برز اسم “موريتانيا”، مؤخرا، على ألسن العرب، وكثر تداوله رسميا وشعبيا، لاحتضان هذا البلد العربي الواقع في أقصى الشمال الغربي لقارة أفريقيا، على شاطئ المحيط الأطلسي، للمرة الأولى في تاريخه، على مدى اليومين الأخيرين، القمة العربية الـ27 التي أطلق عليها اسم “قمة الأمل”.
في السابق كان الحديث عن موريتانيا، يتزامن مع كل انقلاب عسكري تعرفه البلاد. واليوم يجتمع فيها قادة العرب لبحث أهم قضاياهم وسبل عملهم المشترك.
موريتانيا بلد الانقلابات
جمع الرئيس الموريتاني “محمد ولد عبد العزيز”، الذي يحكم موريتانيا منذ سنة 2008، نتيجة انقلاب عسكري على الرئيس المنتخب سيدي ولد الشيخ عبد الله رداً على قرار الأخير إقالته من منصب رئاسة الحرس الرئاسي، خلال هذه القمة نظرائه العرب، وبحثوا سويا سبل تدعيم الديمقراطية في البلاد العربية.
بدأت الانقلابات العسكرية في موريتانيا سنة 1978
رئيس جاء على ظهر الدبابات، منقلبا على نتائج الانتخابات، يسعى إلى جانب نظرائه العرب إلى رد الأمل لشعوب المنطقة و تخليصها من التبعية الاقتصادية و السياسية والاجتماعية للغرب. محمد ولد عبد العزيز بدأ تطبيق ما وعد به, وانطلق في التحضير لتعديلات دستورية تمكنه من ولاية رئاسية ثالثة ولما لا رابعة، وعجّل بتصفية منافسيه وأمر بتتبع معارضيه على رأسهم “الاخوان المسلمين”.
بشاعة نظام الحكم العسكري في موريتانيا, الذي بدأ منذ سنة 1978، حين أطاح الجيش بأول رئيس لها ” المختار ولد داداه”، قابلها جمال البلاد والعباد في تلك الربوع؛ سلاسل جبلية و أحواض وقمم صخرية وسهول رملية تمتد على مساحات شاسع.
موريتانيا، التي تمثل نقطة وصل بين شمال إفريقيا وجنوبها، تجمع صحراءها الشاسعة بين أعراق وثقافات مختلفة منها العربية والأمازيغية والإفريقية. ويرجع اسمها إلى العصر القرطاجي والروماني، حيث أطلق هذا الاسم على منطقة شمال إفريقيا كلها، وتعني كلمة موريتانيا بلاد المور (أطلق الفينيقيين اسم مورو على القبائل البدوية الأمازيغية التي تقطن في الصحراء، ثم أطلقه الأوروبيون على سكان المغرب والأندلس العرب والأمازيغ).
كما حملت موريتانيا في السابق عديد الأسماء, تختلف باختلاف الأحداث التاريخية التي عرفتها البلاد على مر الزمان, وأطلق عليها اسم “امبراطورية غانا”, وصحراء الملثمين, بلاد المغافر, وبلاد السائبة وبلاد شنقيط.
تنوع عرقي وحضاري, زاد البلاد روعة
يجمع شعب موريتانيا بين الأفارقة السود من جنوب القارة والشعوب البيضاء من شمالها, 80 بالمائة من سكانها عرب (البيضان والعرب الحراطين وتشترك هاتان العرقيتان في أنهما تتكلمان نفس اللهجة الحسانية), يعيشون في المدن. والعشرين بالمائة الباقين أفارقة فيهم الولوف، و السننكي، و البولار, يسكنون بمحاذاة نهر السينغال كونهم مزارعون. ويمثل الدين الاسلامي, القاسم المشترك بين هذه الاعراق.
الكل في موريتانيا يعيش في جو ملتخم بالأدب والشعر والقران
عرفت موريتانيا بتعدد اللهجات, فنجد الحسانية : وهي اللهجة العربية السائدة فيها وهي من أقرب اللهجات العربية إلى اللغة العربية الفصحى، ولهجة آزناك: وهي لهجة أمازيغية شبه منقرضة كانت في الأصل لغة القبائل الأمازيغية الموريتانية، ولا يتحدثها الآن سوى مئات في أقصى غرب موريتانيا. و لهجة الولوفية : هي ذاتها اللهجة الزنجية السارية في سنغال وتتكلمها أقلية قبيلة الولف السنغالية المتجنسة في موريتانيا، إلى جانب لهجة البولارية : لهجة زنجية تتكلمها أقلية قبيلة البولار، فضلا عن لهجة السوننكية : لهجة زنجية تتكلمها أقلية قبيلة السونونكي، ولهجة البمبارية هي ذاتها اللهجة الزنجية السائدة في دولة مالي ويتكلمها القليل من السكان في المناطق الموريتانية المحاذية لمالي.
في موريتانيا إن لم يقابلك حافظ قران… صافحك راوي أو شاعر، الكل في موريتانيا يعيش في جو متخم بالأدب والشعر والقران. القران تراه عيانا في صدورهم فالغالبية يحفظونه، لا يسمع المار من هناك إلا شعرا وأدبا.
الاقتصاد الموريتاني
يعتبر الصيد البحري في موريتانيا من أهم ركائز اقتصاد البلاد و أحد أهم القطاعات المشاركة في تنميتها، فموريتانيا تمثل إحدى أهم الدول في هذا المجال لما تتوفر عليه من ميزات طبيعية جعلتها في مصاف البلدان المنتجة للأسماك.
شاطئ ممتد على المحيط الأطلسي يبلغ طوله نحو 650 كلم، تتلاقى في مياهها الإقليمية التيارات البحرية الدافئة والساخنة الأمر الذي هيأ لمياهها أن تكون مأوى لكثير من الأسماك والأحياء المائية.
جاذبية الصحراء, وروعة الواحات, وعبق التاريخ… ميزات استغلتها موريتانيا لجذب السياح.
كما تمتاز موريتانيا بتنوع ثروتها المعدنية من حديد ونحاس وجبس وفوسفات، رغم ذلك يبقى النشاط الزراعي، أهم النشاطات الاقتصادية التي تستوعب شريحة عريضة من السكان المحليين (53 بالمائة من القوى العاملة)، ويتكون من الزراعة المطرية التي تتم أساسا في المناطق الساحلية في الجنوب الشرقي للبلاد وفي المناطق التي لا تصل إليها الفيضانات بمحاذاة نهر السينغال، والزراعة الفيضية التي تمارس في المناطق التي يصل إليها فيضان النهر وفي مناطق الوديان حيث تبدأ الزراعة عند تراجع المياه، إلى جانب الزراعة في الواحات.
جاذبية الصحراء، وروعة الواحات، وعبق التاريخ، وخصوصية المجتمع وتعدد أعراقه وتقاليده الاجتماعية والغذائية، ميزات استغلتها موريتانيا لجذب السياح، في ظل عدم توفر رفاهية كبيرة في البلاد تضاهي دول المنطقة.
على الرغم من ضعف بنيتها التحتية و قلة الفنادق وغياب المنتجعات السياحية، استطاعت موريتانيا جذب السياح، ببرمجة الرحلات الجماعية الاقتصادية واستثمار الطبيعة البرية والبيئة النظيفة في صحرائها الشاسعة.
الترحال في رحاب الطبيعة من أجمل التجارب التي قد يعيشها السائح في موريتانيا، ركوب الجمال وقيادة الدراجات رباعية الدفع وسط الصحراء والصيد البري ورياضات التحدي، كلها أشياء يمكن لزائر موريتانيا القيام بها.