“فتح تخشى الخسارة وحماس تخاف الفوز والمواطن الفلسطيني هو الضحية”، ملخص السيناريوهات المتوقعة للانتخابات البلدية المزمع إقامتها في الثامن من أكتوبر من العام الحالي، بالمناطق الفلسطينية بما فيها قطاع غزة الذي تهيمن عليه حماس.
كان إعلان حكومة الحمدالله موعد الانتخابات بمثابة طوق النجاة لحركة فتح التي تعاني انقسامات داخلية لا حصر لها، لذا سارعت لتأييد ودعم قرار إجراء الانتخابات، الذي وصفته بأنه سينهي حالة الانقسام بين فصائل المقاومة الفلسطينية، مع وضعها في الاعتبار الرفض الجاهز من قبل حركة حماس لإجراء الانتخابات في غزة، أو المشاركة فيها بباقي مدن الضفة، مثلما حدث في نفس الشهر من العام 2012.
قنبلة حماس
لكن الموقف المفاجئ من حماس بتأييدها إجراء الانتخابات كخطوة لإنهاء الانقسام كان بمثابة الصدمة لحركة فتح، التي تبدو غير جاهزة وممزقة على نحو يجعل فوزها مستحيلاً رغم شعبيتها، حيث من المتوقع لها أن تخوض الانتخابات بثلاث قوائم “متناحرة” على أقل تقدير، معتمدة أن حماس لن تسمح بإجراء الانتخابات في قطاع غزة، ولن تشارك فيها، أو تشارك بصورة غير رسمية في الضفة، وعلى الجانب الآخر ستستطيع حماس في حال المشاركة رسميًا، بقوة الحشد التي تملكها وورثتها عن جماعتها الأم الإخوان المسلمين الفوز بسهولة، وإن كانت تخشى ما سيجلبه هذا الفوز من متاعب متوقعة سنسردها لاحقًا.
الخروج من العزلة
موقف حماس قرأه بعض المحللين في سياق محاولات الحركة لاستدراك العزلة التي قد تصيبها في حال إجراء الانتخابات في الضفة الغربية بعيدًا عن القطاع، خصوصًا مع ما تملكه الحركة من قاعدة شعبية في الضفة الغربية بشكل نسبي مقارنة بالقطاع، ما يعطيها ميزة نسبية في حال فوزها، بينما يقرأ فصيل آخر قرار المشاركة في سياق أن نجاح حماس في الفوز بالانتخابات المحلية سيلزم الحكومة الفلسطينية، والرئاسة بتحمل مسؤولياتهما المالية تجاه البلديات التي قد تفوز بها حماس، ما يساهم بشكل كبير في تخفيف العبء المالي الذي تعاني منه الحركة.
صحيح أن حماس لم تعلن صراحة – حتى الآن – عزمها على المشاركة في الانتخابات، بجانب الفصائل المشاركة الست (حركة فتح، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وحزب الشعب الفلسطيني، والاتحاد الديمقراطي الفلسطيني (فدا)، والمبادرة الوطنية)، لكن توقعات كثيرة تشير إلى أنها قد تشارك عبر دعم قوائم “وطنية وعشائرية وتكنوقراط”، بينما من المتوقع أن تعتمد فتح على هيكل يبدأ من المركزية وينتقل للثوري، مرورًا بالأقاليم والمناطق والنشطاء، بالإضافة إلى أنها ستتجاوز الأزمة التي شهدتها الانتخابات البلدية السابقة في حال نجاحها في إدارة الانتخابات المقبلة، خصوصًا وأنها تعتبرها فرصة للمواطنين، للمقارنة بين نظامين للحكم، أحدهما تعتبر الحركة جزءًا منه، وهو نظام حكم القانون والمؤسسات واحترام المواطن وحرية التعبير، والآخر نظام شمولي ديكتاتوري قمعي، تمثله حركة حماس – بحسب تصريحات لأحد قيادات فتح -، مع الوضع في الاعتبار رفض الحركة القوية “الجهاد الإسلامي” المشاركة في أي انتخابات تعتبرها امتدادًا لاتفاقية أوسلو.
المواطن الضحية
على جانب بعيد يقف المواطن الفلسطيني في موقف المترقب الحذر، معتبرًا أن مجرد اتفاق الجانبين على إجراء الانتخابات والمشاركة فيها بداية للوحدة، وإنهاء الانقسام المستمر لعامه العاشر منذ أزمة العام 2007 بين الجانبين، مبديًا تخوفه من استمرار حالة الانقسام الذي قادته ورسخته ببراعة حركتا فتح وحماس في الضفة الغربية وقطاع غزة، وكلتاهما تسابقتا في تقديم خدمتين لإسرائيل، الأولى تقويض أي كيان فلسطيني موحد، وتعزيز الانقسام السياسي والجغرافي والديموغرافي، والثانية حماية أمن إسرائيل، التي تكتفي فقط بالتلويح بالتضييق المالي والإداري الإذلالي في الضفة الغربية، أو الضربات العسكرية في قطاع غزة، لتركيع الجانبين، مقابل ضمان الإبقاء على سلطتين هشتين، ينعم قادتهما بالكراسي والميزانية، حتى إن تقريرًا إعلاميًا غربيًا نشر مؤخرًا نقل عن نبيل شعث – وهو أحد قيادات فتح – قوله أن السلطة في رام الله تنفق على أمن إسرائيل، أكثر مما تنفق على تعليم الفلسطينيين.
في المقابل وخلال عشر سنوات من الانقسام ورغم التصريحات الجوفاء لحماس في غزة عن المقاومة المسلحة للاحتلال، خاضت خلالها حروبًا ثلاثة مع دولة الاحتلال، وأطلقت خلالها صواريخًا بالآلاف، بالكاد جرحت البعض في إسرائيل، في أيام مجموعها في الحروب الثلاث لا تتعدى الـ 11 أسبوعًا، من أصل عشر سنوات من تواجدها بالقطاع، في مقابل ذلك تنعمت إسرائيل بأمن وأمان على طول الحدود مع قطاع غزة في الزمن المتبقي من تلك المدة.
تخوف المواطن الفلسطيني له ما يبرره معتمدًا على تصور يقول إن هذه الانتخابات لن تشكل مخرجًا للانقسام القائم، ولن تؤدي إلى رأب الصدع أو إعادة المصالحة، بل قد تؤدي إلى انقسام أكبر، وكل طرف سيهيئ الظروف من أجل إنجاح تجربته ووجهة نظره، بما يعني أنها وصفة لانقسام جديد، في ظل مجتمع مدني ضعيف يقاد بالفصائل، على الرغم من احتياج المواطن الفلسطيني لتلك الانتخابات التي لو جرت ستشكل ثاني بادرة عملية ملموسة لإمكانية تغيير الوضع القائم، باعتبار أن تشكيل حكومة الوفاق الوطني يعد البادرة الأولى، رغم عدم قيامها بمهمّاتها كما يجب.
لكن شك المواطن هنا في أنه لو جرت الانتخابات، هل ستوفر إرادة أقوى نحو الانقسام؟ والجواب سريعًا بلا، كونها – الانتخابات – ليست سياسية بالدرجة الأولى بل هي بلدية لها علاقة بالشؤون الخدماتية، وليس بالسياسة وما يتعلق بالانقسام شأن سياسي محض، ويمكن أن يتهم كل طرف الآخر بالتزوير والتلاعب بالنتائج، ما يعني أزمة أكبر تلوح في الأفق.