تضع ويكليكس نساء تركيا في خطر وسط تجاهل غير مبرر من الصحافة التركية تجاه تسريبات ويكيليكس التي بدأت بعد محاولة الإنقلاب الفاشل في تركيا في الخامس عشر من يوليو/تموز، حيث أثارت ويكليكس ضجة واسعة منذ أسبوع عندما بدأت في نشر دفعتها الأولى من الرسائل التي أسمتها بـ ” رسائل أردوغان” التي نشرتها على موقع ويكليكس الرسمي، وصرحت بأنها الدفعة الأولى فقط من الرسائل الخاصة بأردوغان والمقربين منه ورسائل متبادلة من حزب العدالة والتنمية و أعضائه، حيث وُجد في الرسائل قائمة بأسماء نواب البرلمان من أعضاء حزب العدالة والتنمية مع أرقام هواتفهم المحمولة.
بلغ عدد الرسائل السابق ذكرها 300 ألف رسالة، يعود أقدمها إلى عام 2010 ويكون أحدثها بتاريخ 6 يوليو/تموز 2016، أي قبل الانقلاب بأسبوع واحد، لم يتم الكشف عن مصدرها الموثوق منه بعد، حيث صرّحت ويكليكس وقت النشر بأن المصدر ليس متحيزًا لأي طرف من أطراف المعادلة كما لا تتحيز ويكليكس نفسها لأي طرف بحسب ما نشروا في تغريدات على حسابهم الرسمي على موقع تويتر، ولكنهم أرادو نشر الحقيقة فحسب وهذا ما دفعهم للتسريب في المقام الأول، إلا أن الحكومة التركية قررت فرض الرقابة الإلكترونية على الرسائل المسرّبة، وفرضت الحظر الإلكتروني على موقع ويكليكس في تركيا، ومنعت الوصول إليه، بعد أن تعرض الموقع إلى حملة من القرصنة والهجوم الإلكتروني المجهول مصدره بحسب تغريدات ويكليكس.
وسط تجاهل ملحوظ من الصحافة التركية ووكالات الإعلام الرسمية التركية بشأن تسريبات ويكليكس، إلا أنه فجّرت الأكاديمية “زينب توفيكجي” المختصة بشأن التأثير التكنولوجي على السياسة قضية هامة بالأمس على موقع هافينغتون بوست النسخة الإنجليزية بعنوان ” تسريبات ويكليكس تدق ناقوس الخطر على نساء تركيا بدون سبب واضح”، حيث احتوت الرسائل المسمّاه برسائل أردوغان على معلومات خاصة بملايين الأتراك في مختلف المناصب، وهي ما اعتبرته زينب توفيكجي عمل غير مسئول يعرّض الملايين من الأبرياء للخطر، بنشر معلوماتهم الخاصة التي تضمن أسمائهم وأماكن سكنهم وأرقام هواتفهم المحمولة وأحيانًا أرقامهم القومية كذلك، والتي يمكن استخدامها في انتحال شخصياتهم في كثير من المواقف.
صفحة الرسائل المسرّبة على موقع ويكيليكس
يبدو أن الضجة الكبيرة التي أحدثتها ويكيليكس بنشرها على حسابهم الرسمي على تويتر بكونها ستنشر معلومات حساسة تخص بنية السياسة التركية لا تخص أردوغان ولا المقربين منه في شيء
فعلى ما يبدو بعد البحث المستمر والمكثف في الرسائل المنشورة بأن الرسائل غير مبعوثة من حزب العدالة والتنمية نفسه ولا من أردوغان ولا المقرّبين منه كذلك، بل هي رسائل مُرسلة للحزب من شخصيات عامة، او صحف قومية، أو من أعضاء في البرلمان أو من رجال أعمال وسياسيين إلى آخره، كما أنها لا تحتوي على معلومات خطيرة تستحق الكشف عنها، فلم يتم الحصول على معلومات خطيرة منها بعد تستحق النشر أو ذلك التهليل الصحافي.
