أثناء زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى ألمانيا منتصف العام الماضي 2015 جمعه لقاء مع أعضاء الجالية المصرية في ألمانيا والوفد المصري، تعهد أمامهم أن تشهد مصر نهضة حقيقية وتظهر آثارها بعد عامين، حيث قال “في غضون سنتين سيحصل هناك أمر عجيب في مصر والجميع سيستغرب كيف حصل هذا”، في إشارة منه إلى التطور والتنمية التي ستشهدها مصر خلال السنتين المقبلتين.
هبوط تاريخي للجنيه أمام الدولار
أمر عجيب فعلًا ذلك الأمر الذي تعهد به الرئيس السيسي قبل حوالي العام في ألمانيا، فالنهضة والتطور وكل أشكال التنمية التي وعد شعبه بها تتحقق ولكن بشكل معاكس، فالجنيه المصري حقق أدنى سعر له في التاريخ أمام الدولار مسجلًا سعر 13.10 جنيهات في السوق السوداء مع تمسك المركزي المصري برئاسة طارق عامر بالأسعار الرسمية حيث يبلغ السعر الرسمي للجنيه في تعاملات البنوك 8.78 وللأفراد يمنحه بسعر 8.88 جنيه لكل دولار.
الجنيه المصري حقق أدنى سعر له في التاريخ أمام الدولار مسجلًا سعر 13.10 جنيهات في السوق السوداء
يأتي الارتفاع في سعر الصرف بالدرجة الأولى في الوقت الذي خرجت تصريحات من طارق عامر جعل فيها الباب مفتوحًا أمام خفض محتمل لقيمة الجنيه حيث قال “لا يمكن الحديث عن تعويم الجنيه حاليًا، أما الخفض فهو يرجع لما يراه البنك في الوقت المناسب”، وهذا أرسل رسالة سلبية للأسواق المحلية والمستثمرين الأجانب أن المركزي شبه استنفذ أدوات ضبط سعر الصرف في السوق السوداء ولم يعد يملك عملة صعبة وربما وصل المخزون إلى القاع، لذا سيلجأ لتخفيض قيمة الجنيه.
وفي الواقع فليس مفهوم التعويم ما يخيف المستثمر بالقدر الذي يخيفه عدم قدرة المركزي على ضبط الأمور بعد التعويم، فالتعويم بالنهاية هو أحد سياسات تحديد سعر الصرف المتداولة في الأسواق المتقدمة وتعطي إشارة إيجابية عن نضج سوق الصرف والاقتصاد بشكل عام، ولكن في حالة المركزي المصري فهو إن ذهب بخيار التعويم فلأنه مجبر بسبب نفاذ الدولار لديه للتدخل في الأسواق وفي هذه الحالة فالتعويم سيسبب عدم استقرار في سوق الصرف وسيتبعه هزات عديدة على عدة مستويات في الاقتصاد المصري وبالتالي لن يكون وضع السوق المصري جذابًا للعمل والاستثمار بتاتًا.
وفي الوقت الحالي سيبقى المركزي يحارب من أجل إبقاء سياسة صرف مثبتة، مستجديًا حلفاء مصر والبنوك الدولية لإقراض المركزي، وفي نهاية الأمر سيضطر للتعويم شاء أم أبى، فالأسواق ستجبره على اتخاذ هذا القرار إلا إذا تلقت مصر عشرات مليارات الدولارات لإنقاذ الوضع هناك.
التعويم هو أحد سياسات تحديد سعر الصرف المتداولة في الأسواق المتقدمة وتعطي إشارة إيجابية عن نضج سوق الصرف والاقتصاد بشكل عام
وقد خرجت تصريحات من مسؤول مصري أفاد فيها أن هناك شركات مصرية تعمد لشراء الدولار من السوق السوداء بكميات كبيرة للخروج من السوق المصرية في الوقت المناسب، بالإضافة أن الذي يحصل على الدولار لا يقوم ببيعه وهذا ما يقلل من كمية عرض الدولار في السوق في مقابل الطلب المرتفع عليه.
