تختزل عداوة حكومات كل من روسيا وسوريا وإيران لأمريكا في شخص دونالد ترامب المعروف بالجشع والغرور ومعاداة المسلمين، وهو أيضا رأسمالي شاذ جنسيا وفاقد للأخلاق. وعلاوة على ذلك، هو يدعو إلى إستعمال القوة ضد خصوم أمريكا وخاصة منهم المسلمين.
إذا ما سر شعبيته بين الحكومات التي تجهر بكرهها لأمريكا؟
لترامب سجل حافل من المدح الموجه إلى الإستبداد وحتى إلى إختلاق الأعذار له، على غرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والزعيم الليبي القذافي وآخرهم الرئيس العراقي السابق صدام حسين. ويمكننا القول أن موجة ترامب الشعوبية الاستبدادية أتت في الوقت المناسب تماما لرجال مستبدين مثل بوتين والأسد ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذين لا يصوبون مدافعهم ضد الجيوش الغازية أو التهديدات الخارجية، وإنما ضد زحف الحداثة التي تهدد أسس أنظمتهم.
لذلك يمكن القول أن ترامب يجسد مبادئ الإستبداد ورفض التعددية الثقافية في القرن الـ21 . ما جاء به له صدا لدى الحكومات والمنظمات التي تظهر كراهيتها لبعضها.
وفي سابقة، مدح بوتين ترامب ووصفه بأنه “رائع”. ومن جهته، مدح ترامب بوتين في برنامج حواري عندما قال: “إنه زعيم على عكس ما لدينا في هذا البلد” مما يعني أنه يفضل أسلوب قيادة بوتين على أسلوب باراك أوباما، الرئيس الأمريكي الحالي.
بالإضافة إلى ذلك، مع أن قناة بريس تيفي الإيرانية الناطقة بالانجليزية تقدم بعض نقاد ترامب، إلا أنها في كثير من الأحيان تقدم مدافعين على ترامب وتُقَدمه كمؤيد لنظرية المؤامرة لهجمات 11 أيلول/ سبتمبر التي تُرَوج لها القناة.
ومن جانبها، أقرت ”SyrianGirlpartisan” الموالية للرئيس السوري بشار الأسد، وهي أهم المؤيدين للنظام من المتحدثين باللغة الإنجليزية، أقرت أن الجناح الداعم لترامب في الحزب الجمهوري يُعتَبرون حلفاء طبيعيين للنظام السوري.
وعلى الرغم من شعبية ترامب مع النازيين الجدد، تقوم شخصيات يمينية إسرائيلية بالترويج له، بسبب معارضته لاتفاق إيران النووي. وعلاوة على ذلك، تردد شائعات عن عزم كازينو مغول شيلدون أندرسون -أحد المقربين من بنيامين نتنياهو، والممول الرئيسي لللُوبي اليهودي والمساهم الرئيسي في الحملات السياسية الأمريكية-تمويل الحملة الرئاسية لدونالد ترامب.
وتجدر الإشارة إلى أن جميع مستبدي القرن الـ21 يشتركون في سمة موحدة مع مؤيدي ترامب: وهي أنهم يشعرون بأن الحداثة والنظم الليبرالية العالمية هي أكبر تهديد لوجودها، حتى أكثر من الأعداء الخارجيين.
ترى كل هذه الأنظمة المتسلطة أن حرية الإتصال إلى جانب قوى المعارضة أكبر تهديد لسلطتها. بالإضافة إلى ذلك، تعتبر المنظمات الداعمة لحرية التعبير والديمقراطية مصدر إزعاج للأيديولوجية الشمولية، إلى درجة أن العديد ممن يسمون أنفسهم أعداء يصبحون أكثر استعداد لوضع خلافاتهم جانبا من أجل مواجهة التحدي الأكبر الذي يواجهه كل منهم.