لم ينتهي البحث في الوثائق المنشورة بعد، إلا أنها حتى الآن، لا يمكن استخدامها كأدلة ثبوتية ضد مناصب قيادية في الدولة، ولا يمكن إدانة حزب العدالة والتنمية بها بخصوص سياساته، كما أنها لا تكشف أية أسرار خاصة بالسياسة الخارجية التركية مع دول الجوار بعد الربيع العربي أو مع روسيا والولايات المتحدة الأمريكية بعد تدخلاتها السياسية الأخيرة في سوريا.
ما يمكن وصفه بالوثائق الخطيرة التي تضمنتها الرسائل المسرّبة هي قوائم تحتوي على توزيع الأصوات الانتخابية للنساء في 79 محافظة من بين 81 محافظة تركية، وتضمنت القوائم أسمائهن وأرقام هواتفهن المحمولة، كما تضمنت عنواين سكنهم الشخصي، كما أشارت زينب توفيكجي في تقريرها بخطورة كون تلك النساء من أعضاء حزب العدالة والتنمية، فإن كان الأمر كذلك، فهذا يعني أن القوائم تحتوي على أرقامهم القومية، والتي تزيد من احتمالية تعرضهن للخطر بسبب سهولة الوصول إليهن، وانتحال شخصياتهن باستخدام الرقم القومي الخاص بهم، والذي يمكن استخدامه في تركيا للحصول على أغلب الخدمات الحكومية.
يجب الذكر هنا أن التقرير السنوي بحالات العنف ضد المرأة في تركيا يشير إلى تعرّض المئات من النساء سنويًا إلى العنف الجسدي أو الإساءة الجنسية والجرائم الجنسية من قِبل شركائهن السابقين أو أصدقائهن، وهو ما يجعل تلك النساء المعروضة معلوماتهم الشخصية أمام الكل في خطر بالغ، مما يهدد أمنهم ويهدد سلامتهم الشخصية بالخطر.
الصورة الكاريكاتورية التي يستخدمها موقع ويكليكس في الإشارة إلى الرسائل المسرّبة
تأتي الرسائل المسرّبة في وقت عصيب بالنسبة للأتراك وبخاصة لأعضاء حزب العدالة والتنمية، بعد محاولة الانقلاب الفاشلة التي حاولت الإطاحة بالحزب الحاكم، وهو ما يزيد من خطر تلك الوثائق المسرّبة على حياة الملايين من النساء، بالكشف عن إنتماءتهن الحزبية، ومعلومات خاصة بهن.
أشارت الأكاديمية زينب توفيكجي بصحة المعلومات المنشورة الخاصة بتلك النساء، وذلك لأنها وجدت بنفسها العشرات من الأسماء التي تعرفهم شخصيًا من أصدقائها وأقربائها في مدن مختلفة في تركيا من ضمن الأسماء المعروضة في تلك القوائم، ومما زاد خوفها هو تحديد ما إن كانت هؤلاء النساء هم أعضاء في حزب العدالة والتنمية أم لا داخل تلك القوائم، وهو ما يثير الشكوك حولهن بعد محاولة الانقلاب الفاشلة، والتي وضعت كل من هو غير مؤيد للحزب في موضع اتهام اجتماعي بالمشاركة في محاولة الانقلاب.
احتوت الرسائل المسرّبة على قوائم عديدة غير قائمة الأصوات الانتخابية الخاصة بالنساء، فقد احتوت على قائمة مهمة تضمنت أسماء الأعضاء الفاعلين في حزب العدالة والتنمية والأعضاء الغير فاعلين، كما تضمنت قائمة أخرى مهمة تضمنت أسماء نواب البرلمان من حزب العدالة والتنمية بالإضافة إلى أرقام هواتفهم المحمولة، بالإضافة كذلك إلى ملف بإسم ” الملف الاقتصادي التركي”، كما هناك رسالة بعنوان قائمة مجلس الإدارة (القائمة الأصلية والبديلة) الخاصة بحزب العدالة والتنمية، وقائمة بأسماء الأعضاء الغير نوّاب في الحزب في مجلس MKYK وهو المجلس الأعلى لاتخاذ القرارات في حزب العدالة والتنمية.
