ما الفرق بين ممثل مغمور في هوليوود مثل ريغان، وبين مدمن كحول كما جورج بوش الابن، وبين دونالد ترامب، إذ كانت خلفية هؤلاء السياسية بسيطة، هل كان يتوقع أحد أن يعمل ريغان على ضرب أساسات الاتحاد لسوفيتي، وأن يشعل جورج بوش الابن العالم حربًا وقتلًا وفوضى!
السؤال الذي يطرح بقوة داخل أمريكا، ماذا سيعمل ترامب عدا الذي عمله ريغان، وبوش الأب، وكلينتون، وبوش الابن، وأوباما، إن هو وصل إلى البيت الأبيض؟
دونالد ترامب بات حقيقيةً لا يمكن تجاوزها، ومرشحًا رسميًا للحزب الجمهوري في سباق الرئاسة الأمريكية بعدما سقطت كل أوراق الحزب الجمهوري في إيجاد بديل صالح عنه.
البعض يعتبر وصوله إلى البيت البيض كارثة ستحل على أمريكا، لكونه لا يمكن التنبؤ بتصرفاته وبرامجه، وكأنما الرؤساء السابقين خاضعون للتنبؤ، “لا يجب التكهن بما سنفعله، علينا أن نكون لاعبي بوكر، أو لاعبي شطرنج” يقول ترامب في أحد تصريحاته، فتصريحاته ليست إلا انعكاسًا لقاعدته الشعبية والحزبية التي يمثلها، فهو يعبر عما يفكر به قسم من الشعب الأمريكي.
انشقاق جمهوري
نعم، دونالد ترامب مرشح الحزب الجمهوري، وقد يكون رئيسًا للبيت الأبيض، إذا لا أحد يمتلك ترف التنبؤ في نتائج السباق، حتى استطلاعات الرأي، تجدها تقف عند هامش محدد، لا يعتمد اليقين في نتائجها، فقد تنقلب رؤية الإعلام كمحرك حقيقي للسباق في أي لحظة ليصير في صالح ترامب، وقد تخلق مشكلة إرهابية من العدم فتنقلب موازين لصالحه.
يصور ترامب في الخارج على أنه مهدد حقيقي للتجربة الديمقراطية الأمريكية، إلا أن الحقيقية تقول بغير ذلك، لكونه ينطلق من رؤيا حمائية مسبقة لبلده، حتي وإن لم تعجب الآخرين، فحماية الداخل أولى من إرضاء الخارج.
صحيح، الرجل لا تجارب سياسية سابقة له، لكن هل كان جورج بوش الابن صاحب تجارب سابقة، هل لديه ثقافة سياسية، ألم يجلس على كرسي الرئاسة الأمريكية وهو كما صفحة بيضاء!
ترامب اليوم يمثل طيفًا عريضًا من جمهور الناخبين، يؤمنون بتصريحاته، ويحاولون دفعه على اعتبار ذلك الوسيلة الوحيدة لحماية أمريكا، حتى وإن ترتب على ذلك غضب الحلفاء والأصدقاء.
قد يكون فوز ترامب برئاسة أمريكا، بمثابة انقلاب إيجابي في الداخل الأمريكي، ووسيلة لمنع الانشقاقات في جدران الحزب الجمهوري، واهتزازًا للتجربة الديمقراطية الأمريكية.
لكن، هل يمكن اعتبار خسارة ترامب لكرسي الرئاسة لصالح هيلاري كلينتون، بمثابة خسارة للتجربة الأمريكية، إذ اعتبرنا النتيجة تقود إلى انشقاق الحزب جراء الخلافات التي تعصف في داخله، وخسارة الحزب لفرصته، في ظل غياب القيادات الحقيقية فيه، ما يعني انقسام الحزب الجمهوري، وتأسيس أحزاب جديدة منافسة له وفق نموذج الليكود الإسرئيلي – كاديما – فهل تحتمل الديمقراطية الأمريكية النتيجة إن كانت بهذا السوء؟
ترامب العربي
عربيًا، لو خرج عسكري عربي، وأعلن الانقلاب على رئاسة دولته، وحل مكان الرئيس المنتخب، وأدار الدولة بالحديد والنار، لمنح استفتاء شعبي تحت بند حماية البلاد من الفوضى والانهيار، حتى وإن تطلب الأمر نشرًا للفوضى، ولشرعنت القوانين لذلك، وبات القائد الفذ الذي تعقد عليه الآمال، وصار كل من ينتقده خائنًا، ولا وطنيًا، ويتوجب شيطنته، وإسقاطه.
ترامب من هذا الجانب يشبه القادة العرب، فهو يستخدم أساليب الترهيب لنيل رضى الجماهير، فتارة يرفع الكارت الأحمر بوجه الأقليات، وأخرى يقدم “الإسلامفوبيا” كمهدد لاستقرار الدولة، مرة يعتبر أن فوزه إنقاذًا للتجربة الأمريكية، وضمانًا لاستمراريتها، ومرة يعتبر وصول منافسته القوية هيلاري كلينتون بمثابة إسقاطًا لعظمة أمريكا وهيمنتها.
لكن، لماذا تشعر الأنظمة العربية بالظلم والخوف من تصريحات ترامب، التي قد تتحول إلى قرارات ضد أنظمة المنطقة مع أن الرجل في تصريحاته عشوائي غير مترابط، وعفوي غير متصل، فهو رئيس بلا مشروع حقيقي – لكنه يملك رؤيا عامة – لإدارة أمريكا على فرض أن الرؤساء السابقين حملوا مشاريعًا أوصلتهم إلى البيت الأبيض، لكنهم لا يخافون من هيلاري كلينتون صاحبة الخبرة السياسية والتي تحمل مشروعًا خاصًا للمنطقة وأنظمتها صرحت به في أكثر من مناسبة.
من الأهمية بمكان عدم اعتبار صناعة القرار الأمريكي خاضعة لرغبات الرئيس، لكونها فعلاً تشاركيًا مرتبطًا بعدد من المؤسسات الأمريكية التي تعتمد مبدأ الشراكة والتوافق في صناعة القرار، وليس محصورًا برغبات الرئيس ونزواته.
عودة إلى سؤالنا، لماذا تغضب أنظمة المنطقة وشعوبها إن قال ترامب إنه ضد السعودية وما يجري في سوريا، وضد تركيا، وضد قطر، وضد مصر السيسي، وضد العراق، ومع القذافي وصدام حسين، لكون هذه الملفات تؤثر مباشرة على أمن بلاده ومصالحها، فهل هذا الخوف مشروع لأنظمة الشرق الأوسط، ومحرم على ترامب وأمريكا؟ ألم يقل الحقيقية الموجعة التي اكتشفتها أنظمتنا العربية وتحاول إنكارها.
أليس من الحق بمكان أن يعمل ترامب على حماية بلاده، بالطرق التي يراها مناسبة، حتى وإن لم تعجب أنظمة العالم وشعوبها.
الخلاصة، جاء دونالد ترامب، أم هيلاري كلينتون، النتيجة عريبًا تبقى واحدة، تدور في محيط من الفراغ، إذ لا مشروع عربي واضح المعالم إلى الآن، والتصرفات العربية فردية لا جمعية، عشوائية لا ممنهجة، بغض النظر عن اسم الفائز، لكون السياسية الأمريكية مؤسسية، لا ترتبط بالرئيس (الإله) بقدر ما ترتبط بصناع القرار الأمريكي.