وفي سياق متصل، هدد ترامب مرارا باتخاذ إجراءات عقابية ضد منتقديه من وسائل الإعلام. ومَثّل ذلك خروجا غير مسبوق عن قواعد السياسة الأمريكية والديمقراطية. ولم يكتف ترامب بذلك الحد بل هدد المؤسسات الإعلامية التي تنتقده بأنها “ستواجه مشاكل” في صورة نجاحه في الإنتخابات.
كما قام بإلغاء أوراق اعتماد صحيفة الواشنطن بوست في حملاته، وأضاف أنه سيرفع دعوى قضائية ضد وسائل الإعلام، وأفاد: “سنعتمد على قوانين التشهير التي ستمكننا من مقاضاة صحيفة نيويورك تايمز وواشنطن بوست لكسب المال”.
أثار هذا التفكير حفيظة الليبراليين وصنف ترامب كأحد الزعماء المستبدين الذين يعتمدون على الترهيب والرقابة وقوانين التشهير، والروايات والمؤامرات لدعم أجنداتهم وصد الانتقادات.
لكن لا يمكن للأنظمة الاستبدادية ضمان ديمومتها عن طريق منع الوصول إلى المعلومة فقط، حتى وإن إستمرت في المحاولة، ففي عصر الانترنت لا يمكن التحكم في تنقل المعلومة ولا الحد من حجم تأثيرها، لذلك، نلاحظ تحرك الحكومات ضد فكرة العالم المترابط.
من جانبها، نجت السياسات اليمينية القديمة لنتنياهو منذ عقود بسبب جهل الشعب الأمريكي لوحشية الاحتلال، إلى جانب اعتباره، منذ فترة طويلة أن إنتقاد إسرائيل يعتبر فعلا معاديا للسامية.
لكن بمرور الوقت، تم إضعاف فكرة معاداة السامية من قبل جيل من الشباب الأمريكي. وبالتالي، يواجه اليمين الإسرائيلي تحديا غير مسبوق، ليس من إيران وحماس وحزب الله، ولكن من جيل مطلع من الشباب اليهودي الأميركي.
العديد من التحديات التي يواجهها الليكود في القرن الـ21 تنحدر من عالم صغير، على غرار حركة (BDS) غير العنيفة في عالم الانترنت حيث يمكن لنشطاء وأنصار في أنحاء العالم التعبير عن التضامن من خلال العصيان المدني ومقاطعة السلع الإسرائيلية. وقد أدى هذا الواقع الجديد إلى نكسة كبيرة.
ومن جهته، يريد نتنياهو وخلفاءه قمع هذه التصرفات وقد اتخذت خطوة غريبة بمهاجمة الفيسبوك بسبب ما يسميه مؤيدو إسرائيل بـ”التحريض” عند نشر الفظائع التي ترتكبها قوات الاحتلال.
وفي نفس السياق، إتهم وزير الأمن العام الاسرائيلي، جلعاد اردان، مؤسس فيسبوك، مارك زوكربيرج، بتحريضه ضد إسرائيل. وقامت منظمة (Shurat HaDin) المؤيدة لإسرائيل واليمين المتطرف بإتخاذ خطوة غير مسبوقة عندما قامت بدعوى قضائية في محكمة في الولايات المتحدة ضد فيسبوك وطلب مليار دولار كتعويض. لكن لن يمنع ذلك الشباب الأمريكي من الإنتقال إلى موقع يوتيوب لرؤية العنف المتأصل للاحتلال العسكري.
نظريات المؤامرة
كانت فبركة الروايات القائمة على إستراتيجيا المؤامرات أحد أهم وسائل
الأنظمة القمعية، ولكن مع الإنتشار الكبير للمعلومة الصحيحة المتاحة على شبكة الانترنت، تزداد صعوبة إختلاق الأكاذيب. وأصبح من المهم الآن التخلص من التطرف، أكثر من أي وقت مضى . لذلك يجب على نظرية المؤامرة أن تنطلق من موقع على شبكة الانترنت لتكتسب بعدا أوسع وزخما أكبر إلى جانب الإعتماد على جيش من الموالين لضمان الديمومة.