يمكن لأي شخص الآن فتح موقع ويكليكس الرسمي وكتابة ” ويكليكس رسائل أردوغان” ليظهر لك مربع البحث الذي يمكنك منه الحصول على الرسائل المسرّبة، إما عن طريق البحث بعنوان بريد المرسل أو بعنوان الرسالة نفسها أو باستخدام كلمات مشتركة بين كلمات البحث ومحتوى الرسالة، فبكتابة جملة “معلومات عن النساء التركيات” في مربع البحث ستجد آلاف الرسائل الخاصة بوضع النساء في تركيا، ومعلومات عن مشاركتهن في السياسة، ورسائل خاصة بطلبات وظائف، ومعلومات خاصة باللاجئات السوريات والعراقيات، ورسائل تطالب الحكومة بمزيد من الاهتمام بوضع التركمان في تركيا وسوريا والعراق.
على الرغم من احتواء الرسائل المسرّبة على القوائم المهمة السابق ذكرها أعلاه، إلا أنها رسائل بريد إلكتروني عادية، تتضمن احتفالات بأعياد، طلبات وظائف في الحكومة، طلبات خاصة، معلومات خاصة شخصية، بعض من الإيصالات الإلكترونية، ورسائل جادة تضمن بعض المشكلات المحلية المعروضة على حزب العدالة والتنمية بخصوص قضايا قومية، وبعض من الرسائل هي رسائل أعيد إرسالها للحزب من عنواين بريدية أخرى.
غرّد إدوارد سنودان المتهم بتسريب وثائق وكالة الأمن القومي الأمريكي على وثائق تركيا بانه كيف يمكن أن تضفي الحكومة التركية مصداقية على تسريب، ليشير إلى فساد و سوء تصرف الحوكة التركية تجاه أمر التسريبات.
How to authenticate a leak: https://t.co/DWIaLr59CJ
— Edward Snowden (@Snowden) July 20, 2016
سنودان لم يأخذ في الاعتبار الخطر الذي يحوم حول ملايين من النساء حينما قام بذلك العمل الغير مسئول الذي يهدد المصلحة العامة في تركيا
ولكن الأكاديمية زينب توفيكجي أشارت إلى خطورة ما فعله إدوارد سنودان بتعريضه لحياة الملايين من الأبرياء للخطر في تقريرها، وأنها طالبت ويكليكس بسرعة إخفاء تلك القوائم ومنع العامة من سهولة الوصول إليها، وذلك حماية لملايين من النساء البريئات في تركيا.
تجاهلت الصحافة التركية أمر التسريبات كليَا، ولم يتم الإشارة إلى القوائم الخطيرة المعروضة في الرسائل المسرّبة، فمن الممكن أن تكون التغطية الإعلامية لمحاولة الانقلاب الفاشل قد صرفت إنتباههم عن تغطية مسألة الرسائل المسرّبة، إلا أنه كان من المتوقع تجاهل الصحافة التركية والإعلام الرسمي التركي للأمر، وذلك لعدم تميزّه بمهارة الصحافة الإستقصائية، ولكن في كل الأحوال يجب على الصحافة التركية الانتباه لتلك القوائم، وأن تطالب بسرعة إخفائها، وإلا فإنه ستقع عليها تهمة عدم المسئولية وعدم الاهتمام بحماية المعلومات الشخصية لتلك الملايين من النساء، وسيعد تصرفها تجاه الأمر عمل غير احترافي من الممكن أن يزيد الطين بلة.
يدافع الناس حول العالم عن “حرية الإنترنت”، إلا أنه تعريض حياة الأبرياء للخطر من خلال نشر معلومات مغلوطة، وسوء التعاطي معها يمكن أن يكون أكثر خطورة من الدفاع عن “حرية الإنترنت”، حيث لا تعني الرقابة التي فرضتها الحكومة التركية الإيذاء العشوائي والإنتهاكات التي لا تفسير أو معنى لها لأشخاص أبرياء.