تحاول الرباط في هذه الفترة استعادة عضويتها المعلقة في الاتحاد الأفريقي، منذ العام 1984م، ولكن هل تفلح هذه المحاولة في ظل تشبث الاتحاد الأفريقي بموقفه من القضية الرئيسية التي دفعت الرباط إلى تعليق عضويتها في منظمة الوحدة الأفريقية (المسمى القديم للاتحاد الأفريقي)، في ذلك الوقت، وهو قبول عضوية ما يعرف بـ”الجمهورية الصحراوية” التي شكلتها جبهة تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب “بوليساريو”.
فرئيسة مفوضية الاتحاد الأفريقي، نكوسازانا دلاميني زوما، كانت قد أعلنت يوم الأحد الماضي، على هامش القمة السابعة والعشرين للاتحاد في رواندا، بأن الاتحاد يدعم استقلال الصحراء الغربية، كما أن هناك إجراءات معقدة لطرد أي عضو من الاتحاد، قد تلعب ظروفًا سياسية بعينها، مثل طبيعة العلاقات بين المغرب وبين الدول التي من مهامها في الدورة الحالية، تغيير ميثاق الاتحاد الأفريقي، وهي: جنوب أفريقيا، ونيجيريا، والجزائر، وإثيوبيا، وأنجولا، وزيمبابوي، وتنزانيا، وموزمبيق، وناميبيا، وأخيرًا، جنوب السودان.
المبرر الرئيسي الذي قدمته المغرب لتلك الخطوة، سواء في رسالة العاهل المغربي، الملك محمد السادس، التي بعث بها إلى القمة الأفريقية، أو في تصريحات ممثلة المغرب في الاتحاد الأفريقي، آمنة ماء العينين، أن السبب يعود إلى “اقتناع المغرب بأن سياسة المقعد الفارغ لا يمكنها أن تكون ناججة في خدمة قضيته”، وأن الرباط “أخذت الوقت اللازم للتفكير استحضارًا لمجموع التحولات والمستجدات الطارئة على مستوى إشراف الأمم المتحدة على النزاع بين المغرب والبوليساريو”.
ولكن لا أحد يفهم كيف سوف تساعد هذه الخطوة المغرب على تحريك ملف الصحراء، ولا لماذا هذا التوقيت؛ حيث لا توجد مستجدات استراتيجية فارقة في الأمر، منذ سنوات طويلة، تبرر للرباط هذا التحول الراديكالي في مواقفها، والذي – في أبسط تقدير – سوف يضعها في عضوية ناشطة في منظمة واحدة مع خصمها الرئيسي، جبهة “البوليساريو”، ومع الدولة التي تحارب المغرب دبلوماسيًّا وعسكريًّا منذ من أكثر من أربعين عامًا لأجل إثبات أنها لا تمتلك لا شرعية ولا مقومات السيادة.
من اللافت في المشهد كذلك، أن أن 28 دولة عضو في الاتحاد الأفريقي الذي يضم 54 دولة، وجهت رسالة إلى إدريس ديبي رئيس جمهوية تشاد بصفته الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي، ترحب فيه بقرار المغرب بالعودة إلى الاتحاد.
الرسالة قالت إنها سوف تعمل على “تعليق مشاركة ما تسمى الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية في أنشطة الاتحاد الأفريقي وجميع أجهزته من أجل تمكين الاتحاد الأفريقي من الاضطلاع بدور بناء والمساهمة بشكل إيجابي في جهود منظمة الأمم المتحدة قصد التسوية النهائية للنزاع الإقليمي حول الصحراء”.
هذه الرسالة تقول بأن الرباط قد بذلت جهدًا دبلوماسيًّا ثنائيًّا وجماعيًّا قبل أخذ القرار، ولكن الرسالة بها دلالة شديدة الأهمية، وهي أن هناك ثلاثة دول عربية لم توقِّع عليها، وهي: مصر وتونس وموريتانيا.
إذًا، فحديث زوما، وموقف بعض الدول العربية من مسألة العودة المغربية إلى الاتحاد الأفريقي، يقول بأن الأمور ليست معبدة أمام الرباط، أما عن عدم وجود مستجدات تفرض هذه الخطوة؛ فيقول بأن هناك قصة أخرى خلف قرارها الحكومة المغربية.
