منذ مارس الماضي -“أي بعد عام من إعلان المملكة العربية السعودية «عاصفة الحزم» لإلزام الحوثيين والرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح الاستسلام، والقضاء على الأسلحة البالستية اليمنية، وإعادة عبده ربه منصور هادي، والقضاء على التهديد القادم من اليمن إلى أراضيها، دون أن يتحقق شيئًا من تلك الأهداف”، ومع تزايد التقارير الحقوقية حول مجازر تحدث في اليمن، وأن افقر بلد عربي مهدد بالمجاعة، مع توسع القاعدة وداعش في الجزء الجنوبي للجزيرة العربية، وهو ما بات يقلق المجتمع العالمي- لجأ المجتمع الدولي للضغط على المملكة العربية السعودية والجانب الحكومي والحوثيين وعلي عبدالله صالح من أجل الخروج باتفاق ينهي الصراع والحفاظ على المصالح المشتركة هناك.
لكن صيغة هذا الاتفاق لم يرى النور حتى الآن سوى ما يعلن عن مبادرات عبر وسائل إعلام مختلفة، بعضها من قبل الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، وآخر من المملكة العربية السعودية، وأهمه من المجتمع الدولي عبر مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن اسماعيل ولد الشيخ أحمد الذي لم يستطع ترجمة خارطة الطريق التي استنبطها من رؤيتي الأطراف المتحاورة، وقوبل بدعم دولي لا محدود، وتلك كانت أول درجة قد يصعدها اليمنيون نحو السلام، لكن الرئيس اليمني عبده ربه منصور هادي بدد ذلك يوم العاشر من يوليو خلال زيارته إلى محافظة مأرب اليمنية (173 كيلومترًا شرق صنعاء) التي زارها لأول مرة منذ مغادرته اليمن، وقال لن يقبل الحل ويرفض ضغط المجتمع الدولي، ويعد ذلك أول فشل حقيقي يدون في سجل المبعوث الأممي إلى اليمن.
حقيقة لم يرفضها هادي دون لون أخضر من السلطات السعودية، وهو لن يستطع قبولها أو رفضها دون موافقة المملكة، لأنها ترى في تنفيذ تلك الخارطة الأممية التي أعلن عنها ولد الشيخ أحمد قبيل إجازة عيد الفطر المبارك، خسارة سياسية ودبلوماسية وقبل ذلك عسكرية لها أمام عدوها اللدود الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح (الذي يعد مساهمًا في هذه الخارطة) وكذلك أمام إيران (عدوتها الأولى) والولايات المتحدة الأمريكية التي كانت تريد من خلال ذلك توصيل رسائل عدة أبرزها قدرتها على الردع السريع من أي اعتداء إيراني عليها، وثانيًا الاعتماد على نفسها بدون الولايات المتحدة الأمريكية.
مهلة كويتية وعرض سعودي
حددت الكويت مهلة زمنية لا تتجاوز 15 يوماً لأطراف النزاع اليمني المشاركين في مشاورات السلام، مؤكدة اعتذارها عن مواصلة استضافتها بعد هذه المهلة، بحسب تصريحات نائب وزير الخارجية الكويتي خالد الجار الله لقناة العربية السعودية.
وقال “الجار الله”: حددنا مدة 15 يوماً للمشاركين، وإذا لم يتم حسم الأمور خلال هذه الـ 15 يوماً، نحن حقيقة استضفنا بما فيه الكفاية، وبالتالي على الإخوان أن يعذرونا إذا لم نكمل مشوار الاستضافة”.
في غضون ذلك أعلنت المملكة العربية السعودية عرضًا (ظاهره الرحمة وباطنه العذاب) للأطراف اليمنية، للخروق من المحنة التي حلت على البلاد منذ 21 سبتمبر 2014، وجزأتها على مرحلتين، الأولى يتم توقيع اتفاقيات (استسلام) في الكويت، والثانية في مكة دون أن يتم تحديدها.
وكان الرئس اليمني علي عبدالله صالح قد ألمح في الخامس والعشرين من شهر يونيو الماضي إلى أن السعودية تسعى لأن تستضيف المباحثات اليمنية على أراضيها، وهو ما كان قد رفضها صالح والحوثيين في بداية الأزمة واعتبروا أن الذهاب إلى الحوار في المملكة العربية السعودية هو استسلام.
