إذا كنت تعتقد بأن الجمال في عين الناظر، فعليك أن تعلم أن الناظر ليس له دخل في تحديد الجمال بعد الآن، فلا دور للناظر في عصر صناعة الصورة عن طريق تلاعب التسويق الإلكتروني، بعدما أصبح تعديل الصور هو روتين فن التصوير الحالي، بداية من تغيير الألوان، وتعديل الأماكن، وإضافة بعد الإضاءات، وحتى تغيير طبيعية جسد العارض أو العارضة في الصورة، فإن بدت الصورة في النهاية للبعض كأنها غير واقعية، فعليهم أن يعلموا أنها غير واقعية بالفعل.
أصبح استخدام الفوتوشوب أمرًا روتينيًا يجب حدوثه بعد عملية التصوير، فيقول بعض خبراء التسويق بأنه أمر مهم أحيانًا من أجل تسويق بعض المنتجات، والتي بدون استخدامه يمكن جدًا ألا تتم عملية تسويقها بنجاح، وذلك باعتراف منهم بأن هذا نوع من أنواع التلاعب بالحقيقة، ولكن يرى البعض الآخر بأن هناك خلط في الأمور بين مفهوم التلاعب بالحقيقة وما يفعله الفوتوشوب في التصوير، وأنه يساعد المصورين على ضبط الإضاءة وتوازن الألوان إلى آخره من الأشياء التي يتم التحكم بها يدويًا إذا ما تم التصوير في غرفة مظلمة.
ظهر الفوتوشوب لساحة فن التصوير منذ عام 1990، ليصبح الآن قائد التطبيقات والأساليب الخاصة بالتلاعب في السوق، حيث يمتلك 90% من المصممين والمصورين البرنامج على أجهزتهم الإلكترونية، ويستخدمه الكل تقريبًا في التصوير أو في فن تصميم الإعلانات، لتعلن الشركة الأم للفوتوشوب بأنها غير مسؤولة عن أية أعمال غير أخلاقية يتم استخدام الفوتوشوب بها، وأن التلاعب بالحقيقة وتزييف الصور هو قرار يرجع لمستخدم الفوتوشوب، ولا يعيب تطبيق الفوتوشوب في شيء.
يعد الفوتوشوب من أكثر البرمجيات المستخدمة من ضمن برامج العقل الإلكتروني، ومن أكثر البرامج المطيعة للمستخدم، والتي تلبي معظم احتياجاته التي يريد إظهارها في الصورة، إلا أنه ظهرت موجة مثيرة للجدل والخلاف حول مصداقية الصور التي يتم إنتاجها عن طريق الفوتوشوب، والتي تتضمن الآن عددًا متزايدًا من المشاهير، الذي يتم استخدامهم كأداة تسويقية للمنتجات، ويتم تعديلها عن طريق الفوتوشوب، فقليل من تعديل الأحجام، وتعديل المناطق التي تحتوي على دهون زائدة من أجسام المشاهير، وإخفاء عيوب وجوههم، وإضفاء ألوان لبشرتهم غير ألوانهم الحقيقة لن يضر المنتج كثيرًا، بل على العكس تمامًا، سيسهم في زيادة مبيعاته في السوق، لأنه، وبدون وعي من المشتري، سيصور له أن شكل المشاهير المصوّر في الإعلانات، هو الشكل الذي يجب أن يكون عليه جسده، أو هو الجمال الذي يجب أن تكون عليه المرأة.
كانت الفنانة كايت وينسلت هي أول من قاضى مجلة GQ باتهامهم بالتزييف، وتغيير معالم جسدها الحقيقية عن طريق الفوتوشوب بجعلها أكثر نحافة مما عليه في الواقع، كانت ويسنلت هي أول من فجرت القضية بين المشاهير، بعد اتهامهم بالمشاركة في حملة التزييف الإعلانية، التي ربطتها بعض الوسائل الإعلامية المضادة بكونها على علاقة بتزايد أعداد مرضى الوسواس القهري واضطرابات الأكل في العديد من البلاد، بكونهم يتلاعبون بعقول العديد من البشر بأن شكلهم الحالي لا يمت بصلة للجمال، وأنهم يجب أن يكونوا على ما يكون عليه المشاهير وعارضي الإعلانات على الشاشات.
