يصور الفنان السوري “همام الصياد” في آخر معارضه الفنية في مدينة بيروت قرون من الاستعباد والاستبداد عاشها الشرق الأوسط، وذلك من خلال لوحاته التي تعرض القديس جورج، المعروف في الإنجيل بكونه البطل الذي حمى حما الشام في ذلك الوقت، والذي يتم تصويره على الكنائس بأيقونة تعبر عن كونه البطل القاهر، يأتي الفنان ” همام الصياد” ليصوره بشخص عادي يرتدي الجينز ولكن برأس مشوه وأحول العينين.
تبدو لوحات الصياد للكثيرين بأنها لوحات لمسوخ، إلا أنها للجزء الأكبر منا، تبدو لنا وكأنه وضع الشخصيات في لوحاته بشكل سخيف، ليس لما تعانيه من مشاكل سياسية، ولكن لأنها تبدو في وضع وكأنها في حيرة من أمرها، وكأن تحديق المشاهدين للوحات يزعجها ويشعرها بالخجل.
كانت للأحذية العسكرية حضورًا واضحًا في لوحات الصياد، وذلك للتعبير عن الانقلاب العسكرية والصراعات المسلحة التي يشهدها الشرق الأوسط في هذه الفترة من التاريخ.
ليس هذا هو المعرض الأول للفنان همام الصياد الذي يعرض فيه مشاكل الشرق الأوسط في لوحاته، فهو يعمل في لبنان منذ فترة على العديد من المعارض التي يصوّر فيها العرب في الفترة الأخيرة من الحرب السورية والتغيّرات السياسية في المنطقة، كان المعرض الذي يسبق معرض بيروت الحالي كان للوحات لشخصيات ذوي رؤوس مهشمة أيضًا يحملون آخرين إلى مثواهم الأخير في مشاهد حزينة لضحايا الحرب السورية.
تظهر الشخصيات في لوحات الصياد بشكل محطم وبرؤوس مهشمة، كانت تلك طريقة الفنان في عرض حالة العرب بعد قرون من الاستعباد والظلم في الشرق الأوسط، بداية من الانقلاب العسكري في مصر، إلى الحرب التي مزقت سوريا والعراق، حيث تعبر الشخصيات عن الذين عاشوا في الشرق الأوسط منذ مئات السنين وحتى الآن، وهو ما يفسر استخدام الصياد لرمز القديس جورج في بعض اللوحات.
لوحة تصور العرب في الشرق الأوسط وهم مقيدين من أرجلهم وحول رؤوسهم.
يقول الصياد لموقع ميدل إيست آي بأنه لا يريد أن يعبر عن حالة من يعيشون في الشرق الأوسط في هذا الوقت فحسب، بل يريد أن يعبر عن طريق شخصياته الممسوخة والمُدمرة بأن هذا ما حدث لهم عبر قرون من الزمن، وليس بسبب الأحداث الحالية فحسب.
الفنان السوري همام الصياد
ولد الصياد في مدينة مصياف في شمال غرب سوريا، والتي عُرفت في التاريخ بأنها كانت دومًا ساحة للمعارك، حيث ضمت مجموعة الحشاشين، وهي الطائفة المتمردة التي انفصلت عن الفاطميين في أواخر القرن الحادي عشر الميلادي، ضمت مدينة مصياف الحشاشين من إيران وسوريا عندما كانت هناك معارك دائرة بينهم وبين الإمبراطورية السلجوقية في بلاد فارس وتركيا في ذلك الوقت.
لاقت الشخصيات البشرية المشوهة مبيعات ناجحة في المزادات الشهيرة في العالم مثل دار سوثبي للمزادات في الدوحة وكريستيز دبي
أجاب الصياد حينما تم سؤاله عن سبب جعله الشخصيات مشوهة المظهر في لوحاته، بأن من يعيشون في العالم العربي الآن هم مشوهون كذلك، لا يمكن أن يبدو ذلك على مظهرهم الخارجي، إلا أنهم محطمون جدًا من الداخل، فكل حاكم حكم تلك المنطقة استعمل كل أدوات الضغط السياسي والاستبداد من أجل استعباد تلك الأمة، وذلك منذ الإمبراطورية العثمانية، والاحتلال الفرنسي، وكذلك الإنتداب البريطاني وحتى ثورة الحركة القومية العربية، إلى حكم المتشددين الإسلاميين الآن، فقد راح الشعب ضحية كل هؤلاء.
تبدو شخصيات الصياد في اللوحات محطمة، لا تقدر على تغيير وضعها المزري على الرغم من أنها مازالت واقفة على رجليها، فهي لا تبدو مهتمة بتغيير وضعها من الأساس، فهي تمثل حالة اليأس الذي أصاب الشباب الثوري الآن بعد كل ما مرّ عليه من أحداث، كما تصور حالة عجيبة من السخرية والتهكم على وجوههم.
يقول الفنان صالح بركات مدير المعرض لميدل إيست آي بأن لوحات الصياد تصيبك بحيرة، فأنت لا تعرف هل تضحك على تصوير الشخصيات بهذا الشكل أم تشعر باليأس الذي تصوره الشخصيات في اللوحة، ولكنه في العموم يصوّر مأساة الشرق الأوسط بدون أن يرسم نقطة دم واحدة، أو بدون استخدام أي مشهد للعنف.
التماثيل البرونزية التي نحتها همام الصياد
تابع بركات في حديثه بأنه مهتم بعرض المأساة السورية منذ أن ابتدت الحرب بطريقته الفنية، فهو لا يهتم لأجندة الإعلام المسيسة، فهو يشجع اللوحات الفنية التي تقوم بالتركيز على المأساة الإنسانية في الحرب السورية، وهو ما يفعله الصياد في لوحاته، وبهذا يجعلك تتخيل نفسك شخصية من الشخصيات المرسومة، فالصياد يصوّر الحالة الإنسانية الكئيبة من وجهة نظر إنسانية بحتة.
لم ينسى الصياد الأزياء الشرق أوسطية التي تعبر عن الثقافة في تلك المنطقة أثناء رسمه للوحاته، حيث يعبر الصياد عن أيدولوجية في لوحاته، ولكن بدون اسم، أو وجه، فتجد أعداد لا تحصى من المواطنين المهمشون، والمعتدى عليهم وعلى حقوقهم، فلوحاته تعبر عن كيف يمكن للناس أن يصبحوا بعد ضغط مستمر من الدين، والسياسة، والدولة.