أخيرًا جاءت اللحظة التي سعى إليها دونالد ترامب ليكون المرشح الوحيد والرسمي عن الحزب الجمهوري حيث أعلن الحزب الجمهوري بعد أربعة أيام من الاجتماعات المتواصلة في ولاية أوهايو عن اختيار ترامب مرشحًا رسميًا عن الحزب لخوض الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة.
وفي ختام مؤتمر الحزب ألقى ترامب خطابًا أمام الحشود الغفيرة متعهدًا بهزيمة مرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون واتهمها بأنها ورثت البلاد “الموت والدمار والإرهاب والضعف” عندما كانت وزيرة للخارجية بين عامي 2009 – 2013 وانتقد السياسات التي اتبعتها في كل من العراق وليبيا ومصر وسوريا ومصر التي جعلت على حد وصفه الأوضاع أكثر سوءًا وألقى باللوم عليها في ظهور تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” وعاد ليأكد كما في كل خطاباته السابقة على التصدي للجريمة والهجرة الغير شرعية.
لم ينسى ترامب أن ينتقد الرئيس الحالي أوباما حول الخطاب الغير المسؤول الذي يتبناه أوباما والذي ساهم في تقسيم البلاد على أسس العرق واللون وقال عن إدارته أنها خيبت أمل الأمريكيين في الأمن والتعليم والعديد من القطاعات الأخرى. واستغل للتدليل على سياسة أوباما التوتر الدائر بعد مقتل ثلاثة ضباط من الشركة في مدينة باتون روج للإشارة أن البلاد تتمزق.
اتهم ترامب هيلاري كلينتون أنها لم تورث البلاد إلا الموت والدمار والإرهاب والضعف خلال توليها منصب وزارة الخارجية بين عامي 2009 و 2013
كما اتهم ترامب أيضًا حلف شمال الأطلسي بأنه فشل في محاربة الإرهاب وأعلن عن خطته في لتخلي عن “السياسة الفاشلة في تغيير الأنظمة”. وقال أنه لن نسمح بدخول لاجئين قادمين من بلدان تعاني من الإرهاب وشدد على موقفه اتجاه اللاجئين الغير شرعيين واصفًا إياهم أنهم ينتزعون الوظائف من المواطنين الأمريكيين ويرتكبون الجرائم في بعض الحالات، حيث قال أن هناك 180 ألف مهاجر غير شرعي لهم سجلات جنائية “يتجولون بحرية لتهديد المواطنين المسالمين”.
وقال أنه لن يوقع على أي اتفاقية للتجارة الحرة تؤثر سلبًا على مكانة الولايات المتحدة الاقتصادية ووعد الأمريكيين بالأمن والرخاء الاقتصادي واستعادة مكانة بلاده على الصعيد الدولي، ويرى ترامب نفسه أنه بديل جديد للساسة التقليديين وأن لديه الرغبة في مساندة الأمريكيين من الطبقة العاملة الذين يشعرون أنه جرى التخلي عنهم.
هل يطبق ترامب وعوده إذا أصبح رئيسًا؟
ما يميز ترامب عن بقية الرؤساء السابقين جرأته في طرح أفكار غريبة لم يعتد عليها المجتمع الأمريكي السياسي فمعظم السياسين وخصوصًا الجمهوريين منهم اتبعوا سياسات لا تخرج عن رؤية الولايات المتحدة في التوسع وعقد الشراكات والتحالفات واتفقيات التجارة الحرة، فهل يتميز ترامب عن غيره من خلال طرحه لسياسات غير مألوفة؟
يرى عبد الرحمن السراج أن ترامب سيكون أول رئيس أمريكي لم يعمل في وظيفة عامة أو يحمل رتبة عالية في الجيش، ولذلك من الصعب توقع ما ستكون عليه الإدارة الأمريكية في ظل رئاسته.
