كنت من عشاق البوكيمون في صغري، جمعت ملصقاتها، وألبوماتها، وقطع “البوغز” الخاصة بها، كنت أحفظ أسماء البوكيمونات ومميزاتها وكنت ألعب مباريات تخيلية للبوكيمون في الحارة، وآلمني جدًا جدًا، أن مدير مدرستنا، منع في المدرسة حينها أي لعبة تتعلق بالبوكيمون.
يتساءل أحدهم على الفيسبوك ما هذه اللعبة التي جعلت زميله الطبيب يبحث عن بوكيمونات في مرحاض الطالبات بالجامعة، بينما يسير آخر محدقًا في هاتفه بشوارع المدينة، عازمًا على التقاط أكبر عدد من البوكيمونات، وأخرى تنشر إعلانًا عن استعدادها لتجميع بوكيمونات للناس بأجر، وعلى نون بوست تحديدًا نشرت العديد من المقالات تحكي عن هذا الجنون.
ما الذي حصل للعالم، وما الذي نتعلمه من نموذج وتصميم لعبة بوكيمون جو؟ ما الذي على مصممي الألعاب ورياديي التكنولوجيا تعلمه من هذه اللعبة ليصمم تجربة لعب تستحق كل هذه الضجة؟
وسط كل الرهبة من لعبة “بوكيمون جو” بسبب تعقبها اللاعبين ومعرفة تحركاتهم، هناك نقطة أساسية حول الخصوصية قد لا يدرك أهميتها من لديه هوس الخصوصية، ألا وهي: مستخدمون كثر حول العالم قدموا خصوصيتهم مقابل تلقي خدمات تكنولوجية مختلفة تريحهم، هذه هي الحقيقة.
كنت قد انتبهت لأهمية ذلك في حصة حول الخيال العلمي في جامعتي بالولايات المتحدة، حين علقت أنا وزميل من أمريكا اللاتينية أن تصميم أحد المجموعات لمشروع تكنولوجي “يهدد الخصوصية ويمثل الأخ الأكبر الذي يراقب تحركات الناس، ولن يكون هناك أي شخص مستعد أن يشارك الجهاز معلومات حساسة عنه بذلك القدر”، كان ردًا غير واقعي منا، إذ إن الانسان في القرن الواحد والعشرين، واقعه يقول عكس ذلك، أضف إلى ذلك، كنا أنا وزميلي عبارة عن “صوت النشاز” وسط شغف الطلاب من الولايات المتحدة، الذين تحمسوا لفكرة الجهاز، ولم يجدوا أي مشكلة أن تنتهك خصوصيتهم ومشاركة حتى معلومات “ذهنية” مع الجهاز.
هذه النقطة المهمة، إذ تتيح لنا أن نفهم طريقة تفكير المستخدمين اليوم، وتجعلنا نفكر باختلاف التوجهات حول قضية الخصوصية مقابل تلقي خدمات تستحق ذلك، هذا الأمر هو فرصة للمستثمرين، ولرياديي التكنولوجيا، إذ يمكن استغلال هذا الحماس لدى المستخدم للكسب المادي – ألا تفعل ألغوريثمات الفيسبوك وجوجل؟
بعيدًا عن نقطة الخصوصية التي شغلت بال المنتقدين، ما الذي يجعل لعبة بوكيمون جو مميزة ومحفزة من حيث التصميم؟
نجحت اللعبة بخلق شبكة لاعبين يتفاعلون مع بعضهم البعض بأسلوب مبتكر، فدون تعاون اللاعبين معًا، لم تكن للتتوسع شبكة البوكيمونات، هذه الشبكة هي نتيجة عمل سنوات، جعلت محبي البوكيمون يلعبونها فور الإعلان عنها.
دمجت اللعبة بين الواقع والتكنولوجيا والخيال، عبر تقنية الواقع المعزز “Augmented Reality”، فمكنت اللاعبين من التفاعل عن طريق هواتفهم مع محيطهم الخارجي، وخلقت تجربة مستخدم سلسة وعملية تعتمد على التنقل من مكان إلى آخر من جهة، وعلى سهولة التقاط البوكيمونات من جهة أخرى، (علمًا أن معظم الألعاب التكنولوجية تجعل منك أسير المنزل أو الكرسي).
