أحاديث متدوالة حول اجتماع سري ثلاثي يجمع بين ممثل عن الأمم المتحدة وممثلين عن كل من الولايات المتحدة وروسيا بشأن الأزمة في سوريا، هذا الاجتماع الذي وصفته الأطراف المشاركة فيه بأنه يعقد “خلف الأبواب المغلقة” لمناقشة تحقيق تقدم في المفاوضات المتعلقة بحل الأزمة السورية.
وعود أممية ودولية باستئناف مفاوضات الحل السياسي الشهر المقبل “أغسطس” بعد ادعاءات بأن ثمة إنجازات قد حدثت في اللقاءات السرية، ولكن الواقع قد يؤكد أن التقدم والانجاز لا يزال في الشق العسكري ولم يطل الشق السياسي حتى الآن، خاصة فيما يتعلق بالتعاون العسكري الروسي الأمريكي في سوريا.
ففي ذات الوقت الذي عُقد فيه اجتماع أممي، عقد اجتماع بين وزيري الخارجية الأمريكي والروسي على هامش اجتماع لدول جنوب شرق آسيا في لاوس، حيث خرج وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، ليعلن إنه يأمل أن يتم إعلان تفاصيل خطة أمريكية بشأن تعاون عسكري أوثق، ومشاركة معلومات مخابراتية مع روسيا فيما يتعلق بسوريا.
ويتضمن المقترح مشاركة المعلومات المخابراتية بين واشنطن وموسكو؛ لتنسيق الضربات الجوية ضد جبهة النصرة، ومنع القوات الجوية السورية من مهاجمة جماعات “المعارضة المعتدلة” بحسب وصف كيري.
ودافع كيري عن الاقتراح برغم التشكك العميق الذي أبداه كبار القادة العسكريين ومسؤولي المخابرات الأمريكيين؛ ومن بينهم وزير الدفاع، آشتون كارتر، ورئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة، جوزيف دنفورد، تجاه التعاون مع روسيا.
ويأمل كيري أن يكون هناك خطة واضحة في مطلع أغسطس للإعلان عنها، على أمل أن يصنع هذا فرقًا ميدانيًا.
الحرب في تقدم أمام تراجع الحل السياسي
الواقع يؤكد أن كافة التنسيقات التي تتم في سوريا حاليًا هي عسكرية بامتياز في ظل الأوضاع الراهنة، مع إصرار دولي على بث وهم استكمال المفاوضات وسط كل حقول الألغام هذه.
ففي الوقت الذي تحاول فيه القى الدولية الضغط على المعارضة السورية لخوض غمار جولة مفاوضات جديدة في جنيف متوقع أن تنطلق الشهر القادم، تقطع قوات النظام السوري كل طرق الإمداد إلى منطقة شرق حلب الخاضعة لسيطرة مقاتلي المعارضة، بعدما نجح النظام بمساعدة قوات من حزب الله اللبناني في فرض طوق على جميع هذه الطرق بما فيها العسكرية، وتتضمن طرق الكاستيلو، والخالدية.
وبهذا أصبحت جميع الأحياء الشرقية في حلب تحت حصارٍ كامل، بسكانها البالغ عددهم 350 ألف مدني في تلك الأحياء، حيث يعانون من أوضاع معيشية صعبة.
وفي الوقت ذاته على الصعيد الميداني أيضًا أكملت الولايات المتحدة الأميركية بناء قاعدة عسكرية على بعد 35 كيلومترًا جنوب مدينة عين العرب (كوباني) في سوريا. هذه المنشأة التي بدأ العمل في بنائها قبل بضعة أشهر وتضم مطارًا وقاعدة عسكرية للدعم اللوجستي هدفها مشاركة قوات التحالف الدولي في معارك منبج شمال شرق حلب.
بينما تستمر طائرات النظام السوري والطائرات الروسية في دك أحياء مدينة بحلب الواقعة تحت سيطرة المعارضة المسلحة، بل وتشارك قوات التحالف الدولي في الجرائم ضد المدنيين في منبج تحت نفس ذرائع الروس وهي قصف داعش وجبهة النصرة، في حين يسقط عشرات المدنيين جراء هذه الغارات.
ومع كل هذه الأوضاع الميدانية تستمر القوى الدولية والأمم المتحدة في الترويج لجولة جديدة من المفاوضات، دون أن تسفر أي جولة سابقة عن قرار ملموس، بل وتتهم روسيا الهيئة العليا للمفاوضات التابعة للمعارضة السورية بعرقلة المفاوضات، وذلك على لسان وزير الخارجية الروسي لافروف الذي قال: “تتخذ ما تسمى الهيئة العليا للمفاوضات حتى الآن موقفًا غير بناء، وهي لا تطرح أي اقتراحات، بل تقدم إنذارات لا يمكن أن تؤدي إلى شيء إيجابي، وتصر على رحيل الأسد”.
في حين تعتبر المعارضة السورية تصريحات لافروف “تجاهلًا للحقائق”، مطالبة بتنفيذ قرارات أممية وقعت عليها روسيا، وضربها نظام الأسد بعرض الحائط.
وترى المعارضة السورية أن الجو العام للوضع في سوريا لا يوحي بأي جدية من طرف النظام للتعاطي مع الحل السياسي، خاصة في ظل عدم وجود إرادة دولية صادقة لإخضاعه أمام متطلبات الحل السياسي، مما يجعله غير عابئ بتنفيذ مجازر يومية بحق الشعب السوري.
تجمد إلى ما بعد الانتخابات الأمريكية
لا يبدو وأن المشاورات الدولية الحالية جادة في إحداث أي تغيير على الأرض في سوريا إلا على الجانب العسكري كما يظهر يومًا بعد يوم، حيث إرادة حقيقية في إيجاد تنسيق بين الولايات المتحدة وروسيا ميدانيًا في سوريا، وإرادة حقيقية أيضًا في إخضاع المعارضة السورية المسلحة عن طريق حصار معاقلها في حلب، وهو ما يُعتقد أنه سيسهل مهمة وفد النظام السوري في أي جولات مفاوضات قادمة.
أما على صعيد إنجازي أي اتفاق سياسي فيستبعد أن يتم هذا الأمر في ولاية الرئيس الأمريكي الحالي باراك أوباما التي شارفت على الانتهاء، حيث يرى مراقبون أن الرئيس باراك أوباما يفضل في الوقت الحالي عدم اتخاذ أي خطوات حاسمة في الأزمة السورية، وترحيل الملفات المهمة إلى خلفه في رئاسة البيت الأبيض.