وقد علق الباحث السياسي عبد الرحمن السراج لنون بوست حول شخصية ترامب ومدى اختلافه عن غيره من المرشحين الجمهوريين السابقين وفيما إذا كانت برامجه الاقتصادية جديدة أم من وحي القديم؛ ترامب ليس من خلفية سياسية ولم يكن عضوًا في مجلس الشيوخ أو الكونغرس أو حاكمًا لولاية، فالاختلاف الحقيقي بين ترامب وبين المرشحين الجمهوريين الآخرين منذ رونالد ريغان على الأقل هو خروجه بخطة اقتصادية جديدة، وتعهده بضربة للهجرة والمهاجرين تتضمن بناء جدار مع المكسيك، وبضربة أخرى إلى الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالتجارة مع تلميح إلى أنه قد يتفاوض على اتفاقيات أفضل. والأهم هو مشروع الشراكة العابرة للمحيط الهادي إذ أعلن ترامب أنه ينوي الانسحاب منها في حال تم توقيعها على عهد أوباما، كما انتقد مرارًا السياسة الاقتصادية للولايات المتحدة، والتي أدت من وجهة نظره إلى إضعاف الصناعة الأمريكية وتصدير فرص العمل.
وحول ما إذا كان ترام سيطبق وعوده فور وصوله للرئاسة ومدى قدرته على ذلك في ظل وجود طاقم رئاسي ومستشارين ورجال أعمال ومجتمع المال والأعمال، يرى السراج أن ترامب سيكون أول رئيس أمريكي لم يعمل في وظيفة عامة أو يحمل رتبة عالية في الجيش، ولذلك من الصعب توقع ما ستكون عليه الإدارة الأمريكية في ظل رئاسته. ومع ذلك، فقد توقع محللون اقتصاديون لنيويورك ماغازين أن تؤدي سياسات إغلاق الولايات المتحدة على البضائع الأجنبية التي يعد بها إلى اضطراب في حركة التجارة العالمية، حيث أعلن ترامب أن الصين دولةً متلاعبةً بالعملة وتعهد بفرض عقوبات اقتصادية قاسية على المكسيك، وهاتان الدولتان من أكبر الشركاء الاقتصاديين للولايات المتحدة مما يبشر بأزمة مع تلك الدول على أقل تقدير.
ويردف السراج قائلًا أن ترامب وعد الصينيين بزيادة الضرائب على بضاعتهم بنسبة 25% بأحد التصريحات، ووعد المكسيكيين بعقوبات اقتصادية، وفي حال تطبيق تلك السياسات فالتبعات ستكون سيئة على تلك الدولتين حيث ستواجه مشكلة كبيرة بالبحث عن أسواق جديدة بدل أسواق الولايات المتحدة، الأمر الذي سيؤثر على الحركة التجارية في العالم أما الولايات المتحدة وفي ظل فقدان مرد أساسي للمنتجات التي تستوردها من تلك الدول فمن المؤكد أنها ستدخل في أفق أزمة جديدة تقوم على تحدي جديد يرتكز على كثرة الطلب وقلة العرض.
وفي النهاية يتحدث ترامب عن وضع مأساوي للولايات المتحدة، ويؤكد أنه الوحيد الذي سيكون قادرًا على تقديم حلول له ويصدر نفسه على أنه المنقذ الوحيد لما يجري في البلاد، فماذا لو لم ينجح دونالد ترامب في السباق الرئاسي الأمريكي؟ هل سيصر ترامب على أن أمريكا مازالت تتجه نحو الهاوية؟
المعضلة الحقيقية التي سيكون على الأمريكيين حلّها، أنه إذا ما استمر الرجل الأشقر في حديثه بتلك الطريقة، وإذا ما صدّق نفسه وصدقه مؤيدوه، فإن الأمر قد يتحول لنبوءة ذاتية التحقق، ويصبح ترامب هو أكبر مدمر للنموذج الأمريكي من حيث أراد أن يصلحه!