الأمن هو الهم الأكبر للعراقيين منذ حصول التغيير، حيث تعرضنا ومازلنا نتعرض بشكل مستمر لعمليات إرهابية منذ أيام القاعدة إلى ظهور الدواعش، عبر ثلاثة عشر عامًا من الدم، وحاولت السلطة العراقية محاربة الإرهاب والحد من تأثيره، لكنها فشلت لأسباب كثيرة أهمها غياب رؤية واضحة لشكل الدولة والتهديد مستمر، ومع ردة الفعل الجماهيرية العنيفة بعد تفجيرات الكرادة الأخيرة، أجبر الساسة على الإعلان على تغيير الخطط الأمنية، فكان الإعلان الأخير عن الشروع في إنشاء خنادق محيطة بالمدن المهددة.
هل يمكن اعتبار هذا التغيير هو مفتاح الحل لتحقيق الأمان المفقود، أم مجرد ردة فعل فقط لإرضاء الشارع الساخط؟
مع انتشار خبر الخنادق لتحقيق الأمان للمدن، وآخرها خندق الفلوجة، وكما أعلن عن المباشرة بحفر خندق حول مدينة كربلاء، فإن السخرية العراقية جعلت من الأمر نكتة، واصفين الأمر بأنه يعود بالعراق إلى العصور الوسطى وأساليب الدفاع البدائية، حيث كانوا يحفرون خندقًا محيطًا بالمدن فيعزلها عن المحيط ويحفظها من الغزوات، فهل هذا أقصى ما توصل له العقل الأمني العراقي؟ هل غابت الأفكار الأكثر تطورًا عن لجان الأمن، أم أن هذه الأفكار مضمونة النجاح لذلك لا يمكن التخلي عنها؟
إن الخنادق ممكن بسهولة اختراقها عبر عمليات ردم الخنادق، والتي لن تكلف الإرهابيين والأعداء وقتًا طويلاً، وتجارب الحروب التاريخية أثبتت فشل الخنادق أمام عمليات الردم المباغتة والمنظمة، إذن فكرة الخنادق لن تكون الحل الأمثل لما نعانيه، بل هي فكرة غريبة تدلل على تخبط فاضح عند أصحاب القرار.
هنا نطرح سؤالاً مهمًا: لماذا لا نفكر بشكل مواكب لعصرنا، ولماذا لا نستفيد من التكنولوجيا، أو من تجارب الآخرين الناجحة؟
بعد انتهاء مغامرة صدام في الكويت في بدايات عام 1991، عمدت الكويت لإنشاء سياج عالٍ ومكهرب مع خندق كبير لمنع التسلل، ونجحت في منع صدام من إرسال قتلة أو مجرمين طيلة فترة التسعينات، حيث كان صدام يتحين الفرصة لإثارة الرعب داخل الكويت، بما يملك من مجاميع إرهابية، لكن كان الوصول للكويت صعبًا بسبب ما أنجزوه من حاجز، لذا تعتبر تجربة الكويت تجربة ناجحة، فلماذا لا نقوم بالاستفادة منها؟
البعض يعلل الأمر بأن تجربة الكويت مكلفة، وصدرت عن خوف، فنقول إن ما تم صرفه على حلم الأمن يفوق أضعاف مضاعفة ما صرفه الكويتيون، والخوف حاضر الآن من رعب التفجيرات، لكن كان للكويتيين إرادة وهدف، ونحن نفتقد للإرادة مع ضبابية الهدف.
ونطرح سؤالاً آخر، ما سبب امتناعنا عن الاعتماد على الأسوار الأمنية الإلكترونية المدعومة بكاميرات التصوير، والطائرات المسيرة، مع إسنادها بصواريخ أرض – جو قادرة على إحداث توازن، وغيرها من الأساليب الحديثة، لرفع الفعالية الوقائية والدفاعية لهذه الأسوار؟
فلو تتم هذه الفكرة لتم منع تسلل أي جماعة إرهابية، ولتحقق نصر حقيقي على الإرهاب، لأنهم يكونون تحت الرصد المحكم، أفكار ممكنة جدًا، وليست خارقة، ولكن تبقى العلة في الإرادة الحكومية الحلزونية، التي لا تتجه دومًا لما نتطلع إليه، وهذا سبب المأساة العراقية حتى الىن.