صالح يرفض الحوار في السعودية وقال إن حزبه لن يشارك
وقال “صالح”، خلال لقاء أجراه مع مجموعة من الإعلاميين “المقربين” من حزبه (المؤتمر الشعبي العام الذي يتزعمه)، لن يذهب لإجراء حوار في العاصمة السعودية الرياض، ولو استمرت الحرب عشرات السنين، وأنه في حالة التوصل إلى السلام، فإن التوقيع من الممكن أن يتم في الكويت أو سلطنة عُمان أو الجزائر أو الأمم المتحدة وبمشاركة روسيا وأمريكا ولن يكون التوقيع في الرياض”.
وأعلن” صالح” في كلمته عن “خارطة طريق” اقترحها حزبه للحل بعد مشاورات مكثفة، تتعلق بإخراج البلاد من الوضع الراهن، وذلك بعد أيام من إعلان المبعوث الأممي عن خارطة طريق أممية وهي، هي إيقاف العمليات العسكرية ورفع الحصار البري والجوي والبحري المفروض، والاتفاق على سلطة تنفيذية توافقية تمارس مهامها وفقًا للدستور لفترة انتقالية غير قابلة للتمديد، وتشكيل اللجنة العليا للانتخابات وإجراء انتخابات برعاية دولية، وتشكيل لجنة عسكرية تضم وزيري الدفاع والداخلية وخبراء دوليين من أمريكا وروسيا وعُمان، وتتولى اللجنة الإشراف على الانسحاب من المدن واستلام الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، ووقف الحملات الإعلامية والاتفاق على برنامج لإعادة إعمار ما خلفه العدوان (كما جاء في الخارطة التي أعلنها) وإنشاء صندوق لذلك.
وبعودة إلى قرآة العرض السعودي المقدم فهو لإحلال السلام في اليمن الذي يتكون من مرحلتين، وهما:
اتفاق الكويت
الاتفاق على تثبيت وقف إطلاق النار، وتشكيل لجنة عسكرية وأمنية بتوافق الطرفين، تتولى الإشراف على تنفيذ المرحلة الأولى من الاتفاق، وتشمل انسحاب المليشيات من العاصمة صنعاء، ومدن أخرى، وإنهاء حصار المدن، والعديد من الخطوات الأخرى.
اتفاق مكة (يحدد لاحقًا)
يوقع هذا الاتفاق تحت رعاية المملكة العربية السعودية ومن خلاله يتم تعيين نائب للرئيس متوافق عليه يتسلم كل صلاحيات هادي وفقًا لما حصل ب المبادرة الخليجية الأولى”
تعيين نائب الرئيس اليمني الجديد (علي محسن الأحمر) رئيسا للوزراء متوافق عَلَيْه، ويوكل لرئيس الوزراء الجديد تشكيل حكومة وحدة وطنية في فترة لا تتجاوز 30 يوما بعد تسليم السلاح في المنطقة “أ” وتشكيل لجنة دولية من الاعضاء الدائمين في مجلس الأمن ودول مجلس التعاون لضمان تنفيذ الاتفاق والاشراف عَلَيْه
هذا العرض وبالنظر إلى واقع المحادثات ومنذ بداية الحرب في اليمن، فإنه قد لا يحظى بقبول طرفي صنعاء لثلاثة أسباب..
الأول يبدو أن هناك سعيًا سعوديًا لإلزام الحوثيين وقوات الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح على إعلان الاستسلام من خلال المفاوضات السياسية بعد أن فشلت في عام وأربعة أشهر في إجبارهم على إعلان الاستسلام وفقًا لأهداف (عاصفة الحزم) التي انطلقت من أجلها.
والثاني هو محاولة السعودية لفرض الجنرال علي محسن الأحمر العدول اللدول للرئيس السابق على عبدالله صالح وعدو الحوثيين أيضًا، وهو ما سيعتبره طرفي صنعاء بأنه فرضا عليهما، وهو أحد أطراف الصراع، ويفضل أن يكون شخصًا آخر يحظى بقبول مختلف الأطراف، وإن كان خالد محفوظ بحاح.
الثالث وهو أن العرض السعودي لم يحدد وقتًا زمنيًا لاتفاق مكة المنصوص في العرض، وهو ما قد يفهمه طرف صنعاء أنه خدعة من قبل المملكة العربية السعودية، وهو غطاء شفاف أوهن من يمكن اعتباره من بيت العنكبوت هدفه تمرير البند الأول من هذا العرض فقط.