الفوتوشوب ليس شريرًا
في مدونة للصحفية إليزابيت بيريل على هافينغتون بوست تقول بأن الفوتوشوب ليس شريرًا إلى هذا الحد، فإذا كنا نعتقد أن المجلات وشركات التسويق والإعلانات لا تعلم بأمر تزييف الحقائق وأنهم يروجون لمادة غير حقيقة تم التعديل عليها أكثر من مرة، فإننا حقًا مخطئون، الشركات تعلم بذلك كما نعلم نحن بالضبط، الفوتوشوب هو جزء واضح في المعادلة، ولكنه ليس الأوحد، ماذا إذا أخرجنا الفوتوشوب من المعادلة في عملية تزييف الحقائق في الإعلانات والصفحات الرئيسية للمجلات والمواقع؟
إذا أخرجنا الفوتوشوب من المعادلة سنبقى مع معطيات أكبر بكثير من الفوتوشوب، فهناك النساء اللاتي يتم معاملتهن كأنهن أداة للتسويق الإعلاني واللاتي عليهن إجباريًا المرور بمرحلة قاسية من النظام الغذائي غير الآدمي في بعض الأحيان لتبقى أجسادهن في وضع معين يتطلبه مصممي الإعلانات.
الأمر ليس على النساء فحسب، فالرجال أيضًا يخوضون نفس المسار الموحش من الألعاب الرياضية القاسية والتي قد تستمر لشهور، في محاولة للوصول إلى ما يسمى ببناء الجسم الكامل عند الرجال، وهو ما تشاهده أنت في إعلانات صالات الرياضة أو إعلانات العطور الذي يظهر الرجل فيها نصف عارٍ بجسد مفتول العضلات.
“من الممكن أن يكون هجومنا على الفوتوشوب هو ما يجعلنا نخسر القضية كل مرة، فهجومنا على الفوتوشوب وحده يُبسط المعادلة، ويجعلها مقتصرة عليه فقط، وهو ما سيزيد الطينة بلة حقًا في ذلك المجال”
حملة لإظهار الحقيقة
في عام 2011، أمرت عضو البرلمان البريطاني جو سوينسون بإنزال إعلانات لمشاهير تم تغيير صورتهم الحقيقية بالفوتوشوب، مشيرة بذلك في البرلمان وقتها بأن تلك الصور هي صور مزيفة ولا تعبر عن النتائج التي يحققها المُنتّج المُعلن في الإعلان، وتعطي للمرأة صورة غير واقعية عما يجب أن تكون عليه.
الأمر لم يكن شخصيًا فحسب، بل امتدت للشركات المنافسة كذلك، فقامت شركة دوف التي اشتهرت بإعلاناتها المضادة لتزييف الحقائق في الإعلانات، وأنها تشجع النساء على الاحتفاظ بصورتهن الطبيعية بدون تعديل أو تغيير، كان ذلك في حملتها الإعلانية الأخيرة التي كانت بعنوان “أنتِ أجمل مما تتخيلين” والتي جمّعت فيه مجموعة من النساء وطلبت منهن وصفهن لأنفسهن عن كيف يبدو شكلهن لرسام محترف يرسم لهن لوحة شخصية بدون أن يراهن، ومن ثم يطلب من بعضهن البعض وصفهن لكل واحدة منهن للرسام، ليرسم الرسام في النهاية لوحة بوصف المرأة عن نفسها، وبوصف إحدى النساء لها، ليبدو في النهاية أن اللوحة المرسومة من وصف الآخرين عن المرأة هي الأجمل، وهي ما تعبر بالفعل عن شكل المرأة الحقيقي، والذي كان أجمل بالفعل عما كانت تصفه هي عن نفسها.