اعتمدت اللعبة على شرح سلس ومبسط للمراحل في اللعبة فمهدت للاعبين واللاعبات فرصة فهم طريقة اللعب وتلقي الإرشاد بشكل سريع، دون الحاجة لدوامة من التوجيهات، هذا الأمر قد يبدو عفويًا، إلا أنه ليس كذلك، تعتمد هذه النقطة تحديدًا على حقيقة أن اللاعبين اليوم يتلقون كمًا هائلاً من المعلومات مما يؤثر على الاستيعاب والتذكر ويسبب في ضغط ذهني للاعب أو المتلقي للمعلومات.
هذا الأمر يرشدنا إلى أن ننتبه عند تصميم مواد إرشادية، أو مواد تهدف إلى إعطاء شرح عن استخدام آلية معينة إلى ضرورة تجزئة المواد، تبسيطها من مرحلة إلى مرحلة بحيث يبدأ اللاعب من البسيط إلى الأصعب.
ميزة التخصيص customization في اللعبة تحفز اللاعب على خلق علاقة شخصية مع شخصيته التي يلعب بها، هذا التخصص من إتاحة تحديد صفات الشخصية المختارة في اللعب تقرب اللاعب أكثر من اللعبة، إذ إنها تعطيه شعور أنه يمتلك شيئًا معينًا ويجب عليه الاستمرارية في تحقيق الإنجازات، إنه حب التملك وظهور الاختلاف عن الآخرين.
يعتبر تحقيق الفوز وتجميع النقاط عاملاً أساسيًا في تحفيز اللاعبين سواء كان ذلك في الألعاب التكنولوجية أو الألعاب الأخرى، فالجوائز التي تتيحها لعبة “بوكيمون جو” من مرحلة إلى أخرى تعزز من تقرب اللاعب من اللعبة، وتزيد من خلق معنى للعبة يجعل اللاعب متعلقا بها أكثر وأكثر.
تعتمد اللعبة على حكاية، هذه الحكاية لها معنى يمكن للاعب ربطه بحياته اليومية، الذكريات لدى البعض، وحكاية يتبادلها اللاعبون فيما بينهم اجتماعيًا، وهذا الأمر تابعناه على شبكات التواصل الاجتماعي، إذ تصدرت اللعبة أحاديث المنصات، حكاية “بوكيمون جو”، تحوي عناصرًا أساسية يعتمد عليها السرد القصصي من شخصيات، زمان ومكان، وحبكة، وأحداث، أهمية ذلك تنبع من أن هذا ينعكس على تحفيز اللاعبين وارتباطهم باللعبة، وإمكان ربطهم اللعبة مع حياتهم اليومية وبالتالي تحولها لروتين يومي وجزء من حياتهم.
أحد المميزات في الألعاب، هي أن اللاعب يسعى للكشف عن المراحل القادمة في اللعبة، وتوقع غير المتوقع، ما الآتي؟ وما أنواع البوكيمونات التي سيلتقطها، كيف ستسير اللعبة، وفي أي المناطق الجغرافية يمكن إيجاد بيكاتشو؟ هذا الغموض، هو المحفز للبحث، إذ إنه يثير فضول اللاعب.
إذًا، تتمحور مميزات لعبة “بوكيمون جو” على عوامل أساسية في تصميم الألعاب، تعتمد على استثمار طرق التحفيز لجذب اللاعبين، فتتركز على العامل الاجتماعي للعبة، وخلق معنى وحكاية، زتعزيز قدرات اللاعب بإعطائه شعور الاكتفاء والانجاز، وحب التملك عبر جمع النقاط أو البوكيمونات، الاعتماد على غير المتوقع، وهذه عناصر أساسية في تصميم الألعاب، على رياديي التكنولوجيا مراعاتها.