قصة موجزة لأزمة طويلة!
تُعتبر أزمة الصحراء الغربية، أحد أقدم الأزمات في العالم العربي، وكانت السبب في عدة حروب إقليمية، بين المغرب وبين دول جواره، وتسببت في أزمة طويلة دامت أربعين عامًا.
فالأزمة تعود إلى ما قبل انسحاب الاستعمار الإسباني من هذه المنطقة، التي تنقسم إلى قسمَيْن إداريَيْن، وهما: الساقية الحمراء شمالاً، ووادي الذهب جنوبًا، في العام 1975م؛ حيث طالبت المغرب “باسترجاعها”، باعتبار أنها جزءًا تاريخيًّا من إقليم مراكش، بينما طالبت موريتانيا بالجزء الجنوبي منها، وهو جزء ثري بالموارد الطبيعية المعدنية، باعتباره أقرب من الناحية الإثنولوجية والمجتمعية لموريتانيا.
بينما ذلك، وجدت فئة من أبناء الإقليم بأنه من حقها الإعلان عن دولتهم المستقلة كما فعل المغاربة والموريتانيين ودول المغرب العربي كافة بعد الحقبة الاستعمارية، باعتبارهم مجموعة سُكَّانية متمايزة في خصائصها عن باقي المجموعات البشرية في الجوار.
وهم في ذلك يشبهون الأمازيغ، ولكن مشكلة هؤلاء الأخِرين، هو أنهم ينتشرون في أكثر من بلد عربي، بل يمتدون حتى إلى الصحراء الغربية في مصر، ولا يتركون في حاضرة سكانية واحدة، باستثناء جنوب الجزائر، فلم يتمكنوا من رسم إقليم موحَّد لهم يطالبون باستقلاله أو انفصاله، فمالوا إلى طلب حقوقهم في الاعتراف بهم وبلغتهم في دساتير وقوانين البلاد التي يعيشون فيها، وخصوصًا في المغرب والجزائر.
في حالة الصحراء الغربية، تشكلت جبهة تعبر عن الشعب الصحراوي، باسم جبهة “البوليساريو”، وهي تجميع للحروف الأولى للعبارة الإسبانية لـ”جبهة تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب”، في 20 مايو 1973م.
طالب الصحراويون بحق تقرير المصير كسائر شعوب المنطقة بعد رحيل الاستعمار
وفي مسعىً مبكرٍ لحل المشكلة، بعد وضوح اتجاه إسبانيا للجلاء عن الإقليم، تقدمت الحكومة المغربية في الثالث والعشرين من سبتمبر 1974م، إلى الأمانة العامة للأمم المتحدة والحكومة الإسبانية من أجل إحالة ملف الصحراء إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي، باعتبار أن هذه الخطوة سوف تنتهي إلى تعزيز مطالب المغرب بـ”حقوقه التاريخية على الإقليم”.
وفي الفترة ما بين الخامس والعشرين من يونيو وحتى الثلاثين من يوليو 1975م، ناقشت المحكمة القضية، قبل أن تصدر رأيها (استشاري) في القضية، في 16 أكتوبر من نفس العام، خلص إلى أنه بعد فحصها للأدلة والوثائق المتعلقة بتعيين القادة وجباية الضرائب والمقاومة المسلحة وحملات السلاطين الذين تولوا حكم المغرب، وغير ذلك من الأحداث خلال الفترة الاستعمارية، والتي قدمها المغرب لإثبات التبعية التاريخية للصحراء له، وكذلك المعاهدات والاتفاقيات والمراسلات دبلوماسية الدولية، التي اعتبرها المغرب كذلك، بمثابة “اعتراف دولي” من حكومات أخرى بذلك؛ فإن المحكمة قالت إن كلها لم تقِم الدليل على وجود روابط سيادية إقليمية تاريخية بين المغرب والصحراء الغربية، بالرغم من وجود علاقات تبعية روحية أوة دينية، بين بعض قبائل المنطقة وسلطان مراكش قبل استغلال المغرب، أو بين موريتانيا وهذه المنطقة.
وبذلك أقرت المحكمة مبدأ حق الإقليم ومجموعته السكانية في تقرير مصيره وفق قرارات الأمم المتحدة الخاصة بتصفية الاستعمار في العالم، ومنها القرار (XV/1514) الخاص بالصحراء الغربية.
