الجنرال أنور عشقي يمثل حالة عربية جريئة من الثقة بإسرائيل والتقرب إليها، والتعاون معها في كافة المجالات دون أدنى خجل من التاريخ العربي النازف، ودون أي اعتبار للحقوق العربية والفلسطينية المسلوبة، ودون أي تقدير لخطورة تمكين إسرائيل من عنق المسجد الأقصى، ومن جسد الأمة التي صار مطية للتوسعات العدوانية.
لقد تجسدت الحالة العربية الجديدة في المدن السعودية التي استقبلت الجنرال أنور عشقي العائد من زيارة عمل لإسرائيل دون مسائلة أو مراجعة أو حتى مظاهرة، وهذا يعني أن الجنرال عشقي لم يلتق مع الإسرائيليين بالصدفة كما وصف الأمير تركي الفيصل مصافحته لوزير الحرب الإسرائيلي موشي يعلون، ولقائه من قبل ذلك بسنوات مع المتطرف داني أيلون، إن لقاء عشقي قد جاء ضمن ترتيبات مسبقة، ولها أهداف أمنية وسياسية تتجاوز حدود فلسطين التي أمست مغتصبة، ليتعداها في خطورته إلى كل المنطقة العربية والشرق.
وكي يبرر الجنرال عشقي زيارته القبيحة لإسرائيل، والتي تعزز الثنائية في العلاقة بين داعمي عشقي وأصدقائه الإسرائيليين، كان لا بد أن يستر عورة الزيارة بالثوب الفلسطيني، فادعى أنه قد جاء لمساعدة الأسرى الفلسطينيين، وهو يعرف أن المساعدة الوحيدة للأسرى تتمثل في حريتهم وحرية وطنهم، فهل يملك عشقي ذلك؟ أم أن عشقي صار مندوباً للصليب الأحمر الدولي الذي يهتم بزيارة الأسرى الفلسطينيين؟
زيارة الجنرال السعودي ما كانت للتم دون رضا السلطة الفلسطينية التي مثلها الجنرال جبريل الرجوب، وهذا يعني أن الزيارة لم تأت ضمن الاستجابة لدعوات السلطة بضرورة زيارة العرب والمسلمين لمدينة القدس، للتخفيف عن معاناة سكانها، كما يزعمون، وإنما تأتي الزيارة لتنسيق المواقف، والترتيب لمرحة تعاون مشترك بين أطراف عربية من جهة وبين إسرائيل من جهة أخرى، مع الحضور الشكلي للقيادة الفلسطينية، ولاسيما أن زيارة عشقي تمثل رضوخاً عربياً لإملاءات نتانياهو الذي قال في أكثر من مناسبة إن العلاقات الحميمية مع الدول العربية هي الطريق الوحيد إلى حل القضية الفلسطينية، وليس العكس، وهذا الذي يجسده عملياً الجنرال السعودي، وقد جسده من قبل أسابيع وزير الخارجية المصري.
وطالما لم يصدر شجب أو إدانة أو محاسبة للجنرال عشقي من النظام السعودي، فإن من حق العرب والمسلمين الحذر من التحالف الجديد الذي لا يشكل خطراً على القضية الفلسطينية بمقدار ما يشكل خطراً على الأمتين العربية والإسلامية المستهدفتين بالمؤامرة من الغزوة الصهيونية للأرض الفلسطينية، وهذا ما عكسه بوضوح تصريح الجنرال أنور عشقي نفسه، حين قال في لقائه المتلفز: نسعى لجعل إسرائيل العدوة صديقة”. ومن هنا فإن للصداقة التزامات كثيرة، يتوجب على الصامتين عن زيارة أنور عشقي دفعها، ومن ضمنها تقديم التعويضات المالية ليهود خيبر، كما طالب بذلك أكثر من مسئول إسرائيلي، فهل أنتم جاهزون للدفع؟
لقد بات تحول العدو إلى صديق مكوناً رئيسياً للسياسة العربية، فقط سبق وأن صارت إسرائيل العدوة للقيادة الفلسطينية جارة، على أمل أن يعترف الجار ببعض حقوق جاره، لتكون النتائج عكس الأمنيات، فهل قرأ قادة المملكة العربية السعودية تجربة القيادة الفلسطينية في الانتقال من عداء إسرائيل إلى الاعتراف بجيرتها، وماذا كانت النتائج؟ وهل أدركت السلطة الفلسطينية خطورة وصف عشقي للمجرم نتانياهو بأنه حليف منتظر، وأنه القوى الأمين القادر على صنع السلام؟ ألا يعني ذلك موافقة السلطة الفلسطينية على خطة نتانياهو في كسب الوقت حتى يستكمل المستوطنون سيطرتهم على الأرض الفلسطينية؟
قبل سبعين سنة، وفي زمن الانتداب البريطاني، اعترض الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان على زيارة الأمير فيصل بن عبد العزيز آل سعود للأراضي الفلسطينية ، وقال له:
يا ذا الأمير أمام عينك شاعر، ضمت على الشكوى المريرة أضلعه
المسجد الأقصى أجئت تزوره، أم جئت من قبل الضياع تودعه
وقبل أن يودع عشقي الأقصى، على الشعوب العربية والإسلامية أن تودع الصمت المهين، والهدوء البغيض، والسكينة التي تدفع العرب والمسلمين إلى الوقوف في قوائم الانتظار على أمل تحرير المسجد الأقصى من خلال التحالف مع إسرائيل.