الصيرفة الإسلامية لا تزال دون الحد المأمول به

rtrbepl-1

تتنافس دول عديدة حول العالم عربية وأجنبية إسلامية وغير إسلامية للحصول على حصة من صناعة الصيرفة الإسلامية التي بدأ يظهر نجمها في الأعوام الماضية، فنجاح هذه الصناعة وصمودها في ظل الأزمة المالية العالمية وإثبات جدارتها في الأزمات جعل لها انتشارًا واسعًا لتحقق نجاحًا على الصعيد الدولي كما على الصعيد المحلي في الدول العربية، وفي الوقت الذي تحافظ دول على خلط الصيرفة المعمول بها في البلد (إسلامية وتقليدية)، تحاول دول أخرى جاهدةً أن تكون المصارف العاملة فيها تعمل وفق قواعد وقوانين الصيرفة الإسلامية.

فبحسب دراسة صدرت أمس الأحد 24 يوليو/ تموز الجاري عن صندوق النقد العربي تتناول “انعكاسات تنامي صناعة الصيرفة الإسلامية على إدارة السياسة النقدية في الدول العربية”، جاء فيها أن السودان يتبنى نظامًا مصرفيًا إسلاميًا شاملًا، وتبلغ نسبة أصول الصيرفة الإسلامية فيه 100%، ومن ثم يليه المملكة العربية السعودية التي تشكل أصول المصارف الإسلامية بها نحو 51% من إجمالي الأصول المصرفية في المملكة، تليها الكويت بحصة 38% واليمن 27% وقطر 25% والإمارات 18.6%.

والجدير بالذكر أن المصارف الإسلامية لها أهمية بالغة في ست دول عربية هي: السودان والسعودية والكويت واليمن وقطر والإمارات، وتشكل حصة المصارف الإسلامية في هذه الدول ما لا يقل عن 15% من مجمل الأصول المصرفية الموجودة في مصارف الدولة.

تبلغ نسبة أصول الصيرفة الإسلامية في السودان 100%، وفي  السعودية تشكل أصول المصارف الإسلامية بها نحو 51% من إجمالي الأصول المصرفية في المملكة، تليها الكويت بحصة 38% واليمن 27% وقطر 25% والإمارات 18.6%.

الأزمة المالية كشفت قوة الصيرفة الإسلامية

جاءت الأزمة المالية العالمية عام 2008 لتكشف مدى الهشاشة التي تغلف الصيرفة التقليدية وتعرضها لأزمات غير قادرة على الخروج منها إلا بمساعدة الحكومات وباستخدام الأدوات النقدية بشكل كبير، وقد برزت المصارف الإسلامية وقتها لتثبت أنها من خلال ما تطبقه من قواعد في صناعتها المصرفية استطاعت أن تتجنب الأزمة والوقوع بمشاكل مالية، وقد ازداد اهتمام الدول الغربية بهذا النموذج بشكل واضح بعد الأزمة المالية تلك، وبدأت دول أخرى تتدارس مدى قدرتها على الولوج في هذه الصناعة، وقد أبدت لندن في بريطانيا رغبة عالية في أن تصبح عاصمة الصيرفة الإسلامية من خلال تقديم خدمات وأدوات على طريقة الصيرفة الإسلامية.

ولعل أهمية المنتج المصرفي الإسلامي جاء بعد التطور الملحوظ في مجال الصكوك الإسلامية التي بات لها دور كبير في تمويل المشاريع التنموية الكبيرة والتي يمكن أن يكون لها دور كبير أيضًا  في الاقتصاديات النامية من خلال تمويل مشاريع البنية التحتية ومشاريع الطاقة سواء النفطية أو الطاقة البديلة ومشاريع الصناعات الثقيلة التي تتطلب رأس مال كبير ومشاريع تنموية أخرى، وقد يكون لها أيضًا مستقبل مزدهر على الصعيد الدولي في حال اعتمادها في تمويل عجز الموازنة لدى الحكومات حول العالم.

وتبرز هنا حاجة صندوق النقد العربي والبنك الإسلامي للتنمية لتكثيف جهوده البحثية والتقنية في المجالات المالية المختلفة ليكون على قدر المسؤولية في نشر هذه المنتجات والعمل على تطويرها وإيجاد القنوات المناسبة لها لاستخدامها حتى لا تبقى حبيسة الكتب، وابتداع أسواق مالية لها يتم تداولها بها، كما تظهر الحاجة إلى تعزيز قدرة البنوك المركزية على إدارة السياسة النقدية بما يتوافق مع شروط الصناعة الجديدة وخصوصًا في البلدان العربية التي تشهد ازديادًا ملحوظًا في استخدام منتجات الصيرفة الإسلامية.