فالشركات الأجنبية لديها أرباح كبيرة مقومة بالجنيه وتسعى إلى تحويلها للدولار ومن ثم تحويلها للخارج كإجراء روتيني، فهي شركات مساهمة مدرجة في أسواق البورصة في بلدانها الأصلية، وهي تخشى من فقدان قيمة أرباحها بسبب عدم استقرار سعر صرف الجنيه أمام الدولار، وبحسب ما ورد في صحيفة العربي الجديد فإن بعض الشركات تقوم بشراء الدولار مقابل 15 جنيهًا من العاملين بالخارح كوسيلة لتحويل أرباحها للخارج.
بالطبع هكذا ظروف تشعل لهيب التجار وشركات الصرافة لتحقيق أرباح سريعة من تجارة العملات، مستغلين رفض المركزي بيع الدولار للشركات التي تحتاج للدولار، وهذا الفعل غذى نهم السوق السوداء على الرغم من قيام المركزي بحملات كثيرة لإغلاق مكاتب الصرافة وإعلانه اعتقال كل من يروج لأسعار مرتفعة غير التي يفرضها المركزي، ومع ذلك فإن تجار الصرافة والذين أغلق المركزي محالهم أصبحوا يديرون عملياتهم التجارية من داخل شقق سكنية.
بعض الشركات الأجنبية في مصر تقوم بشراء الدولار مقابل 15 جنيهًا من العاملين بالخارح كوسيلة لتحويل أرباحها للخارج
تصريحات جوفاء
لم يعد السوق يلتفت لتصريحات الوزارء والمسؤولين المصريين والأجانب الذي يصرحون أن مصر ستتلقى الأموال وأن هناك مليارات ستدخل خزينة المركزي المصري، بل على العكس فالسوق والتجار الذي فيه اكتسبوا مناعة جيدة من تلك التصريحات وأصبح ينتظرها لأجل المضاربة على السعر، فحالما يضخ المركزي كمية من الدولارات في السوق حتى ينخفض السعر قليلاً فيشتري التجار الدولار ويختزنوه لحين انقطاع سيل الدولار ليبدأوا عرض دولاراتهم بأسعار عالية لجني الربح.
يأتي حديث الدعم تزامنًا مع إطلاق وزيرة التعاون الدولي سحر نصر تصريحًا قالت فيه إن مصر ستتلقى مليار دولار من السعودية خلال الأيام المقبلة على سبيل تهدئة الأسواق إلا أن محللون استبعدوا أن تكون هذه الكمية كافية لإرضاء نهم السوق وتوقعوا أن السوق المصرية تحتاج على الأقل في الوقت الحالي إلى ما يقرب من 5 مليارات دولار لكي تهدأ المضاربات.
علمًا أن السعودية عرضت مساعداتها وقروضها في ظل وضع اقتصادي مستقر نسبيًا أكثر مما هو عليه الآن، لذا فمن غير المستبعد أن تؤجل أو تلغي السعودية القرض لمعرفتها المسبقة أن القرض سيحترق في السوق بوقت قياسي وبدون تحسن في سعر الصرف.
السوق المصرية تحتاج على الأقل في الوقت الحالي إلى ما يقرب من 5 مليارات دولار لكي تهدأ المضاربات
بينما أكد عضو مجلس إدارة الغرفة التجارية في القاهرة وأحد كبار المستوردين أن المستوردين ما عاد يهمهم سعر الدولار فالمهم بالنسبة لهم هو توفير الكمية المطلوبة.
وقد أدى نقص الدولار في السوق إلى ارتفاعات متلاحقة للمنتجات المستوردة والمنتجات التي تعتمد على مواد أولية مستوردة من الخارج، فالرز مثلاً ارتفع إلى 9 جنيهات بعدما كان سعره سابقًا 3 جنيهات.
وتسعى هيئة قناة السويس إلى استقدام سفن تجارية وتعزيز التجارة عبرها بشكل أكبر لتقوية خزينة العملة الصعبة في الدولة، فبحسب ما نقل على وكالة الأناضول فإن إدارة قناة السويس في مصر منحت تخفيضات وصلت إلى 45% لناقلات النفط العملاقة المارة عبرها قادمة من الولايات المتحدة والمتجهة إلى دول الخليج إذا كانت حمولتها تتجاوز 200 ألف طن، وسيكون هذا نافذًا اعتبارًا من 24 الشهر الجاري لمدة 60 يومًا بمثابة فترة تجريبية قابلة للتجديد.