ترجمة مقال نُشر في الإندبندنت البريطانية
ترجمة محمد موسى
ما يقرب من 20،000 شخص في العاصمة جوبا، فروا من منازلهم للاحتماء بالأمم المتحدة بعد الانقسامات التي حدثت ما بين الحرس الجمهوري وبدأ اطلاق النار على بعضهم البعض يوم الاحد الماضي. يقال إن أجزاء من المدينة قد تحولت الى ركام جراء القتال العنيف الذي انتشر اليوم إلى بلدة بور، شمال العاصمة.و وفقاً لمسؤول عسكري في جنوب السودان، فإن سبب هذا القتال هو التنافس العرقي الشديد والذي يهدد بتمزيق البلاد.
بعد عقود من الحرب الاهلية، كان إستفتاء عام 2011 بادرة أمل كبيرة للبلاد. ولكن حصار النفط الذي فرضته الحكومة السودانية في الخرطوم على جوبا، قوضت تطوير المؤسسات الديمقراطية في ما هو في الأساس دولة الحزب الواحد. قرار الرئيس سلفا كير، الذي قاد الأمة الجديدة إلى الاستقلال في عام 2011، أن يقيل نائبه رياك مشار في تموز إثار الخلاف السياسي والعسكري بين الرجلين، الأمر الذ يترك جنوب السودان مترنحاً اليوم على حافة صراع خطير. السيد كير ينتمي إلى قبيلة الدينكا، بينما السيد مشار من قبيلة النوير.
قال الرئيس كير أن القتال يوم الاحد إندلع بعد ما وصفه بأنه “محاولة انقلاب فاشلة” من قبل الجنود الموالين للسيد مشار، الأمر الذي يجعل نائب الرئيس السابق الآن في موضوع المطارد. وقال وزير الخارجية برنابا ماريال بنجامين ان السيد مشار قد ذهب إلى الاختباء. وأضاف “اذا كان يريد أن يصبح رئيساً عليه أن ينتظر الإنتخابات” وأضاف السيد بنيامين أن مشار “يريد أن يكون الرئيس، ولكن عبر الطريق الخطأ.”
وينفي مشار أي مشاركة في محاولة الإنقلاب هذه، وفقاً لمقال نشر في السودان تايمز تحت عنوان “لم يكن هناك إنقلاب”، قال: “ما حدث في جوبا كان سوء تفاهم بين الحرس الرئاسي داخل تقسيماتهم. ولم يكن محاولة انقلاب. ليس لدي أي اتصال معهم وليس لي أي معرفة بأي محاولة للانقلاب.” وأضاف: “شخص ما يريد أن يورطني، لذى كان علي الفرار. إنهم يطاردونني الآن”.
الانفجار المفاجئ للعنف ترك المجتمع الدولي يعاني من أجل تقديم المساعدة اللازمة إلى العديد من الضحايا. من جهتها قالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في بيان لها: “لقد فر الآلاف من الضحايا، بمن فيهم النساء والأطفال، من منازلهم بحثا عن الأمان.”
وأضافت اللجنة في بيانها هذا أنهم يقدمون “المساعدات اللازمة للمستشفيين الرئيسية في المدينة حتى يتمكنوا من التعامل مع الأعداد الكبيرة من المرضى. حيث تم إستقبال أكثر من 300 شخص على مدى اليومين الماضيين”.
قالت وزارة الخارجية البريطانية إن سفارتها في جوبا لا تزال مفتوحة إلا أنه تم سحب بعض موظفي السفارة وعائلاتهم من البلاد ردا إرتفاع حالة العنف في البلاد. وقالت الولايات المتحدة انها أمرت جميع موظفي السفارة غير الأساسيين إلى خارج فوراً من البلاد.
أحمد سليمان، من مركز تشاثام هاوس ثينك-تانك، تابع الاضطرابات حتى الصيف السابق. وقال: “كان هناك إرتفاع في الإطرابات السياسية في البلاد منذ يوليو تموز عندما أقال الرئيس كير نائب الرئيس مشار وخفض عدد الحقائب الوزارية من 29 إلى 19 في محاولة لتبسيط وتنشيط أداء الحكومة”، وينظر إلى هذه الإجرائات التي إتخذها كير، والذي تولى منصب زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان في عام 2005، ينظر إلى إجرائاته على أنها تهدف إى تعزيز حظوظه في استعادة منصب الرئاسة في الانتخابات المقرر إجراؤها في عام 2015.
وقال سليمان أنه في الشهرين الماضيين قام عدد من كبار أعضاء الحزب بالنأي بأنفسهم عن السيد كير، بما في ذلك الامين العام للحزب، الرجل الذي قاد المفاوضات التي مهدت الطريق إلى الاستقلال، وريبيكا نياندنج دي مابيور، أرملة جون قرنق، سلف السيد كير. والتي كانت مستشارة كير في حقوق الإنسان وقضايا المساواة بين الجنسين.
وأضاف سليمان قائلاً: “في 6 كانون الأول عقد (بعض من كبار أعضاء الحزب الحاكم) مؤتمراً صحفياً مشتركاً، متهمين فيه كير بأن سلوكه الإستبدادي يتزايد. وكان هذا تحدياً كبيراً لقيادة كير.”
ونفى السيد سليمان أن تكون هذه الإنقسامات تعني بالضرورة صراعاً قبلياً، مشيراً إلى أن أعضاء من قبيلة الدينكا التي ينتمي إليها كير كانت بين المنشقين بسبب إسلوبه في الحكوم. ولكن البعض الآخر إدعى أن الاستقطاب على أسس عرقية يمثل خطراً كبيراً على الحياة في البلاد.
وقال دبلوماسي غربي له خبرة طويلة في المنطقة : “إن مصدر القلق يكمن في إنتشار هذا النزاع من جوبا إلى مناطق أخرى، حيث تكمن مشاكل عرقية قديمة، ومن ثم قد يتم إعادة تفعيل الميليشيات القديمة.”
وقال مسؤول في بلدة بور، شمال جوبا، أن الجنود على ثكنتين عسكريتين هاجموا بعضهم البعض. وقال أحد الصحفيين في المدينة لرويترز ان قوات من قبيلة النوير موالين لنائب الرئيس السابق تسيطر الآن على هذه الثكنات العسكرية في البلدة.
بور في ولاية جونقلي، هي أكبر مدينة في الولاية والأكثر اكتظاظاً بالسكان وهي أيضا الأكثر إطراباً في جنوب السودان، حيث أنه وفي العام 1991 قام جنود موالين للسيد مشار قاموا بقتل المئات من قبيلة الدينكا في المدينة.
جنوب السودان والذي يعتبر من أفقر دول العالم واجه تحديات هائلة بعد إستقلاله من السودان في 2011، ولكن الأوضاع تفاقمت فور الإستقلال بسبب الخلافات مع الخرطوم لفترة طويلة على ملكية آبار نفط مهمة شمال البلاد، خلافٌ لم يتم حله بالكامل حتى الآن على الرغم من أن النفط يتدفق مرة أخرى من جنوب السودان إلى السودان لتصديره.
عقود من الحرب الأهلية جعلت من الصعب أن يكون هناك إستقرار حقيقي في جنوب السودان، في بلد وصفته مجموعة الأزمات الدولية في عام 2010 بأنه “شبكة معقدة من التوترات العرقية ذات الجذور العميقة.”