استطاعت بعض الدول من خلال تطوير السياحة أن تجذب ملايين السياح إليها سنويًا وأن تفعل هذا القطاع بشكل كبير لخدمة الاقتصاد العام بما يرفده من تشغيل وتخديم لأعمال أخرى كثيرة. من خلال اعتماد استرتيجية واضحة المعالم تمكنت تلك الدول من تطوير البنية التحتية وجعلها حسب المعايير الدولية وبذل جهد أكبر لتطبيق العديد من الإجراءات التي من شأنها جذب السائح؛ كالنظافة والحضارة والتميز، علمًا أن تلك البلدان لا تملك الثروة السياحية الطبيعية الهائلة التي تتمتتع بها غيرها من بلدان العالم.
فالسائح اليوم لم يعد يجذبه الهواء المنعش والجو الجميل بقدر ما تجذبه الخدمات على كافة الأصعدة والمستويات من لحظة حجز تذكرة الطيران التي تناسب وضعه المالي إلى أختيار الفندق من عدد كبير من الفنادق المتنوعة والتي تقدم خدمات تنافسية للأطعمة والشراب والتنقلات الداخلية وسهولتها ورخص ثمنها والتسوق ووفرة المحال التجارية المتنوعة وما إلى ذلك من خدمات أخرى، والأهم من كل هذا هو معايير الأمان التي من المفترض أن تتمتع بها المناطق السياحية ومرونة أجهزة الدولة في الدفاع عن السائح وما قد يحصل له.
وبالقدر الذي يكون فيه الشاطئ جميل والجو رائع بالقدر الذي يُفسد هذا إذا كان غير نظيف فالسائح ينفر من المكان ولا يعود يأتي عليه، إذن الأمر لا يتعلق فقط بالثروة الطبيعية الموجودة بل يتعلق بمراعاة معايير نوعية وجودة معينة لجذب السياح وآلية استغلال الدولة لثرواتها الطبيعية لجذب السياح إليها.
الجزائر الجميل غائب عن السياحة العالمية
لا تعد الجزائر وجهة سياحية مشهورة في العالم كما أنها لا تتمتع بالخدمات السياحية واللوجستيات التي تخدم ذلك القطاع في الأماكن السياحية وهذه أحد السلبيات التي نتجت عن سياسة الحكومة ومع ذلك فإن الأماكن التي تصلح للسياحة تتمتع بثروة سياحية طبيعية ومحفزات تجعل السائح يأتي لزيارتها، يشجعه على ذلك المستوى المعيشي الرخيص مقارنة بالوجهات السياحية الأخرى.
تتميز الجزائر بمناطق سياحية تؤهلها لأن تكون من بين الدول المستقبلة والجاذبة للسياح وهو ما يؤكده الواقع وتشهد له العديد من الكتابات في مؤلفات مثل رحلة في ربوع الأوراس لسيلمون هلتون أحد الرحالة الذين زاروا الجزائر وكتبوا عنها.
إلا أن الحكومة الجزائرية لم تعطي هذا القطاع الهام والرافد للقطع الأجنبي أهمية بالغة حيث بقي هذا القطاع مهمش ولا يحظى باهمتمام السلطات عليه كبقية القطاعات الأخرى وهذا ساهم في إضعاف البنية السياحية في البلاد وما تحتاج إليه البلاد لا يبعد عن تسليط الضوء أكثر على هذا القطاع المهم بحيث يكون لها خطة واضحة تهدف لتطوير القطاعات السياحية في البلاد وجذب استثمارات أجنبية في حال عجز القطاعات المحلية بالنهوض بهذا القطاع في إطار تنسيق الجهود لجعل الجزائر قطبًا سياحيًا يكون في قائمة السياح في العالم لزيارتها، فضلا عن دور السياحة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وفق الإحصائيات المصرح بها من وزارة السياحة فإن عدد السياح المتدفقين إلى الجزائر بلغ نحو 2,400 مليون سائح، حيث يقدر عدد الأجانب 900 ألف سائح وعدد السياح الجزائريين المقيمين في الخارج بلغ حوالي 1.5 مليون سائح. وجاءت نسبة من جاؤوا بغرض الترفية والاستجمام بنسبة 70%.
