إذا كانت دولة ما تعتمد في تصدير منتجاتها المتنوعة المصنعة محليًا على دولة أخرى والميزان التجاري مائل بشكل كبير لصالحها وتستضيف استثمارات أجنبية تعود لمستثمرين من تلك الدولة، فإنها (أي الدولة الأولى) ستحرص دائمًا على علاقة ودية مع الدولة الأخرى من باب الحرص على تجارتها والاستثمارات الأجنبية وستبادر لحل العوائق والعراقيل في حال حدوث طارئ قد يهدد خط التجارة وحركة الاستثمار معها، أما إذا كان العكس فهذا ما يدعو للتساؤل والبحث!
يقود هذا إلى فهم العلاقة بين دول الخليج وبريطانيا، ويطرح تساؤلًا حول سبب الخوف من قبل دول الخليج على شكل العلاقة وحيثياتها مع بريطانيا بعد انفصالها عن الاتحاد الأوروبي تبعًا لنتيجة التصويت الذي جرى مؤخرًا والذي سيضع بريطانيا في العام 2019 على أبعد تقدير بمعزل عن العلاقة السابقة التي كانت تربطها مع الاتحاد الأوروبي وبالتالي ستنفك كل العلاقات التجارية التي كانت تربطها كبلد عضو في الاتحاد مع دول العالم.
وإذا علمنا أن الميزان التجاري بين بريطانيا ودول الخليج العربي يميل لصالح بريطانيا حيث تصدر لدول الخليج مختلف المنتجات التقنية والدفاعية فضلًا عن ارتفاع الاستثمارات الخليجية في بريطانيا.
حيث يبلغ حجم التبادل التجاري بين الخليج وبريطانيا حوالي 22 مليار دولار سنويًا وتعتمد بريطانيا على الخليج في استيراد حاجاتها النفطية والغاز الطبيعي، فإن هذا يدعو بريطانيا للمبادرة لحماية علاقتها التجارية مع دول مجلس التعاون للمحافظة على حجم التبادل التجاري الذي كان يجري بينهما فضلًا عن الاستثمارات الخليجية في بريطانيا والتي لها وزنها في المملكة المتحدة.
يبلغ حجم التبادل التجاري بين الخليج وبريطانيا حوالي 22 مليار دولار سنويًا
والظاهر حتى الآن أن دول مجلس التعاون تخشى أكثر من بريطانيا من تغير العلاقة بين بعضهما ودعت في مناسبات عديدة إلى تقوية العلاقات الاقتصادية وتمتينها أكثر في المستقبل، فهل التوجه الخليجي على بريطانيا أمرًا مبررًا أم لا!
المنتدى الخليجي البريطاني الثاني
في اجتماع المنتدى الاقتصادي الخليجي البريطاني الثاني الذي عُقد يوم أمس 21 يوليو/تموز في غرفة التجارة العربية البريطانية في لندن والذي حضره رجال أعمال عرب وبريطانيون وأجانب ورؤساء منظمات وأعمال بحضور الرئيسة التنفيذية لغرفة التجارة العربية البريطانية الدكتورة أفنان الشعيبي، وشهدت هذه الدور حضور شخصيات مهمة مثل وزير التجارة الدولية الحالي وليام فوكس ووزير الدفاع الأسبق في حكومة تاتشر، ونجل الملكة البريطانية والرئيس التنفيذي لغرفة تجارة كيمبردجشير التي تضم في عضويتها 1500 شركة، بالإضافة للحضور العربي الرسمي من وزراء ووفود رسمية. وأكدت الكلمات خلال المؤتمر أن العلاقات التجارية والاستثمارية بين دول الخليج وبريطانيا لن تتأثر بخروجها من الاتحاد الأوروبي.
وتعد بريطانيا من خلال شركاتها ثاني أكبر مستثمر في السعودية بعد الولايات المتحدة كما أكد ذلك وزير التجارة والاستثمار السعودي ماجد عبد الله القصبي، مؤكدًا أن الشركات البريطانية سيكون لها دور كبير في الشراكات التجارية والاستثمارية مع السعودية للمساهمة في تطبيق رؤية السعودية 2030 التي أقرها ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. وورد على لسان الوزير أن حجم الاستثمارات السعودية في بريطانيا بلغت زهاء 60 مليار جنيه استرليني تتفاوت بين استثمارات سياحية وتنفيذية وعقارية على المستوى الخاص.
