يبدو أن الحكومة الألمانية ليست جيدة في الإعلان عن هجمات حركة “اليمين المتطرف ضد المسلمين” كما تفعل في الهجمات الإرهابية من قِبل المتشددين الإسلاميين، حيث أعلنت الحكومة الألمانية الاحتمالات المرتفعة لارتباط منفذ هجوم ميونخ الأخير، الذي قُتل على إثره تسعة مواطنين في مركز للتسوق، بكونه منتميًا لجماعة إسلامية متطرفة، وهذا ما كان سائدًا في الإعلام الألماني لساعات بعد الحادث، قبل أن تتداول وسائل التواصل الاجتماعي فيديو للمنفذ وهو يصرخ “أنا ألماني” قبل أن يطلق الرصاص على الضحايا.
أثار الفيديو الشكوك حول الجهة التي ينتمي إليها منفذ العملية الإرهابية، والذي وصفته وسائل الإعلام الألماني بأنه مختل عقلي، ولكن لاعلاقة له بمنظمات “إرهابية”، حتى يوم الأربعاء كان المنفذ مختلاً عقليًا، إلا أنه وصلت تقارير رسمية من الشرطة الألمانية بعد ذلك تفيد بانتماء المنفذ لحركة اليمين المتطرف ضد أسلمة الغرب، والذي تم الإشارة إليه في التقارير بأنه “عنصري” وأن كل ضحاياه كانوا من الأجانب.
ما هي حركة “اليمين المتطرف ضد أسلمة الغرب” في ألمانيا (PEGIDA)؟
هي حركة يشير أعضاؤها إلى أنفسهم باسم “الوطنيون الأوروبيون ضد أسلمة الغرب”، نشات الحركة في مدينة دريسدن الألمانية في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2014، وهي حركة قومية سياسية معادية للإسلام، هدفها مقاومة كل ما تراه يهدف إلى أسلمة أوروبا، وتحاول الضغط على الحكومة الألمانية من أجل تغيير سياستها تجاه استقبال اللاجئين المسلمين في ألمانيا، وأوروبا بوجه عام، حيث تم تشكيل فروع لحركة اليمين المتطرف في بلاد أوروبية مختلفة، والتي تتبنى نفس التفكير والتوجه السياسي.
بدأت الحركة بأفعالها العدائية العنيفة تجاه المسلمين ضد مؤيدي حزب العمال الكردستاني (PKK) في ألمانيا، حيث وصفتهم الحركة بكونهم متطرفين إسلاميين، ومن ثم بدأت الحركة في مهاجمتها واعتراضها على سياسة ألمانيا في فتح أبوابها للاجئين المسلمين بعد أزمة اللاجئين في أوروبا، معللين ذلك بأن اللاجئين هم السبب الرئيسي لحالات عدم الاستقرار الأمني في أوروبا، كما أنهم سيشاركون في حركة أسلمة الغرب ونشر الإسلام في القارة، وهو ما تم تأسيس الحركة من أجل مناهضته ودرئه.
اكتسبت الحركة شعبية من الألمان في شهور قليلة تبعت تاريخ تأسيسها، فظهرت للساحة شعارات الحركة ومؤيديها في مظاهرات وتجمعات لهم اتخذت شكلًا أسبوعيًا من بعد تكوين الحركة، كُتب على الشعارات “حركة ضد التعصب الديني”، و”نحن ضد أي نوع من أنواع التطرف”، و”نحن معًا ضد العنف” وأخيرًا “ضد الحرب الدينية على الأرض الألمانية”.
لم تكن تلك هي الحركة الأولى المعادية للمسلمين في ألمانيا، فكانت الحركة الوطنية الاشتراكية السرية في ألمانيا هي الأكثر عنفًا تجاه المهاجرين المسلمين، فكانت هي المسؤولة عن عمليات القتل المستمرة للمهاجرين المسلمين ما بين عامي 2000- 2006، والتي كان معظم ضحاياها من المهاجرين الأتراك، كما كانت الحركة مسؤولة عن تفجيرات مدينة كولن في 2004، كما أعلنتها الحكومة الألمانية حركة إرهابية، على عكس حركة “الوطنيون الأوروبيون ضد أسلمة الغرب”، والتي مازلت تُعتبر حركة قومية.
