انتهى اجتماع مجموعة العشرين الذي عقد بمدينة تشنغدو الصينية على مدى اليومين الماضيين 23 – 24 يوليو/ تموز على مستوى وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية لأكبر اقتصاديات العالم العشرين، وأصدرت بيانًا ختاميًا أكدت فيه أنها ستستخدم كل أدوات السياسة النقدية والمالية والهيكلية لضمان نمو اقتصادي قوي ومستدام ومتوازن بحسب ما جاء في البيان، منوهًا أن السياسة النقدية لم تعد كافية وحدها لتحريك عجلة النمو الاقتصادي في العالم، وشدد على الحاجة للإصلاحات الهيكلية، والاستمرار في تعزيز النمو الشامل للاقتصاد العالمي، حيث دعت بنوك التنمية الدولية للعمل على دعم الاستثمار في البنية التحتية وتشجيع الاستثمار الخاص.
الجدير بالذكر أن السياسة النقدية يقصد بها التأثير على العرض النقدي الموجود في الأسواق المالية بغرض التأثير على الأداء الاقتصادي العام، ويمتلك تلك الأدوات البنك المركزي ويهدف من خلالها التأثير على معدلات النمو الاقتصادية في البلد، واستقرار سعر صرف العملة أمام العملات الصعبة، وتوازن ميزان المدفوعات، وبالطبع التأثير على معدل التضخم وهو أهم شيء يهدف المركزي التأثير فيه، حيث يقوم بتخفيض معدلات التضخم أو رفعها إلى حدود معينة للحفاظ على القوة الشرائية للعملة، علمًا أنه يسعى دومًا ليكون عند 2% تقريبًا.
أزمات عالمية تغلف الاجتماع لهذا العام
يعقد هذا الاجتماع في ظروف عالمية استثنائية يمر بها الاقتصاد العالمي، حيث صوتت بريطانيا للخروج من الاتحاد الأوروبي وبدأت الحكومة الجديدة برئاسة تريزا ماي خلفًا لديفيد كاميرون العمل على تسويق اقتصاد بريطانيا الجديد في العالم والبدء بعقد اتفاقيات تجارية جديدة مع دول العالم على كافة المستويات.
ويعد الخروج من الاتحاد فألًا ليس جيدًا بالنسبة لمجموعة العشرين، حيث يشجع هذا على سياسة الانعزال والدخول في دوامة عدم اليقين في فترة لا يستطيع أحد التكهن بها، يتخللها استنزاف اقتصادي للدولة وانخفاض في معدلات النمو وانكماش الناتج القومي المحلي والتخلي عن اتفاقيات تجارية معقود وعقد بديل عنها وفق سياسة جديدة واستراتيجية مختلفة.
كما شهدت الأيام الماضية محاولة انقلاب فاشلة بتركيا – أحد أعضاء مجموعة العشرين – في 15 يوليو/ تموز الجاري، كادت تؤدي إلى آثار سلبية كبيرة على الاقتصاد التركي والعالمي على حد سواء في حال نجاح الانقلاب.
اجتماع مجموعة العشرين في الصين يؤكد على دور التجارة الحرة، وضرورة المحافظة على قوة وأمان نظام التجارة العالمية، لتعزيز النمو الشامل للاقتصاد العالمي.
ويظهر في الأفق الخطر الأكبر القادم من الولايات المتحدة الأمريكية الظاهر في ترشح دونالد ترامب عن الحزب الجمهوري الذي يعد في حال فوزه في الانتخابات أن يقوم بسلسلة إجراءات لإعادة هيبة الولايات المتحدة من خلال منع المهاجرين وبناء جدار عازل مع المكسيك ومعاقبة الصين على تخفيض قيمة عملتها والخروج من اتفاقيات التجارة الحرة بين دول العالم والانسحاب من أخرى، وهذا كله يشكل ضربة للتجارة العالمية واتفاقيات التبادل الحر بين دول العالم، ويشكل عاملًا تخريبيًا على مجموعة العشرين الدولية التي أكدت في بيانها الأخير على “دور التجارة الحرة، وضرورة المحافظة على قوة وأمان نظام التجارة العالمية، لتعزيز النمو الشامل للاقتصاد العالمي”.