ومثلت الحرب لغة الأزمة بين العامَيْن 1975م، و1991م، وبينما نالت جبهة “البوليساريو” وذراعها المسلح، جيش التحرير الشعبي الصحراوي، دعمًا سياسيًّا وعسكريًّا، من الجزائر وليبيا ودول المعسكر الاشتراكي بشكل عام، فإن المغرب وموريتانيا حظيتا خلالها بدعم من الغرب، وكانت فرنسا أهم الأطراف التي تدخلت في هذا الخصوص.
وبعد وقف إطلاق النار، بدأت الأمم المتحدة مساعٍ من أجل تثبيت مبدأ الاستفتاء على حق تقرير المصير، وتكرس هذا الخيار بعد رفض المغرب مقترح من المبعوث الأممي الخاص بالأزمة، وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، جيمس بيكر، عام 1997م، بمنح الإقليم حكمًا ذاتيًّا.
إلا أنه ومنذ ذلك الحين، لم يتم تنظيم الاستفتاء برغم موافقة طرفَيْ الأزمة، بسبب الخلاف حول موضوع من له حق التصويت.
ولقد لعبت الأزمة أو كانت ضمن عوامل أخرى، في توتر العلاقات بين المغرب ودول المغرب العربي الأخرى، وخصوصًا ليبيا والجزائر، وكان الدعم الجزائري للصحراويين ومطالبهم، في جزءٍ منه، بسبب تنافس تقليدي قديم بين المغرب والجزائر في هذه البقعة من العالم العربي، وصل إلى درجة الحرب المباشرة، كما في حرب الرمال التي اندلعت في العام 1963م.
والأمر هنا الذي تجب الإشارة إليه، هو أن الأمر لا يتعلق بصراعات دول أو شعوب، وإنما هي مصالح أنظمة وصراعات فيما بينها، فقبل ظهور الدولة القومية في العالم العربي، وقفت المغاربة بجوار الجزائريين، ودعموا نضالاتهم ضد المحتل الفرنسي، لدرجة أن المغرب أو مملكة مراكش تحديدًا، دخلت حربًا مع فرنسا خلال في أغسطس عام 1844م، بسبب مساعدة السلطان المغاربي المولي عبد الرحمن، للمقاومة الجزائرية ضد فرنسا، ودعمه للأمير عبد القادر الجزائري، وهو ما دفع فرنسا إلى مهاجمة المغرب، وضرب موانئه، مثل طنجة، وتطوان، وأصيلة.
وكالعادة لعب الاستعمار دوره في بذر بذور الفتنة وتركها تتفاعل حتى بعد رحيله.
فبعد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 2072، والمتعلق بتصفية الاستعمار في كل من سيدي إيفني والصحراء الغربية، قامت إسبانيا بإعادة مدينة سيدي إيفني عام 1969م، دون الصحراء الغربية، للمغرب.
في حينه لجأ المغرب إلى أسلوب جديد في المطالبة بحقوقه في ترابه الوطني؛ حيث دعا الملك الحسن الثاني، إلى تنظيم بما عُرف تاريخيًّا بالمسيرة الخضراء، وهي مسيرة سلمية جرت من دون أي شكل من أشكال العنف، استعاد بها المغرب الأقاليم الجنوبية للمغرب.
لماذا الآن؟!
كانت قمة رواندا الأخيرة، استثنائية في تأكيد موقف الاتحاد الأفريقي من قضية الصحراء الغربية؛ حيث تم تأبين زعيم “البوليساريو” الراحل، محمد عبد العزيز، بوصفه رئيسًا لدولة عضو في الاتحاد، كما تم استقبال الزعيم الجديد للجبهة، إبراهيم غالي، بصفته رئيسًا لها، وتم تكريمه بحسب حضور من داخل جلسات القمة.
وبرغم ذلك نجد أن الرباط قد أخذت خطوة استعادة عضوية الاتحاد، من دون طرح مسألة تعليق عضوية الجمهورية الصحراوية.
العاهل المغربي ذكر في رسالته المتقدمة، أن واقعة انسحاب الرباط لم تكن قرارًا محببًا للمغرب، وإنما كانت خطوة “فرضها أمر واقع لا أخلاقي”، في إشارة إلى خطوة قبول الصحراء في المنظمة، والتي وصفها بـ”الانقلاب على الشرعية الدولية”.