وعاود الأمين العام لدول مجلس التعاون الخليجي ليؤكد أن العلاقات التجارية بين بريطانيا ودول مجلس التعاون لن تتأثر بالاستفتاء الذي أخرج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وأكد أن دول المجلس تتطلع لتمتين العلاقات أكثر مع بريطانيا في المستقبل وأن الخليجيين مستثمرون دائمون في بريطانيا.
كما حضر المؤتمر نجل ملكة بريطانيا الأمير أندرو فيليب وأكد في كلمة له على عمق العلاقات البريطانية الخليجية وتجذرها في التاريخ ووصفها بأنها علاقات قامت على الصداقة والاحترام المتبادل وستستمر كذلك بحد تعبيره.
حجم الاستثمارات السعودية في بريطانيا بلغت زهاء 60 مليار جنيه استرليني تتفاوت بين استثمارات سياحية وتنفيذية وعقارية على المستوى الخاص
ويتضح أن السبب الرئيسي في توجه الخليج نحو بريطانيا وتأكيد العلاقة معها أكثر في هذه المرحلة؛ تدهور أسعار النفط الحاصل في العالم وظهور مشاكل حقيقية أضحت أزمات تهدد ميزانيات الدول الخليجية التي تعتمد في جلها على عائدات النفط وسجلت عجوزات مالية بعد هبوط أسعار النفط وأجبرت بعضها على ابتداع رؤى للتخلص من إدمان النفط.
فالاقتصاديات الخليجية تفتقر لنوع من الاستثمارات المتقدمة التي من خلاله تصبح قادرة على التخلص من النفط والاعتماد على إيرادات الاستثمارات والتحول من دول مستهلكة إلى دول منتجة وهذا يوفر لها تحقيق رؤاها المستقبلية. فقد وجدت في بريطانيا فرصة سانحة لتعميق العلاقة معها لمساعدتها في نقل اقتصادياتها إلى وضع أفضل مما هي عليه الآن.
لذا فهي بحاجة إلى دول ذات اقتصاديات متقدمة تساعدها في هذه الفترة وتعمل إلى نقل الخبرات والتقنية والتدريب من قبل شركاتها واستثماراتها إلى دول الخليج في مختلف القطاعات، ومن هنا تعتبر توجهها نحو بريطانيا أمرًا مبررًا فبريطانيا وما تمر فيه من وضع خاص بعد خروجها من الاتحاد تعد فرصة سانحة للخليج وهي ربما تكون مستعدة لبذل أقصى درجات التعاون مع دول الخليج بحكم العلاقات التجارية التي تربط الطرفين ببعض، ولانعتاق بريطانيا من القيود التي كانت تفرضها المفوضية الأوروبية في بروكسل عليها، واستغلال حاجة بريطانيا للتوسع في الأسواق لتعويض ما فقدته عندما كانت في الاتحاد.
ويشجعها على ذلك التوجه؛ الجيل الخليجي الشاب الذي تعلم في بريطانيا وتمرّس في شركاتها وباتوا شركاء مع الشركاتت البريطانية في مختلف القطاعات الخليجية وهذا سيسمح بتطوير التبادل التجاري بين بريطانيا ودول المجلس مستقبلًا.
أما من جهة بريطانيا، فهي تدرك أن تراجع العلاقات التجارية مع الشركاء سيؤدي إلى انكماش قطاع الاستثمار والاستهلاك في المملكة المتحدة ما ينعكس على الناتج المحلي الإجمالي سلبًا وستؤدي إلى انعكاسات سلبية على العمالة والأسواق المالية والعملة المحلية والثقة العامة في الاقتصاد، لذا فإن التقارب مع دول الخليج ضروري جدًا للحفاظ على حجم التبادل التجاري مع دول الخليج ومحاولة تطويره أكثر.