تشكّل ما عُرف مؤخرًا باسم “الحشد العشائري” من متطوعين سنة من أبناء المحافظات العراقية التي استولى عليها تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، للمشاركة في معارك تحرير المدن بجوار القوات الأمنية الرسمية أمام التنظيم.
يراها مراقبون محاولة لمنع تدخل الحشد الشعبي -المشكل من مليشيات شيعية عراقية- في المعارك الدائرة في هذه المحافظات، بعد سيل الانتهاكات الصادرة عن الحشد الشعبي بحق سكان المناطق المحررة.
اتحاد القوى العراقية -الذي يضم القوى السياسية السنية المشتركة في العملية السياسية- دعا بصورة واضحة الحكومة العراقية لضم تشكيلات الحشد العشائري “السنية” إلى منظومة اﻷمن والدفاع الحكومية، وبإشراف جهاز المخابرات الوطني.
ما عزز من هذه المطالبة التجربة التي خاضها الحشد العشائري، والنظر بإيجابية إلى دوره في عمليات تحرير المدن التي سيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية في محافظات اﻷنبار وديالى وصلاح الدين وكركوك ونينوى، كما أن هناك رغبة في تجنب تكرار تجربة الصحوات التي تشكلت إبان الاحتلال لمقاتلة تنظيم القاعدة، وذلك بإضفاء صبغة رسمية على قوات الحشد العشائري.
كما أن هذه المطالبات جاءت للمساواة في التبني، بعدما اعتبرت الحكومة العراقية مليشيات الحشد الشعبي “الشيعية” تشكيلات مسلحة رسمية تابعة للدولة من حيث التجهيز والتسليح والرعاية، لكنها لم تتبنى الأمر ذاته مع تشكيلات الحشد العشائري “السنية”.
لا تنكر الحكومة العراقية دور الحشد العشائري السني في قتال تنظيم الدولة خاصة في مناطقهم الخاضعة لسيطرة داعش
فيتو إيراني
لا تنكر الحكومة العراقية دور الحشد العشائري السني في قتال تنظيم الدولة خاصة في مناطقهم الخاضعة لسيطرة داعش، وهي قوات ليست بالهينة إذ يبلغ تعداد مقاتليها أكثر من 20 ألف مقاتل، إلا أنها لا تزال مهملة بشكل كبير من الجانب الرسمي سواء فيما يتعلق بالتسليح والتدريب وغيرها من المستلزمات.
صعود مليشيا سنية غير مصنفة على لوائح الإرهاب كقوات الحشد العشائري، يهدد وبقوة نفوذ مليشيات الحشد الشعبي المدعومة بقوة من الجانب الإيراني.
حيث لا تزال هذه الجهود أهلية إلى حد كبير، يقوم بها مجلس العشائر المتصدي للتنظيم الذي بدوره بجمع تبرعات بين الحين والآخر من الأهالي وزعماء العشائر ورجال الأعمال السنة لتمويل حربه ضد “داعش”، بهدف شراء أسلحة وذخيرة أو دفع رواتب يتمكن من خلالها المقاتلين من التكفل بأسرهم بعد تركهم لأعمالهم والتوجه لقتال تنظيم الدولة على الجبهات المختلفة.
وحول أسباب إهمال هذه القوة على الأرض، يُرجع مراقبون الأمر إلى وجود اعتراض إيراني لدى حكومة حيدر العبادي على مسألة دعم الحشد العشائري ومساواته بالحشد الشعبي، وهو ما اعبتروه السبب الرئيسي خلف هذا الإهمال المتعمد.
فبعد أن اهتم رئيس الوزراء العبادي بهذه المليشيات السنية في بادئ الأمر، فوجئ الجميع بتراجع هذا الدعم بعد أن تعاظمت قوة هذه التشكيلات على الأرض في المعارك، وبدأت تزاحم قوات الحشد الشعبي سيئة السمعة التي وثقت تجاهها ارتكاب مجازر وجرائم تطهير بحق المناطق السنية المحررة، وصعود مليشيا سنية غير مصنفة على لوائح الإرهاب كقوات الحشد العشائري، يهدد وبقوة نفوذ مليشيات الحشد الشعبي المدعومة بقوة من الجانب الإيراني.
