إن الانقلاب التركي أزاح الستار وأماط اللثام عن كثير من التحليلات والمفارقات التي امتلأت بها مواقع التواصل الاجتماعي، وتشعر وأنت تقرأ كتابات الأصدقاء أنك محاصر بـ 5000 محلل وخبير استراتيجي، كلٌ يحاول بسط نفوذ فكره، وكلٌ يغني على ليلاه:
وكلٌ يدعي وصلًا بليلى وليلى لاتقر لهم بذاكا
فمنهم من عقد مقارنات بين وبين، ومنهم من أظهر قوة شخص ليضعف أشخاصًا، ومنهم من رفع شعبًا إلى الثريا ليدفن كرامة شعب في الثرى، ومن هنا بدأت السجالات الفكرية والثنائيات السياسية وصراع النظرتين التفاؤلية والتشاؤمية.
لا ننكر أهمية المقارنة في كثير من العلوم، وكل شيء له ضده، وبضدها تتمايز الأشياء، فأخذ الدروس والعبر مطلب أساسي لكل صاحب هدف وغاية، ولكن ما ننكره أن تقارن مقارنات ظالمة تبث فيها همومك وأوجاعك ولاذع نقدك.
إن الانقلاب التركي لم يكن حدثًا عاديًا، ولن تمرره تركيا مرور سحابة صيف، ولن يتركه العالم الغربي يمر على تركيا كريح عصفت وتركت، فكثيرون خططوا ودبروا لإزاحة الفاتح العثماني الجديد، ولذا فلم يخل بيت من بيوت العالم إلا وتحدث في الشأن التركي، فالعالم إما مع أو ضد.
ولكن الانقلاب التركي نكأ الألم المصري، وفتح الجرح الذي لم يضمد بعد، ومس القلوب الحزينة، وشاء الله أن يجعل فيه أيضًا بردًا وسلامًا لكثير من القلوب الواثقة، ومن يومها وصراع الآراء شكل بطولات جدلية وصراعات فكرية بين شباب التيار الإسلامي وبين صفوف مؤيدي الشرعية.
فأفراح فشل الانقلاب لم تقلل من حدة النقاش ومن جدليات الرأي والرأي الآخر، ومن محاولة انتصار فكرة “الأنا” على فكرة “الآخر”.
ولعل اعتزاز الأنا عند أردوغان وهي الأنا الإسلامية والدينية والأنا المتضامنة مع المضطهدين؛ دفعته للصمود والتضحية بالنفس والاستماتة ضد الآخر “الانقلابيين”، ولعل الأنا التي أعلنها الشعب التركي المعاصر هي التي انتصرت على الشعب التركي الذي عانى من الانقلابات وويلاتها وذاق مرها مرارًا “الآخر”، فانتفض انتفاضة الأسد في عرينه حاميًا دولته من الانهيار، ولعله نظر إلى الشعب المصري وما حدث له فلم يرد أن تصبح الأنا التركية كأشباه الدولة المصرية “الآخر” – كما ذكر السيسي -، والمدهش في وقفتهم خروج معارضي أردوغان مع مؤيديه رفضًا لحكم العسكر ولسان حالهم: لن يلدغ المؤمن من جحر مرتين، فكيف بمن لدغ أربع مرات في فترة وجيزة، فهل نقارن هذه المعارضة التركية “الآخر” بالمعارضة المصرية؟! وتلك القذارة الإعلامية لن يستطيع قلمي أن يكتب عنها “الأنا” فهي أحقر من أن تنتسب إلينا، فالله عز وجل أخزاهم في هذا الانقلاب وأظهر كذبهم وأخرج نفاقهم {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أضْغَانَهُمْ}، فهل تقارنهم بالإعلام التركي الذي أفشل الانقلاب، وهل تقارن الجيش الذي حارب الانقلابيين بالجيش الذي قاده الانقلابيون؟!
وإذا انتقلنا إلى الركن النشيط من الكرة الأرضية وإلى العالم الافتراضي الذي يشهد حوارات ومجادلات لا تمتلئ بها الحياة العادية، فنجد ضروبًا من جدلية الأنا والآخر، وكثير منها ينتصر للآخر ليهين الأنا المعذبة، ونذكر منها مايلي:
– ما ذكره كثير من محللي مواقع التواصل على صمود وثبات الشعب التركي، وكيف وقف أمام الدبابات، وانبهار الناس بنزوله الميادين بسرعة وثبات من مكالمة لرئيسه الشرعي، فهذا الذي يمجد الآخر – الذي نتمنى له التوفيق والانتصار – نسى أو أنسته الظروف إبهار الشعب المصري للعالم في ثورة يناير 2011، وأجحف حق أولئك الشهداء الذي لقوا حتفهم برابعة دفاعًا عن رئيس منتخب، وهؤلاء الأبطال الذين لم يعطوا الدنية في دينهم رغم أسرهم وسجنهم من الانقلابيين، فلو نظرت إلى تضحيات أبناء قومك “الأنا” تجد أنهم أبطال يدافعون عن حق مغصوب وعن حرية مسلوبة، فلم نظلمهم ونبخس جهدهم، فليس شرطًا أن تنتصر بل الشرط ألا تبتعد عن أهل الحق، والله بيده النصر ونحن علينا العمل والصبر.
– أما الذين انبهروا بشخصية أردوغان – وهو يستحق فهو أسطورة هذا الزمان – أرادوا أن يمجدوه بالنيل من نظيره المصري الدكتور محمد مرسي الذي لم يمكث في حكمه عامًا وسط حروب ومكائد لم يفلح في التعامل معها، والرجل له وعليه، ولولا رحمة الله بعبده أردوغان لوقع فيما وقع فيه الرئيس مرسي – فرج الله عنه – رغم خبرة الأول في الحكم التي تفوق أربعة عشر عامًا، ولو أراد ربك لنجى عبده مرسي {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ}، وأنا أدافع عن مرسي رغم أنني هاجمته كثيرًا لحلمه الشديد مع أشخاص تتبرأ الإنسانية منهم، فأقول لأحبتي رفقًا بمن سجن واضطهد وهو مرفوع الرأس لم يقبل بالذل والظلم، ويكفيه ماحدث وما يحدث.