الدولية التي تفرض رفع الدعم عن المواد الأساسية وتحرير قيمة العملة وغيرها من حلول لا تتناسب مع خطط الدولة للقضاء على الفقر، وتصبح الدولة أكثر تبعية وتتحمل قروضًا فوق طاقتها، حيث قفزت ديون مصر الخارجية إلى ما نسبته 100% من الناتج المحلي الإجمالي بواقع 2.722 ترليون جنيه.
مشكلة الفقر في مصر ليست وليدة حكم السيسي أو مرسي فالدولة شهدت خلال العقد الماضي فترة حادة من الركود انعكست على واقع التشغيل ومستوى المعيشة، وبعد دخول مصر مرحلة التغيير السياسي في العام 2011 بعد اندلاع الثورة بدأت المعدلات الاقتصادية الكلية تضعف أكثر بسبب حالة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي التي عاشتها ولا تزال تعيشها حتى الآن، فاستمرت فترة الركود وارتفعت معدلات البطالة أكثر بشكل كبير وبخاصة بين الشباب، كما انخفضت معها معدلات الأجور الحقيقية في معظم القطاعات الاقتصادية، وتأثرت الشرائح ذات الدخل المحدود والفقيرة بهذا بشكل حاد.
قضية فساد تخزين القمح حرمت مصر من 5 مليارات جنيه خلال العامين الماضيين، واكتشفت لجنة تقصي الحقائق حجم الاستيلاء على المال العام والذي بلغ في أول زيارتين فقط قرابة 119 مليون جنيه.
ومن جهة أخرى فقد ارتفعت معدلات الأمية في مصر، إذ باتت مصر تعتبر من بين تسعة بلدان توجد فيها أعلى معدلات الأمية في العالم، والمعروف أن هناك رابط قوي يربط بين الأمية والفقر بشكل كبير، وهذا يضع ضغوط ضخمة على الحكومة المصرية التي من المفترض أنها تهدف للسير في عملية التنمية المستدامة والقضاء على الفقر.
وبحسب ورقة اقتصادية للاقتصادي محمد يوسف حسين بعنوان إجراءات محاربة الفقر في مصر والمنشورة في العام 2011، قدم الباحث في نهاية الورقة عدة توصيات قد لا تتشابه مع ما ذهبت به الوزيرة في خططها للقضاء على الفقر، فبحسب الورقة فإن تعجيل الحكومة في المسارات المختلفة للإصلاح ضمن الظروف الاقتصادية التي تمر بها مصر، تؤدي إلى زيادة الفقر بين فئات المجتمع المصري، وتزداد حدة الفقر في مناطق معينة أبرزها الصعيد.
ومن المظاهر السلبية للفقر على المجتمع المصري، تهميش الطبقات الفقيرة في المجتمع، واستبعادها من لعب دور مؤثر في أحداث التنمية، بالإضافة إلى شعور أفراد هذه الطبقات بالحرمان والعوز.
والخلاصة أن جهود الدولة في محاربة الفقر قاصرة على وضع القوانين دون إشراك فئات المجتمع المختلفة والمعنية بالأمر أكثر من غيرها للحد من انتشار هذه الظاهرة، ورجوعًا إلى الورقة الاقتصادية فإنه على الحكومة المصرية القيام بعدة أمور مبتكرة وتجريب أمور جديدة من قبيل تغيير فكر الفئات المختلفة في المجتمع تجاه التوظيف في الحكومة، وضرورة قيامهم بالمبادرات المختلفة لإقامة المشروعات الخاصة الصغيرة والمتوسطة، وتحمل دورهم في ذلك ،ووضع خطة متكاملة للصناعات الصغيرة والمتوسطة التي ترغب الدولة في توجيه عجلة الإنتاج إليها، وذلك بناء على دراسات واسعة ومكثفة لاحتياجات الأسواق المحلية والدولية.
وأخيرًا يجب على الدولة وبحسب الورقة وضع خطة عمل ذات محاور ثلاثة للقضاء على الفقر، تشمل تدعيم النمو الاقتصادي، ومحور لدعم التنمية البشرية من خلال زيادة الاستثمارات الموجهة إلى التعليم والتدريب والصحة، بالإضافة إلى تعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني للقيام بدورها المتوقع لها في القضاء على ظاهرة الفقر، وفي النهاية محور الرفاهة الاجتماعية، من خلال ترشيد المدفوعات التحويلية والدعم.
نسبة الفقر في مصر
بحسب الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء في مصر فإن نسبة الفقر العامة في مصر تقدر بنحو 26.3%، ويعد إقليم الصعيد الأكثر فقرًا داخل الدولة، حيث تتراوح نسب الفقر فيه حول 50%.
وتبعًا لدراسة للجهاز المركزي أُجريت خلال عام 2015، كشفت أن 92.5% من الأسر المعرضة لخطر انعدام الأمن الغذائي تمتلك بطاقة تموينية، لكنها تعاني من عدم كفاية بعض السلع التموينية مثل الزيت الذي يكفى خُمس الأسر فقط، وفي حالة عدم كفاية الدخل، فإن ثلث الأسر تعتمد على أنواع أرخص من الغذاء للحصول على الطعام.
ومن المتوقع أن تبلغ المساحة المزروعة بالقطن 350 ألف فدان في الموسم المقبل مقابل نحو 131 ألف فدان خلال الموسم الجاري بزيادة قدرها 167%، إلا أنه وبحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء فإن صادرات البلاد من القطن تراجعت بنسبة 54.2% إلى 112.7 ألف قنطار في الربع الثاني من السنة المالية الحالية.
وحتى الآن لا تزال الجهات المعنية في الدولة تشدد على ضرورة القضاء على الفقر وتوصي بتطبيق برامج معينة وتضع الخطط ولكن دون المساس بالفقر نفسه والأرقام تدل على ازدياد معدلات الفقر والبطالة في البلاد، وتبعًا لخطط الحكومة وأفعالها الملموسة على أرض الواقع فإنه لا جديد في التعامل مع الفقر ولا القضاء عليه.