تمّ اتهام الحكومة الألمانية وأجهزة الاستخبارات بانحيازها للحركات الوطنية ضد المسلمين وتجاهلها أدلة تربط منفذي العمليات الإرهابية بتلك الجماعات اليمينية المتطرفة، حيث كانت تلك الهجمات هي السبب في فقدان ثقة الحكومة وأجهزة الشرطة في مجتمعات المهاجرين في ألمانيا، والتي كانت السبب أيضًا في بداية تضييق الخناق عليهم في المعاملات الحياتية العادية، إلا أن الحكومة الألمانية استطاعت تضييق الخناق كذلك على الحركة الوطنية الاشتراكية السرية (NSU)، فبحسب صحيفة “دير شبيجل” الألمانية، فقد قامت الشرطة بالقبض على مجموعة منهم في العام الماضي، واتهمتهم بتهمة الشروع في أعمال إرهابية عنصرية ضد المهاجرين المسلمين، حيث تم إثبات التهمة عليهم بتخطيطهم لتفجير مسجد وبيت يخص مهاجرين مسلمين.
العلم الإسرائيلي في مظاهرات لحركة الوطنيين الأوربيين ضد أسلمة الغرب
في تقرير لصحيفة واشنطن بوست، يقول فيه نقاد الحكومة الألمانية بأنه من المثير للسخرية أن المجموعة الوحيدة التي استطاعت القتل في ألمانيا دون المساءلة القانونية أو التوقيف القضائي كانت مجموعة من مجموعات اليمين المتطرف، والتي استهدفت المسلمين في المقام الأول.
سجلت مدونات شخصية ومواقع خاصة للعديد من مؤيدي الحركات السابقة دعمًا واضحًا للوطنين الأوروبين ضد أسلمة الغرب، داعمين ذلك بقولهم بأن تأييدهم لتلك الحركة ليس من باب رهاب الإسلام، حيث لا يمكننا وصفه بإنه إسلاموفوبيا أو رهاب الإسلام حينما يحاول المسلمون قتلهم بالفعل بحسب قولهم، متابعين على بعض المدونات الشخصية بأن ما يحدث لا يمكن إدراجه تحت عبارة “أزمة اللاجئين” في أوروبا، بل هو جهاد المهاجرين في أوروبا، ولذلك هم يخرجون في مظاهرات لإيصال أصواتهم لآذان الحكومة الألمانية الصماء، ولقادة الاتحاد الأوروبي المروجين لذلك الجهاد.
هل تغض الحكومة الألمانية البصر عن إرهاب اليمين المتطرف؟
لم تتعامل الحكومة الألمانية مع جرائم العنف ضد اللاجئين أو المهاجرين المسلمين بتعريفها لتلك الجرائم على أنها جرائم إرهابية، كما أنها مازلت تميل نحو التعامل مع منفذيها قضائيًا على أنهم مختلون عقليًا، كما أن أعداد الضحايا التي تعلنها الشرطة الألمانية نتيجة لجرائم اليمين المتطرف لا يجب الوثوق بها، فأثبت تقرير لجريدة “دير شبيجل” الألمانية سابقًا، أن الحكومة لا تكشف عن الأعداد الحقيقية لضحايا جرائم اليمين المتطرف، حيث يتم التعامل معها تحت مسمى “القضايا الباردة”.
حرق أحد مراكز اللاجئين المسلمين في ألمانيا
اليمين المتطرف في ألمانيا شبكة واحدة من المتشددين ضد الإسلام
على الرغم من أن هجوم ميونخ في يوم الجمعة الماضي كان هجومًا فرديًا لأحد أفراد جماعة الأوروبيين الوطنيين ضد أسلمة الغرب، إلا أن تقارير الشرطة الألمانية والمخابرات تثبت أن اليمين المتطرف هو شبكة تضم الجماعات السابقة، وأن أعمالهم الإرهابية يتم تنسيقها بالاشتراك فيما بينهم، حيث استطاعت الشرطة مؤخرًا تعيين أفراد منهم كعملاء مزدوجين لمساعدة جهاز الشرطة في كشف أماكن تجمعاتهم وخططهم الإرهابية ضد المسلمين.
لم تأت جهود الشرطة بنفع كبير للاجئين والمهاجرين العرب منهم والمسلمين، حيث تم حرق أكثر من مائتي مركز للجوء في ألمانيا بحلول نهاية العام الماضي، كما زاد عدد مؤيدي الحركات القومية تلك وخرجت في مظاهرات اكتسحت ألمانيا لفترات متتالية، رافعة شعار واحد وهو “اوقفوا موجة اللاجئين إلى ألمانيا”.