ترجمة وتحرير نون بوست
في الخامس عشر من يوليو الجاري، حاول فصيل منشق داخل الجيش التركي تعطيل العمل بالدستور، وفرض الأحكام العرفية، وإعلان حظر للتجول في كل البلاد، كذلك أغلق الجنود بالدبابات جسر البوسفور بهدف إيقاف حركة المرور من آسيا إلى أوروبا، وتم الاعتداء وقصف عدد من المباني الحكومية بما في ذلك البرلمان والقصر الرئاسي ومقر المخابرات.
وخلال سلسلة من الهجمات المنسقة، قُتل أكثر من 240 من المدنيين ورجال الشرطة في إسطنبول وأنقرة بعد إطلاق النار عليهم من قبل قناصة، أو دهسهم بالدبابات، أو قصفهم بطائرات هليوكوبتر أو حتى بإسقاط قنابل عليهم من طائرات مخطوفة، وفي الوقت نفسه، استولى ذلك الفصيل على محطة البث الرسمية وأجبروا مذيعة لتتلو بيان الانقلاب تحت تهديد السلاح وليعلنوا أن البلاد الآن تحت سيطرتهم.
فورًا، قال رئيس الوزراء بن علي يلدرم بأن الانقلاب غير شرعي، وبالتشاور مع الرئيس رجب طيب أردوغان، أمر قوات الشرطة وأجهزة الأمن الأخرى بوقف الانقلابيين، بعد وقت قصير، ظهر الرئيس أردوغان على شاشة التليفزيون لدعوة الشعب للنزول ومقاومة الانقلاب العسكري، وعندما بثت قناة سي إن إن ترك رسالة الرئيس، قام جنود الانقلاب بمهاجمة مقراتها كذلك، لكن الملايين كانوا قد سمعوا الدعوة ونزلوا للرد على المتمردين، في الوقت نفسه أعلن زعماء المعارضة موقفهم، وشجبوا الانقلاب ودعوا لمقاومته.
في غضون ذلك، أرسل الانقلابيون فرقة من القوات الخاصة إلى الفندق الذي كان يقضي فيه أردوغان عطلته بهدف قتله مع جميع أفراد أسرته، بيد أن أردوغان نجا من محاولة الاغتيال برحيله على متن طائرته الرئاسية، حيث وصل إلى إسطنبول بسلام بعد أن خدع الطيار طائرات الإف 16 التابعة للانقلاب والتي كانت تقوم بدوريات في المجال الجوي التركي.
وفي أعقاب محاولة الانقلاب الدموية، قامت الحكومة، بناء على توصيات القادة من المدنيين والعسكريين على حد السواء، بإعلان حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر، لم يكن هذا القرار غريبًا في مثل هذه الحالات، فقد أعلنت دول مثل فرنسا وبلجيكا حالات الطوارئ مؤخرًا بهدف التعامل مع التهديدات الإرهابية، ويهدف هذا الإجراء إلى تعجيل إصدار القرارات التشريعية، وتزويد السلطات بالأدوات القانونية اللازمة لجلب المسؤولين عن تلك العملية الانقلابية أمام العدالة.
لاحقًا، تم إيقاف عدة آلاف من ضباط الجيش وشركائهم في أجهزة الأمن والقضاء المختلفة وإلقاء القبض على أعداد منهم ممن يشتبه في صلتهم بالانقلاب، إن إزالة هؤلاء من المناصب العامة يجعل الحكومة التركية أقوى وأكثر شفافية، وبعد التأكد من عدم صلتهم بمحاولة الانقلاب، تم الإفراج عن ما لا يقل عن 1200 جندي، والآن هناك فريق من 70 من المدعين يقوم بالتحقيق في القضية، ولذلك فإن الادعاء بأن الانقلاب كان وهميًا هو ادعاء هزلي بنفس هزلية الادعاء القائل بأن هجمات 11 سبتمبر كانت مدبرة من قبل الولايات المتحدة.
تشير جميع الأدلة والشهادات التي تم الحصول عليها من مدبري الانقلاب إلى فتح الله غولن كزعيم لمحاولة الانقلاب، والتي خُطط لها ونُفذت بواسطة أتباعه داخل الجيش، فقد اعترف ليفينت توركان مساعد رئيس أركان القوات المسلحة التركية الجنرال خلوصي أكار، بأنه عضو في حركة “الخدمة” التابعة لغولن بعد القبض عليه، مؤكدًا أنه كان ينفذ أوامر مسؤوليه في الحركة، كما حث الجنرالات الذين قادوا الانقلاب الجنرال أكار على التحدث لفتح الله غولن، والذي يدير إمبراطوريته من مزرعته في بنسلفانيا، على أمل إقناعه بالانضمام إلى تمردهم، وفقًا لما قاله الجنرال أكار.
لفهم حركة غولن، علينا أن نعرف أنه منذ الثمانينات، كانت حركة غولن التي تقدم نفسها كحركة دعوية سلمية، تعمل في الظلام، تسللت الحركة طوال تلك الفترة لتسيطر على القضاء وقوات الأمن ولتستمر في التلاعب بالنظام لمصلحتها، فضلاً عن ذلك، اختلق أعضاء الحركة أدلة لتدين معارضيها، وانخرطوا في عمليات تنصت غير قانونية، وقاموا بتسريب وثائق حكومية لتشويه خصومهم.
تملك الحركة كذلك عددًا من المدارس والشركات في جميع أنحاء الولايات المتحدة، واتّهموا بالتورط في جرائم تتعلق بالاحتيال المالي وانتهاك قوانين الهجرة وتمويل الحملات الانتخابية.
الآن، يجب على الولايات المتحدة تسليم المواطن التركي فتح الله غولن لتركيا، كما تنص عليه معاهدة حالية بين البلدين، ولذلك، قدمت تركيا بالفعل عددًا من الوثائق القانونية للسلطات الأمريكية، وسوف يتم إرسال المزيد من الوثائق مع الحصول على المزيد من الأدلة، يجب على واشنطن ألا تدع هذا الرجل يستمر في استغلال الثغرات القانونية لتجنب المحاسبة العادلة في تركيا.
إن ادعاء فتح الله غولن بأن ليس له علاقة بمحاولة الانقلاب تلك يشبه تمامًا ادعاءه بعدم وجود أي علاقة بينه وبين مدارس حركته المنتشرة وبنوكها وشركاتها ووسائل إعلامها التي تعمل تحت أوامره المباشرة، إن الإجراءات القانونية المعتبرة ستقوم بتوضيح دوره في هذا التمرد الفاشل، إذ لا معنى لأن تدين أي دولة عملية الانقلاب دون اتخاذ إجراءات رادعة ضد قادة الانقلابيين.
اليوم، يعيش الشعب التركي أكثر أوقاته اتحادًا في التاريخ الحديث! ففي أي نظام ديموقراطي، لابد من أن تختلف آراء المواطنين، لكن في بلادنا أثبت الرد الشعبي على عملية 15 يوليو بأن الديموقراطية والحرية وسيادة القانون هي قيم غير قابلة للتفاوض ولا التنازل.
وبينما نفخر نحن الأتراك بما حققناه معًا من انتصار، يعيش الشعب لحظات الحزن والحداد على القتلى ويقوم برعاية الجرحى، لكن الأهم أنه لايزال يطالب بالعدالة والشفافية وبالتطمينات بأن أزمة مثل تلك لن تتكرر مرة أخرى.
المصدر: نيويورك تايمز