ولو كان هناك نية حقيقة من هذا العرض لابد أن يكون اتفاق شامل، يرضي كافة الأطراف المتصارعة على السلطة، لإنقاذًا للشعب اليمني الذي بات غالبيته تحت خط الفقر، وهو ما ينذر بكارثة إنسانسية، فضلًا عن أن ذلك يمكن قد يجعل غالبية الشباب يذهبون إلى جماعات متطرفة كالقاعدة وداعش التي تعمل حاليًا على استغلال اوضاع الشباب في اليمن لتجنيدهم لما هو قادم.
وزراء خارجية الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة البريطانية والولايات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية)
لكن الأوضاع في اليمن وتمدد الإرهاب فيها التي باتت مركز عمليات تدريب وتوسيع،(وربما قد تكون موطن انتاج الإرهاب الجديد والتصدير نحو الغرب)، أقلق المجتمع الدولي الذي يحارب تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، ما زال يمارس ضغوطه على المملكة العربية السعودية ودعم المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد، وما يؤكد ذلك هو البيان الرباعي الأخير لوزراء خارجية دول (الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة البريطانية والولايات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية) عقب اجتماعهم في لندن يوم 19 يوليو لمناقشة الوضع في اليمن.
كان البيان صريحًا، من خلاله أكدوا دعمهم القوي لمجهود المبعوث الأممي إلى اليمن، وهي إشارة مرور لتمرير الخارطة الأممية التي أعلنها “ولد الشيخ” قبل انتهاء الجولة الأولى من مفاوضات الكويت، ويبدو أن الضغوط الدولية على المملكة العربية السعودية أتت نتائجها، وهو الأمر الذي جعلها تعلن عن عرضها لحل الأزمة اليمنية حفظَا لما وجهها وكبريائها.
شدد الوزراء على أن آن الأوان للتوصل لاتفاق في الكويت. وبحثوا تسلسل اتفاق محتمل، وأكدوا على أن الحل الناجح يشمل ترتيبات تتطلب انسحاب الجماعات المسلحة من العاصمة ومناطق أخرى، واتفاق سياسي يتيح استئناف عملية انتقال سياسي سلمية وتشمل الجميع.
وحث البيان على إعادة تشكيل حكومة ممثلة للجميع هو السبيل الوحيد لمكافحة جماعات إرهابية كالقاعدة وداعش بفعالية، ومعالجة الأزمة الإنسانية والاقتصادية بنجاح. كما دعا الوزراء إلى الإفراج غير المشروط والفوري عن جميع السجناء السياسيين.
البيان لا يخلو من الخارطة الأممية التي قدمها المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد، وهو ما رفضتها الحكومة اليمنية والرئيس هادي، وهدد بعدم الحضور إلى المفاوضات اليمنية.
الخلاصة:
رفض هادي هو هروب من استحقاقات السلام لأن أي تسوية سياسية ستكون في نهاية المطاف على حسابه، فإن الحل السياسي سيكون بحكومة وحدة من مختلف الأطراف، وقراراتها توافقية، وبرئيس بدون صلاحيات لفترة محددة ثم انتقال سياسي عبر انتخابات رئاسية تراعاها الأمم المتحدة، وبالتالي فهو الخاسر الأول.
أما بيان وزراء خارجية الدول الأربع (الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة البريطانية والولايات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية) تعد خارطة الطريق التي ستفرض، لكنهم تركوا ترتيب الاولويات للحوار.
وفيما يخص تحديد الكويت مهلة اسبوعين للمتحاورين على أراضيها، هي نوع من الضغوط للتسليم بوجهة نظر ولد الشيخ الاخيرة والحلول المقدمة، والدفع بالمتحاورين ﻻستكمال حوارهم في الرياض او مكة وهو ما قد يذهب وفد الحوثيين هذه المرة بدون وفد حزب صالح (المؤتمر الشعبي العام).
أما على الأرض والحرب الشرسة الدائرة هناك، بمثابة ” يد للسلام وأخرى على الزناد” وهي للبحث عن نصر ولو إعلامي وممارسة الضغوط لتمرير اجندات في التفاوض.