لا يمكننا إنكار حالات التأهب الأمني والذعر المجتمعي في عالم ما بعد 11 سبتمبر، فما تلى 11 سبتمبر من الأعمال الإرهابية الموحشة حول العالم كان له تأثير ضخم على حياة المجتمع النفسية، فما حدث بعد 11 سبتمبر من حوادث القتل الجماعي وحالات العنف وانتهاك حقوق الإنسان من قبل أجهزة الشرطة أو من بعض الجيوش في بعض البلاد، وما حدث ومازال يحدث من تفجيرات انتحارية مستمرة رفع من معدلات القلق والخوف عند كل من عاش أو كان بالقرب من الأحداث السابقة، وجعلهم في حالة مستمرة من الصدمة النفسية التي لا يزول تأثيرها سريعًا.
البشر عنيفون بطبعهم، وليس جديدًا على البشرية التعرض للأحداث الدموية، إلا أنه هناك سلاح آخر مروج للأحداث الإرهابية لم يكن معتاد على البشرية من قبل، ألا وهو الإعلام، فتلك الصور الدموية التي تُعرض على مختلف وسائل الإعلام الآن طوال اليوم، ومن مختلف بلدان العالم، تزيد من الضغط النفسي، وهو ما يساهم في زيادة الأزمات النفسية التي يصاب بها البعض، والتي تتحول أحيانًا إلى صدمات نفسية، وهو رد الفعل الطبيعي للمشاهدة المستمرة لمشاهد العنف والقتل الجماعي التي لا تنقطع عن وسائل التواصل الاجتماعي أو عن شاشات التلفاز.
لا تكون مهمة الإرهاب هي القتل فحسب، بل مهمته أن ينشر الرعب وأن يرهب الأبرياء، وهو ما ينجح فيه معظم الإرهابيون حول العالم تثريبًا، فلا تنقضي الحوادث الإرهابية بعدد من القتلى والجرحى فحسب، بل تخلف صدمة نفسية تصيب العديد مِن مَن عاشوا الحادث أو أقاربهم، وهو الآفة الخطيرة التي يزرعها الإرهاب الآن بين مجتمعاتنا، والتي لن يتناولها الإعلام بنفس الطريقة التي يتناول بها الصور الدموية الموحشة.
لازال هناك أساليب خاطئة في معالجة الصدمات النفسية في حالات ما بعد الصدمة في الحوادث الإرهابية، حيث يصب خبراء الصحة العقلية تركيزهم على تأثير الحدث الإرهابي على الفرد وحده، والبعض يصب تركيزه على المعاناة النفسية للأفراد التي تتبع الحدث فورًا، والآخرون يصبون تركيزهم على الجانب المجتمعي والثقافي لبعض المجتمعات التي تشهد الحوادث الإرهابية، وكيفية تعاملها مع تلك الحالات من الرعب وعدم الاستقرار، إلا أنه لا يوجد نظام متوازن يمكن اتباعه لمعالجة الصدمات النفسية بعد حوادث الإرهاب حتى الآن، فقد حاولت منظمة الصحة العالمية (WHO) وضع نظام يمكن اتباعه للتقليل من حالات الصدمات النفسية في تلك الحالات، إلا أن النظام ينوّه إلى أنه لا يمكن اعتبار كل معاناة نفسية بعد الحادث مرضًا نفسيًا.
ما الذي يمكن أن يفعله المرء عندما يخسر شخصًا مقرّبًا منه في أحداث كتلك الأحداث الأرهابية الفجائية ؟، بالطبع ستستمر الحياة، لا بد لك أن تستمر في عملك لتستطيع دفع فواتير منزلك، لا بد لك أن تذهب للسوق لتشتري الطعام، وأن تستمر في الاعتناء بحيواناتك، لا شيء يقف بعد خسارة الموت، ولكن ما تفعله أنت بنفسك هو ما يمكن اعتباره خسارة، حيث يعتبر المرء الذي يمر في حالة ما بعد الصدمة بتفاهة وسطحية الأفعال السابقة حينما يكون تحت تأثير الصدمة، فهو يرى استحالة متابعة الحياة هكذا وكأن شيئًا لم يحدث، وهنا يختلف البعض في طريقة تعاملهم مع الأزمة، البعض يحتاج وقتًا قصيرًا لتخطي الأمر، والأخرون يحتاجون الكثير من الوقت والذي يمتد أحيانًا لسنين، كما يحتاج البعض لتدخل طبي ضروري، قبل أن يتحول الأمر إلى مرض نفسي مزمن.
نحن الآن في عصر يعيش مع الإرهاب، ولا يعيش لمواجهة الإرهاب، فهذا هو الوقت الذي أصبحت فيه الأحذية و زجاجات المياه وحقائب الظهر أسلحة فتاكة يمكنها قتل المئات بضربة واحدة، فيحنما نرى حالات التأهب الأمني المستمر في الشوارع أمرًا عاديًا، وطوابير التفتيش الغير منتهية في محطات النقل والمطارات أمرًا لا بد من حدوثه، فلابد أن نعلم أننا نعيش في وقت يعتبر الإرهاب تحدي أمني دولي حقيقي.
لا يؤثر الإرهاب على السياسات الخارجية للدول فحسب، ولا يدمر إقتصاد بعض الدول، ولا يؤثر على أسعار العملة بشكل مباشر أو غير مباشر فحسب، كما أنه لا يضر بالسياحة فقط، كل ما سبق هي تأثيرات ظاهرية لتبعات الحوادث الإرهابية، والتي تتشابه من مكان لآخر ولكن تختلف في طريقة مواجهة العقبات والتعامل معها للحد منها أو للسيطرة عليها، إلا أن الإرهاب سلاح عميق يتم استخدامه من أجل تدمير الصحة النفسية للأجيال الحالية، وبخاصة الأطفال منها، والتي سيكون سماع دوي تفجير أوو إطلاق رصاص حي في الشارع أمر طبيعي بالنسبة إليها، ولكن الكل سيغفل التأثير النفسي التراكمي على تلك الأجيال، فالكل مشغول الآن بتحليل الاستراتيجية المتبعة من قبل المنظمات الإرهابية، وكيفية التعامل معها والإيقاع بها، إلا أنه لا يعير الكثيرون إنتباههم لما تفعله تلك المنظمات الإرهابية من تأثير عميق على مجتمعات مستهدفة بعينها.
تتسابق المنظمات الصحية الآن في دراسة حالات الاضطراب النفسي وحالات الإكتئاب بعد الحوادث الإرهابية منذ الحادي عشر من سبتمبر، واجتمعت الدراسات البحثية في نتائجها بارتفاع نسب الأمراض النفسية واضظرابات الشخصية والإكتئاب في حالات ما بعد الصدمة، ورفعت تلك الأبحاث من احتمالية إصابة الإرهاب الوشيكة لمعظم المجتمعات المستهدفة بالأمراض العقلية المزمنة التي لا علاج لها.
الأمر يزداد خطورة عندما نجد مؤلفات ودراسات وتحليلات تخص تأثير الإرهاب على الانتخابات الرئاسية، أو المسار السياسي لبعض الأشخاص في الحكم، وتحليلات خاصة بنفسية الإرهابيين، وكيف يمكن أن تكون تلك المنظمات متحدة ومتصلة ببعضها البعض، ولكن ماذا عن تأثير الإرهاب على تلك المجتمعات المُستَهدف تدميرها نفسيًا ؟