هذا التوجه عبر عنه قيادات في مليشيا الحشد الشعبي تصريحات مماثلة لقيادات في مليشيا “الحشد الشعبي”، ووفقًا لتصريحات القيادي جعفر الموسوي في حزب الله العراقي لوسائل الإعلام، فإنه اعتبر القوات العشائرية لا يمكن أن تكون شريكًا رئيسيًا في الحرب على الإرهاب، حيث يعتبر الموسوي هذه القوات غير محسومة الولاء ولا يمكن الوثوق بها، واتهمها بأنها مخترقة من قبل تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.
بل وكشف مسؤولون في الأمن العراقي عن خطط تستهدف قوات العشائر بحيث يمكن الاعتماد على عناصرها في بناء أجهزة الشرطة والمرور والنجدة والشرطة المجتمعية عبر تطويعهم لا أكثر، وهو ما يعني تفكيك القوة العسكرية لها على المدى البعيد.
الولايات المتحدة على خطى إيران
مشهدان يوضحان التفرقة في التعامل بين الحشد العشائري والحشد الشعبي، أولهما لقيادي مقاتل في الحشد العشائري أصيب أثناء المعارك مع داعش على جبهة غرب الأنبار، ظل القيادي مصابًا في مستشفى بدائي غير مؤهل بأي إمكانيات، في ظل محاولات قيادات العشائر التواصل مع الحكومة في بغداد لانقاذه سواء بالعلاج في مكان أفضل داخل العراق، أو بتسفيره إلى الخارج كما يتم مع مقاتلي الحشد الشعبي، إلا أن محاولتهم باءت بالفشل حتى توفي القيادي متأثرًا بإصابته.
المشهد الثاني لزيارة القنصل الأميركي في البصرة ستيف ووكر لجرحى مليشيات الحشد الشعبي الموجودين في مستشفى حكومي وسط البصرة، وتقديم الدعم المادي والمعنوي لهم.
هذه المشاهد توضح إلى أين تذهب أولوية الدعم الأمريكي للفصائل المقاتلة على الأرض في العراق، فهو من الواضح أنه أصبح تابعًا للتوجه الإيراني، بالرغم من مناداة واشنطن مرارًا لتكوين مليشيات سنية وصبغها بالصفة الرسمية.
كشف مسؤولون في الأمن العراقي عن خطط تستهدف قوات العشائر بحيث يمكن الاعتماد على عناصرها في بناء أجهزة الشرطة والمرور والنجدة والشرطة المجتمعية عبر تطويعهم لا أكثر، وهو ما يعني تفكيك القوة العسكرية لها على المدى البعيد.
دليل آخر على سير الولايات المتحدة على خطى إيران في إضعاف قوات الحشد العشائري السنية لصالح الحشد الشعبي ، هو تخفيض القوات الأميركية لعدد معسكرات تدريب الحشد العشائري إلى النصف، خاصة في الأنبار، حتى أن البعض قارن بين الدعم التركي الدعم التركي لقوات عشائر الموصل التي تتهيئ للمشاركة في الهجوم على المدينة لاستعادتها واعتبر هذا الدعم التركي أكثر وأكبر من الدعم الأميركي.
حيث تؤكد الدلائل الميدانية انتقال الرهان الأمريكي إلى الحصان الإيراني مليشيا الحشد الشعبي الشيعية، والتوجه للاعتماد عليها في المعارك البرية بمشاركة القوات الكردية، مع توفير الغطاء الجوي لهم من التحالف الدولي.
رغم أن الولايات المتحدة نسبت إلى مليشيات الحشد الشعبي في السابق ارتكاب انتهاكات خطيرة بحق المدنيين من أبناء المناطق السنية التي انسحب منها تنظيم الدولة، ومنها تكريت والفلوجة والرمادي، كما اتهمتها بممارسات طائفية بعد سيطرة القوات الحكومية على هذه المناطق.
ويتضح من هذه الممارسات الرغبة الإيرانية الجامحة في وأد ظهور أية قوى مسلحة منظمة خارج نفوذها الشيعي حتى لا تلتقط زمام المبادرة في قتال تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” من المليشيات التي تعمل تحت إشرافها، حتى أن الحكومة العراقية كانت ترغب بتوجيهات من واشنطن بإنشاء قوات سنية رسمية “الحرس الرئاسي”، إلا أن القوى الموالية لإيران وقفت بكل نفوذها أمام إتمام هذه الخطوة، حتى بدا أن الولايات المتحدة استسلمت للقوى التابعة لإيران في العراق.