زعم ترامب أن الآلاف من مسلمي أمريكا هللوا لهجمات 9/11 وكانت نقطة تحول، حيث أدرك النقاد أن أنصار ترامب لا يهتمون بالحقائق على الإطلاق، بالرغم من أنه لا توجد صورة واحدة ولا شهادة تدعم ما قاله. كما لا يمكن الوثوق في نسخة ترامب للأحداث دون الاعتقاد في مؤامرة ما. وقد ذهب ترامب أبعد من ذلك ليزعم أن الحكومة الأمريكية هي من دبر أحداث 11/9.
ومن جهة أخرى، يعول بوتين على المشاعر المتطرفة المعادية لروسيا حين أصبحت العزلة الاقتصادية لروسيا أكثر خطورة. بالإضافة إلى أن الدولة الروسية لا تستطيع إخفاء الوضع الاقتصادي المنكمش ولا الضحايا في سوريا ولا حتى الدبابات في أوكرانيا. لذلك تحتاج آلة بوتين الدعائية للمزيد من الأنصار الذين يمكن لهم إعتبار أي انتقاد لروسيا جزء من مؤامرة ضدها. وحتى أنهم اخترعوا كلمة جديدة لصد النقاد” رهاب روسيا” Russophobia))
وتعتبر التغطية الإعلامية الروسية لحادثة إسقاط طائرة ركاب رحلة (MH-117) خير مثال على قدرة الحكومات الاستبدادية الدفع بنظريات المؤامرة في العصر الرقمي. ففور إنتشار خبر الحادث في أوكرانيا، انطلقت وسائل الإعلام الروسية في صنع وفبركة رواية خاصة بالأحداث. فقد زعموا في البداية أن مقاتلة أوكرانية من طراز سو-27 هي التي أسقطت الطائرة المنكوبة، حتى أنهم قدموا صور للأقمار صناعية، تم فضحها بسرعة من قبل المدون البريطاني إليوت هيغنز.
وعندما قدم مجلس سلامة الطيران الهولندي أدلة قاطعة على أن صاروخ من نوعBUK قد أسقط طائرة، إنطلقت وسائل الدعاية الروسية من جديد في فبركة رواية جديدة، مؤكدين أن صاروخا أوكرانيا من نوع BUK قد أسقط الطائرة المنكوبة.
في الوقت الذي كانت هناك دائما لعبة شد الحبل بين الانعزاليين والأمميين، بين المحافظين والحداثيين، لم تستطع القيم المحافظة على رص الصفوف ضد فكرة أن العالم أصبح صغيرا. كما كانت الأممية عبارة عن فكرة، لكن أصبحت الآن حقيقة وواقعا.
لذلك نرى الحكومات تتخذ المزيد من التدابير لتصل إلى درجة رفض حقيقة أن العالم أصبح الآن مترابطا ومتعدد الثقافات. وقد دفعت التشريعات التي تستهدف حركة BDS إلى درجة لا تصدق. فقد أصبحت مقاطعة البضائع الإسرائيلية الآن جريمة يعاقب عليها القانون في بعض الأماكن. هو ليس فقط كيل بمكيالين، وإنما هو مفارقة منطقية ليصبح عدم القيام بشيء ما، أمرا غير قانوني؟
تعيش الحركات العرقية القومية الشعبوية في وهم أنهم يمكن أن يجعلوا العالم يختفي، وأنهم يمكن أن يستمروا في إختلاق الأكاذيب وصناعة الوهم والمؤامرات وإلغاء مستقبل التكنولوجيا. ومهما كانت معتقداتهم وتوجهاتهم في القرن الـ21 تضل حرية تنقل المعلومات عدوهم، وترامب ملكهم.
المصدر: ميدل إيست آي