وبحسب إحصائيات عام 2011 يوجد ما يقرب من 92 ألف سرير فندقي موزعة بين القطاع العام والخاص والمختلط وهذه الأرقام سواءًا عدد السياح أو عدد الأسرة فإنها لو عبرت عن شيء فهي تعبر عن ضعف عدد السياح مقارنة مع بلدان سياحية تتمتع بأقل مما تتمتع بها الجزائر فضلا عن ضعف الهياكل السياحية وعدم قدرة البلاد على تلبية احتياجات السائح، وهذا أحد أبرز الأسباب في قلة أعداد السياح القادمين إلى البلاد.
مميزات البيئة السياحية في الجزائر
تتمتع الجزائر بخصائص طبيعية وجغرافية فريدةحيث تقع في الضفة الغربية لحوض البحر الأبيض المتوسط ويبلغ طول ساحلها حوالي 1200 كلم وتعد من حيث المساحة ثاني أكبر البلدان الافريقية بعد السودان حيث تتربع على مساحة 2,381,741 كلم مربع ويفوق عدد سكانها ال 35 مليون نسمة.
وتتعدد المناطق الساحلية في البلاد من سواحل وهضاب ومواقع أثرية تعود لعهد الرومان والمسلمين وحضارات أخرى. مرورًا إلى منطقة السلسلة الأطلسلة التي توجد فيها أكبر قمة جبلية في الشمال وسلسة جبلية موازية للساحل تتمتع بإمكانيات كبيرة لتنمية أنواع سياحية عديدة كالنشاطات الرياضية المختلفة من التزحلق والتسلق والصيد وغيرها.
ثم يأتي تباعًا منطقتي الهضاب العليا التي تتميز بالمناخ القاري والمواقع الأثرية والصناعات الحرفية والتقليدية المتنوعة وبعدها منطقة الأطلس الصحراوي الواقعة بين الهضاب العليا والصحراء الكبرى والتي يمكن فيها تنمية السياحة المناخية والمعدنية. وهناك منطقة واحات الصحراء التي تتميز باعتدال درجات الحرارة وتتركز فيها الواحات بنخيلها وبحيراتها وصناعاتها التقليدية.
لذا تزخر السياحة في الجزائر بالتنوع كالسياحة الشاطئية والسياحة الصحراوية بما تحمله من استكشاف والسياحة الصحية لما تزخر به المنطقة من مياه معدنية والسياحة الثقافية ذات الطابع ديني والسياحة الرياضية فضلا عن سياحة المؤامرات والأعمال.
هناك طابع مميز في المدن الجزائرية فمدنها تجمع بين الطرز المعمارية كالأندلسية والعثمانية والكولونيالية الفرنسية والحديثة كما في مدن قسنطينة ووهران وتلمسان والبليدة والجزائر العاصمة.
ويوجد سبع مواقع للتراث العالمي مصنفة ضمن قائمة اليونسكو تتنوع بين الرومانية والاسلامية والنقوش التي تعود للعصور الغابرة كما في آثار تيازة وجمياة والقصبة ووادي ميزاب ومواقع أخرى.
في النهاية فإن السياحة في الجزائر تعاني من مشكلات أساسية تعيق تطور هذا القطاع المهم في البلاد وأبرز تلك المشاكل الأمن والاستقرار وغياب ما يعرف بالشرطة السياحية وغياب الخدمات السياحية وضعف قدرة الاستيعاب الفندقي وعدم تنوعه وغياب المعلومة السياحية والمنشورات التوجيهية وغياب النظافة بشكل عام ونظافة الشواطئ بشكل خاص وقلة الأنشطة الترفيهية وعدم الاهتمام بتهيئة الغابات وأخيرًا غياب استراتيجية تسويق المنتجات السياحية على المستوى الدولي>
مع العلم أن الحكومة الحالية في الجزائر وضعت مخططًا لتنمية السياحة والنهوض بالقطاع حتى العام 2030 حيث شهد قطاع السياحة قفزة منذ العام 2008 وقد تم رصد أموال للدراسات والتهيئة بالإضافة إلى فرض القوانين والإجراءات التحفيزية كتسهيل الحصول على العقار السياحي وتقليص ملفات الاستثمار من 7 وثائق إلى 3 فقط بالإضافة إلى الإعفاءات الضريبية وأمور أخرى ومع ذلك لا تزال السياسات المطبقة في هذا الشأن دون المستوى المطلوب التي تحل المشاكل التي يعاني منها القطاع بالعموم.