وبحسب دراسة النقد العريي فإن المصارف الإسلامية باتت تحوز على نسبة لا يستهان بها من السيولة المالية في البلاد، وبالأخص في السعودية والإمارات حيث تعد هذه الصناعة في كلا البلدين ذات “أهمية عالمية”، حيث تمثل أصول المصارف الإسلامية فيهما نحو 19و7%على التوالي من أصول الصناعة على مستوى العالم.

كما أكدت الدراسة أن الفترة التي تلت الأزمة المالية العالمية شهدت نموًا ملحوظًا لنشاط الصيرفة الإسلامية، حيث قدر إجمالي أصول المصارف الإسلامية على مستوى العالم بنحو 1.5 تريليون دولار بمعدل نمو مركب يقرب من 17%.

وتعكس هذه الأرقام رغبة حقيقية لدى الدول العربية والأجنبية على حد سواء لبدء اعتماد هذا النظام من الصيرفة، وكان لحي المال والأعمال في لندن دور بارز في نشر هذه الصناعة كما أوضحته الدراسة، حيث بينت أن نطاق انتشار نشاط هذه الصناعة لم يقتصر فقط على الدول الإسلامية، وإنما اتسع ليشمل عددًا من الدول الأخرى خاصة تلك التي تمثل مراكز مرموقة للأنشطة المالية العالمية مثل بريطانيا.

أكدت الدراسة أن الفترة التي تلت الأزمة المالية العالمية شهدت نموًا ملحوظًا لنشاط الصيرفة الإسلامية، حيث قدر إجمالي أصول المصارف الإسلامية على مستوى العالم بنحو 1.5 تريليون دولار بمعدل نمو مركب يقرب من 17%.

إلا أن الصيرفة الإسلامية بمنتجاتها المختلفة لا تزال قيد التطوير وتخضع للتحديث المستمر ولا تقارن بالمنتجات التقليدية لا من حيث الكم ولا من حيث النوع، فمنتجات الصيرفة التقليدية تتمتع بأسواق عالمية وسيولة عالية جدًا وثقة كبيرة مدعمة بالدولار.

وإن إثبات نجاح الصيرفة الإسلامية يجب ألا يقاس من خلال السيولة الموجودة في المصارف الإسلامية حول العالم بل بقدر مشاركة تلك السيولة بالمشاريع العملاقة في الدول، فما فائدة تلك السيولة النقدية في البنوك بينما البلد يقبع في الفقر والبطالة والفساد، والأصل أن تلك السيولة يجب أن تكون محركًا أسياسيًا في عملية النمو والتطوير في البلاد وأن تخرج من دائرة تمويل المشاريع التقليدية وتمويل شراء بيت وسيارة إلى دائرة تمويل مشاريع كبيرة ومتوسطة تسهم في تشغيل يد عاملة وتساهم في عملية الإنتاج وتحل مشاكل تعاني منها البلاد.

وهذا ينطبق على السودان التي تبلغ نسبة أصول الصيرفة الإسلامية فيه 100% وعلى السعودية، فكلا البلدين يملكان مصارف إسلامية ومنتجات صيرفة إسلامية ولكن المفارقة أن كلا البلدين يرزخان في أزمات ومشاكل هيكلية كبيرة لم تُخول تلك المصارف لحلها.

كما أن السعودية قامت بإصدار سندات مالية لتمويل عجزها المالي وبيعها في الأسواق العالمية فلم تستند إلى منتجات الصيرفة الإسلامية ولا إلى البنك الإسلامي للتنمية الموجود في جدة، فضلًا أنها لم تسند للصيرفة الإسلامية شيئًا في استراتيجية التحول الوطني للتخلي عن النفط، أما السودان فالوضع هناك بما يعانيه الاقتصاد السوداني يشرح حالة الصيرفة الإسلامية ونتائجها الخجولة جدًا، فلا هي ساهمت في بناء نموذج عالمي مالي يحتذى به ولا ساهمت في تنمية وتطوير البلد الموجودة فيه.