ترجمة عبدالرحمن السقا
إذا نظرنا إلى كيفية قضاء حياتنا نلاحظ أشياءً عجيبة.
فعندما نصل إلى عمر الثامنة والسبعين نكون قد قضينا تسعة أعوام في مشاهدة التلفاز وأربعة أعوام في قيادة السيارة، واثنين وتسعين يوماً في الحمام وثمانية وأربعين يوماً في ممارسة الجنس بنسبة تقريبية.
لكن النوم بلا شك أطول الأنشطة التى قمنا بها طوال حياتنا. فعندما نصل للثامنة والسبعين من العمر نكون قد قضينا خمسة وثلاثين عاماً في النوم. فهل يمكن تقليل تلك المدة قليلاً؟ وما هي أطول فترة يمكن أن نقضيها مستيقظين؟ وما هي نتائج عدم النوم؟
عندما نحاول اختبار أنفسنا بالسهر نلاحظ صعوبة الأمر. ويقول الخبراء أن حافز النوم يعيق تناول الطعام، وأن مخنا يستغرق في النوم من تلقاء نفسه مهما حاولنا مقاومة النوم.
لماذا ننام؟
لا يُعرف سبب قوة محفز النوم لهذه الدرجة. وعلى الرغم من احتياج الخبراء لتوضيح كيفية عمل النوم بشكلٍ كامل إلا أنهم يوضحون بشكل عام أنه إعادة ضبط للأنظمة التي في أبداننا من جديد. وتُظهر الأبحاث أن النوم المنتظم وبالقدر الكافي يسبب التعافي، وتقوية المناعة، وتنظيم التمثيل الغذائي (الأيض).
وعلى الجانب الأخر يُعرف بأنه في حال عدم النوم بالقدر الكافي تزداد المخاطر المتعلقة بأمراض السكر والقلب وبدانة الإكتئاب وغيرها. وربما لهذا السبب نشعر بغلبة النعاس على العيون والإرهاق وانخفاض الطاقة في معاد النوم. وكلما قاومنا النوم تهبط قدرتنا على التركيز وتكوين ذاكرة قصيرة المدى إلى الحضيض.
وإذا تغاضينا عن كل هذه الأعراض الجانبية فسيظهر اختلال التوازن العقلي في المقدمة، وتبدأ الهلوسة وجنون الارتياب (البارانويا) واضطراب الشخصية الحدي. ويستخدم سائقوا شاحنات النقل الكبيرة على الطرق الطويلة في أمريكا تعبير “رؤية الكلب الأسود” من أجل شرح هذه الحالة. ويبدأ بروز الظلال في الطريق. فيكون وقت إيقاف السيارة بجانب الطريق قد حان.
يحدث هبوطٌ في البدن في حالة الأرق. فتزيد هرمونات التوتر في الدم مثل الأدرينالين والكورتيزول، كما يرتفع الضغط، ويبدأ اهتزاز في نظام المناعة، وعدم الانتظام في ضربات القلب. ولهذه الأسباب يمرض المصابون بالأرق بسهولة أكبر.
لكن بعد النوم ينتظم كل ذلك، فالأضرار التي يُحدثها الأرق ليست دائمة.
عدم النوم مطلقا
ماذا يحدث في حالة عدم النوم مطلقاً؟ الأرق الشديد نتيجة خلل جيني ويمسمى بالأرق الوراثي المميت وهو مرض نادر.
هذا المرض لا يوجد إلا في 40 عائلة فقط حول العالم. يؤدي قصور جين واحد إلى تلف في المخ ويحدث مرض الأرق بسبب تأثر منطقة المهاد (التلاموس) التي تنظم النوم بالأخص.
يسبب الأرق لأيام طويلة العرق الشديد وتقلص حدقة العين حتى تصبح بحجم سن الحقنة. أما بعد عدة أسابيع فتبدأ حركة العضلات اللاإرادية والسرنمة (السير أثناء النوم) وحالة الاستغراق في النوم. وبعد فقدان الوزن والخرف يحل الموت.
هل الأرق قاتل؟
يُعتقد أن السبب الذى أدى إلى الموت ليس الأرق، وإنما الأضرار التي أحدثها المرض في المخ. (تُعرف معاناة المعتقلين الذين طبقت عليهم أساليب الترك بدون نوم كنوع من أنواع التعذيب، ولكن لم يلاحظ حتى اليوم وفاة أحدهم لهذا السبب).
لوحظت تطورات تؤدي إلى الموت بسبب الأرق نتيجة التجارب التي أُجريت على الحيوانات. فالفئران التي تم إيقاظها ألف مرة في اليوم لحظة غلبة النعاس، انهارت أنظمتها جسدها عندما تركت لفترة طويلة محرومة من النوم، كما حدث اضطراب في درجات حرارة بدنها، ولوحظ فقدان في الوزن على الرغم من أكلهم الزائد. ويوضح الخبراء أنه من الصعب التفريق بين إذا ما كان السبب المؤدي إلى الموت هو الأرق أم التوتر الناتج عنه.
من يملك الرقم القياسي؟
قد تكون كافة هذه الأمور مؤثرات رادعة بشأن تخطي حدود البقاء بدون نوم. فهل توجد تجربة حول مدى استطاعة الإنسان البقاء بدون نوم؟
الرقم القياسي في هذا الموضوع يعود لأمريكي باسم راندي جاردنر. فقد ظل جاردنر مستيقظاً أكثر من أحد عشر يوماً (264 ساعة) في تجربة تطوعية في معرض علمي عندما كان في السابعة عشر من عمره في عام 1964. وتشير مصادر ليست موثوقة بشكل كبير أن إمرأة انجليزية ظلت طوال ثمانية عشر يوماً تتأرجح على الكرسي الهزاز في عام 1977.
أنهت موسوعة غينيس للأرقام القياسية تسجيل التجارب في هذا المجال قبل عدة أعوام على أساس أن الناس يمكن أن يضروا أنفسهم بالبقاء مستيقظين عمداً.
المصدر: بي بي سي المستقبل