هذا غير الأزمة في أسعار النفط العالمية التي لا تشهد استقرارًا منذ هبوطها في منتصف العام 2014 وهبطت إلى دون 30 دولارًا للبرميل ولا تزال المخاوف تحوم في الأسواق من عودة الانخفاض مجددًا عن المكاسب الأخيرة التي حققتها، من جراء تخمة المعروض النفطي وانخفاض معدلات النمو العالمية.
إذن فالاقتصاد العالمي يخشى من انكماش سلطته على التجارة العالمية مع نمو حجم اليمين الرافض لتلك الاتفاقيات والذي يتبع سياسات أشبه ما توصف بانعزال وانغلاق كل دولة على نفسها.
ومن جهتها حاولت مجموعة العشرين ألا تتجاهل التهديدات التي تواجهها من أنحاء عديدة حول العالم وعلى رأسها احتمال فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، حيث شددوا على رفضهم إجراءات الحماية التجارية بعد إعلان ترامب نيته تقييد حرية الدخول إلى أسواق بلاده.
وحول ردود فعل مجموعة العشرين على خروج بريطانيا من الاتحاد وآثارها على الاقتصاد العالمي أقرت المجموعة أن الخروج أثر على معدلات نمو الاقتصاد العالمية التي تعاني من التباطؤ أصلًا، وأن مغادرة بريطانيا للاتحاد أدى لتفاقم الشكوك بشأن الاقتصاد العالمي إذ إن معدلات النمو “أقل مما هو مطلوب”، وشددت المجموعة في البيان الختامي أن “نتائج الاستفتاء حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يزيد من حالة عدم اليقين في الاقتصاد العالمي”، وأكد الوزارء على اتخاذ إجراءات استباقية لمواجهة التأثيرات السلبية لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
علقت مجموعة العشرين حول انقلاب تركيا الفاشل أنتعزيز سيادة القانون أمر أساسي لتحقيق التنمية المستدامة، ونحن نؤيد الحكومة الشرعية في تركيا في جهودها للحفاظ على الاستقرار والازدهار الاقتصادي.
كما وأكد البيان الختامي وقوفه إلى جانب تركيا ضد محاولة الانقلاب الفاشلة للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي، حيث أكد البيان أن “تعزيز سيادة القانون أمر أساسي لتحقيق التنمية المستدامة، ونحن نؤيد الحكومة الشرعية في تركيا في جهودها للحفاظ على الاستقرار والازدهار الاقتصادي”.
واعترفت دول مجموعة العشرين بمشكلة فائض الإنتاج في صناعة الصلب في العالم، مدركة أنها مشكلة عالمية تستدعي تكاتف الجهود بين دول العالم لمواجهة هذا التحدي الخطير، كما وافقت الدول في المجموعة التي تعد من منتجي الصلب في العالم أن تتعاون فيما بينها لمعالجة مشكلة فائض إنتاج الصلب، وجاء في البيان “نحن ندرك أن فائض الإنتاج في صناعة الصلب وبعض المناطق الأخرى، هو تحد عالمي يتطلب جهدًا جماعيًا”.
يظهر في النهاية حجم الخلاف – وإن لم يظهر علنًا – بين دول مجموعة العشرين حول العديد من المسائل التي تخص العالم بأسره، والاجتماع بات يقتصر على طرح المشاكل المطروحة على الصعيد العالمي أكثر من إيجاد أدوات مرنة لحلها تحقق توافقًا في مصالح الدول كلها، فالعديد من الأزمات العالمية سياسية أم اقتصادية انتقلت ملفاتها من اجتماع عشريني إلى آخر مؤكدين فقط على ضرورة إيجاد حلول لها والاقتصار في الاعتراف أنها مشكلة تهدد الاقتصاد العالمي وكفى.
وكان صندوق النقد الدولي في وقت سابق خفض من توقعاته بشأن النمو العالمي، في تقرير له عن “آفاق الاقتصاد العالمي” بمقدار 0.1% للعامين الجاري والمقبل إلى 3.1% و 3.4% على التوالي بعد القرار البريطاني الذي وصفه التقرير بأنه صادم.