ولكنه طرح كذلك مبررًا قانونيًّا مهمًّا، وهو أن استمرار المغرب في عضوية منظمة الوحدة الأفريقية في ذلك الحين، كان سوف يعني اعترافًا ضمنيًّا بالدولة الجديدة، وأنه “تفاديًا للتجزئة والانقسام” أخذت بلاده هذا القرار “المؤلم”.
وحديث العاهل المغربي به بعض الوجاهة؛ لأن المغرب ليست عضوًا في أية تجمع إقليمي أو دولي يضم “جمهورية الصحراء الغربية”، فهي ليست عضوًا في الأمم المتحدة، ولا في منظمة التعاون الإسلامي، أو جامعة الدول العربية.
ولكن ثمَّة ملاحظة مهمة هنا، وهي أنه من بين 54 دولة عضوة في الاتحاد؛ فإن عشرة منها فقط هي التي تعترف بالجمهورية الصحراوية، ولكن هذا العدد في الماضي كان أكبر من ذلك؛ حيث نجحت الدبلوماسية المغربية في حمل بعض الدول الأفريقية، والدول الأخرى في أنحاء العالم على سحب اعترافها بالجمهورية الصحراوية، مثل بنين ورواندا وبوروندي ومدغشقر وسيراليون والكونغو الديمقراطية، وبنما وإيران.
فيشير البعض إلى أن المغرب قد قدَّر أنه من خلال عضويته في الاتحاد الأفريقي، سوف يكون بمقدوره حمل باقي الدول الأفريقية التي لا تزال تعترف بالدولة الصحراوية، على نبذها وسحب اعترافها بها.
أما من حيث التوقيت؛ فإن الغالب الأهم، هو أن المغرب رأى أن جبهة “البوليساريو” في موضع ضعف كبير، بعد رحيل مؤسسها وزعيمها الروحي التاريخي، محمد عبد العزيز، وتولي قيادة مجهولة قد لا يمكنها القيام بذات الأدوار الدبلوماسية التي قام بها عبد العزيز.
رحيل عبد العزيز أدى إلى تبدل جزئي في خطط المغرب في صدد قضية الصحراء
كما أن هناك تقارير تشير إلى أن الأوضاع الاقتصادية المتدهورة في الجزائر، وحالة الهشاشة السياسية الحالية فيها، مع عدم وضوح الرؤية فيما يتعلق بمرحلة ما بعد الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، بالإضافة إلى تفجر قضايا فساد عصفت برموز مهمين في دولاب الحكم في البلاد؛ قد أدت إلى إضعاف الدعم الجزائري للجبهة؛ حيث ذكرت تلك التقارير إن الجزائر خفضت دعمها المالي للجبهة، في مقابل المغرب التي حصلت على دعم مالي وسياسي خليجي وفرنسي، من أجل تثبيت مصالح خاصة بهذه الأطراف في القارة الأفريقية.
ويقول رئيس المركز المغاربي للدراسات الأمنية وتحليل السياسات، عبد الرحيم المنار أسليمي، في ذلك، في تصريحات للجزيرة.نت، إن الظروف السياسية الأمنية، والإقليمية والدولية، قد خدمت المغرب، ودفعت ميزان القوى تجاهها، وهو ما قادها إلى مسعى العودة للاتحاد الأفريقي، كقرار بشكل عام، وليس كجزء من سياسات مغربية جديدة في ملف الصحراء.
ويركز المغرب في ذلك، على منطقة النفوذ الحيوي الفرنسي في القارة، وخصوصًا في غرب أفريقيا، وهو ما ساعده على الحصول على دعم باريس في أكثر من أمر، ومن بينه الخلاف مع الأوروبيين حول المصايد في المتوسط والأطلنطي، مع دعمه لفرنسا في مواجهة النفوذ الأنجلو ساكسوني في غرب أفريقيا.
وفي الأخير؛ فإنه يبقى للسياسة أحكامها، والتي قد لا يمكن فهمها، في ظل التابوهات والدهاليز المغلقة للسياسة والأنظمة في عالمنا العربي، وما أكثرها!