في 16 يوليو/ تموز 2014، قتلت مدافع زورق حربي إسرائيلي عمداً أربعة أطفال يلعبون كرة قدم على شاطئ غزة.
في الصفحة الإلكترونية لصحيفة نيويوك تايمز، تم نشر صور الأطفال مع عنوان أوليّ: “مقتل أربعة أولاد كانوا يلعبون على شاطئ غزة”، ولكن في مساء ذات اليوم، تمّ تغيير العنوان ليصبح “إقحام أولاد في شاطئ غزّة بالصراع”.
كان تدخّل السياسة التحريرية في تغيير لهجة العنوان، مؤشر صريح لأولوية إرساء التعاطف مع إسرائيل وتبرير ما ترتكبه من جرائم، دون أن يظهر العنوان الثاني حتى أن الأطفال قد قتلوا!
ما حدث في تغطية بعض وسائل الإعلام العربية لمحاولة الانقلاب الفاشلة الأخيرة في تركيا، كان أفظع من ذلك، فقد اصطنعت “سكاي نيوز” أخبارا لا أساس لها من الصحة عندما قالت إن الرئيس التركي طلب اللجوء إلى ألمانيا، وإن هناك عرضا روسيا لرجب طيب أردوغان للجوء إليها، فضلا عن نقلها خبرا أفادت فيه بمقتل عدد من الوزراء.
كان يمكن لسكاي نيوز أن تقترب إلى منتصف العصا، تتحدث عن الأعداد المهولة التي يتم إقالتها، استغلال أردوغان الفرصة لتنفيذ ما لم يستطع تنفيذه سابقا، حيث أن الجيش والقضاء كانا خارج نطاق صلاحياته، رجل الدولة الواحد، وكثير من الأفكار التي يمكن العمل عليها بمهنية.
https://www.facebook.com/NoonPost/videos/839759292826265/
على الضفة الأخرى، انبرت وسائل إعلام وصحفيون وناشطون ملكيون محامون للدفاع عن أردوغان بطرق مستميتة، جعلتهم يتناقلون الكثير من الأخبار لا تمت للحقيقة بصلة وفيها الكثير من المبالغة حول أبطال إفشال المخطط الانقلابي، وغاب عنهم ما يجريه أردوغان الآن من تطهير لكامل الدولة من شرطة وجيش وقضاء وتعليم وأوقاف، ففصل وأوقف الآلاف بتهمة تأييد المتهم بالانقلاب “فتح الله غولن” فكرياً، إذ لم يلجأ هؤلاء لخطوات ميدانية ولم يدبروا معه انقلابه.
لا أقول هنا إنني مع الانقلاب، بل أنا مع الديمقراطية والشرعية، لكنني أسعى إلى تغطية إعلامية مهنية تتناول جميع الأطراف والقضايا والزوايا على حد سواء، أخبرونا أيضاً عن تدهور قطاعي السياحة والاقتصاد، أخبرونا لماذا جرت محاولة انقلاب؟ أخبرونا عن احتمالات قمع المعارضة أو مدى تأييد المعارضة لخطوات أردوغان القادمة، أين باقي الأطراف، وهل أردوغان في طريقه فعلا ليصبح رجل الدولة الوحيد بعد أن أقصى أحمد داود أوغلو وبعد هذه الإجراءات؟.
الانحياز في أوقات الصراع قد يصبح في بعض الأحيان “فعلاً سياسيًا” له دور وتأثير في مجريات الأحداث، وهو ما تسعى وسائل الإعلام المؤيدة والمعارضة لتحقيقه.
وهكذا فإن قوة الطرح الإعلامي، لا ترجع فقط إلى حجم تغطيته وحسن التنظيم واختيار الوسائل لدعم حجة ما على حساب أخرى، لكن بالتأييد المطلق لرواية واحدة، وتغييب أخرى أو تجاهلها أو حتى ادعاء عدميتها، والنتيجة: تصبح وسائل الإعلام متنافرة مع المهنية المطلوبة، وأبعد إلى ذوق المتابع الذكي الذي يرجو التغطية السليمة المجردة، ليست المنحازة ولا الحيادية الكاذبة، بل الموضوعية التي تتكيف مع الواقع دون سلوك يتوجه نحو صانع السياسة أو معارضه.