ما يجري اليوم في تركيا هو صراع جذوره بالخارج وأياديه بالداخل، لأعتقادي أنه قد تضاربت المصالح الخارجية الاقتصادية منها فكانت السبب الأساسي لما يحدث اليوم في تركيا، ولو كانت الوسائل داخلية والأطراف الظاهرة جماعة إسلامية، ولكن في جذورها صراع مصالح دولية .
تركيا تشهد في السنوات العشرة الأخيرة طفرة اقتصادية ونجاحات محلية ودولية على جميع النواحي الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، واستطاعت تركيا أن تكون لاعباً أساسياً إقليمياً ودولياً، وأن تكون من الدول النادرة أن تخرج من بيت الطاعة وخاصة بعد سداد ديونها لصندوق النقد الدولي هذا العام واعتمادها على طاقاتها الذاتية، وأن تكون بحجم اقتصادها رقم 17 بين اقتصاديات الدول الكبرى في العالم، ووضعت هدف لها أن تكون بين العشر دول الأولى بالعالم إلى عام 2023 م، هذا ما جعل تركيا هدفاً لمن لا يروق لهم أن يروا ذلك .
فبدأت بعض القوى العالمية تتضايق من منافسة تركيا لها بعد أن كانوا منفردين بهذه المصالح بأنفسهم، وبدأت تركيا تنافسهم في ساحات اقتصادية التي هي أساس النفوذ العالمي، فبدأوا بوضع خطط لضرب هذا التقدم وتحيد تركيا عن هذه المصالح ، فكانت أحداث التقسيم الجزء الأول من هذا السيناريو وتم إحداث هزة قوية لدى حكومة العدالة والتنمية، استفادة من هذا الحادث بدروس كثيرة، وتبينت خطوط هذه الخطة واللاعبين الأساسيين والممولين لها، وتم تدارك نقاط الضعف التي اخترقتها هذه القوى .
تركيا اليوم على أبواب الانتخابات المحلية التي ستحدد مستوى أداء الأحزاب وهي المؤشر الأساسي لفوز الحزب بالانتخابات البرلمانية التي ستجرى العام القادم 2015 م، فبدأت هذه المصالح تتحرك لتقويض حزب العدالة والتنمية، لأنه الحزب الوحيد المؤهل للفوز بالانتخابات وعدم قدرة الأحزاب السياسية الأخرى التقدم بوجود حزب العدالة والتنمية القوي شعبياً، فكان لا بد من وضع خطة لإسقاط الحزب خارج صناديق الانتخابات كما حصل في مصر .
فجاءت الأحداث الحالية بصورة ضربة ضد الفساد باستخدام القضاء وجهاز الشرطة وبإحداث ضربة نوعية لمفاصل الدولة، المال، ورجال الدولة، والمؤسسات الاقتصادية الهامة والرئيسية التي تتمثل في أحد أهم بنوك تركيا “هلق بنك” الذي كان مفلساً في عام 2002 واستطاعت حكومة العدالة والتنمية أن تجعله من أهم البنوك المحلية والدولية وليكون أكبر مؤسسة جاذبة للاستثمار في بورصة اسطنبول ، فقامت الشرطة التركية بحملة ضد أشخاص يشتبه في تورطهم بعمليات فساد، طالت أبناء ثلاثة وزراء، ورجال أعمال بارزين، ورئيس إحدى بلديات إسطنبول، وموظفين حكوميين، فكان الهدف ضرب الاقتصاد التركية بخطة محكمة خارجية وبأيادي محلية من كوادر الدولة فوجدنا تركيا قد استأصلت “الدولة العميقة” لتظهر الآن على الساحة “الدولة الموازية” .
لا يُفهم من ذلك أن أحد في تركيا لا يريد النزاهة والقضاء على الفساد، وهذا واجب أجهزة الدولة استقصاء هذه الملفات وتقديم المتورطين فيها إلى القضاء لينال عقابه، ولكن أن يأتي بهذه التوقيت وقبل الأنتخابات بثلاث أشهر وجمع الملفات الثلاثة لإطلاقها في يوم واحد مع أنهم يجهزوا هذه الملفات من 14 شهر ولم يُعلموا بها رؤسائهم، هي نقاط تحتاج لتوقف وتحليل وهذا ما يثير الشبة حول هذه القضية.
تحدثت الصحف التركية عن اجتماع تم في السفارة الأمريكية بأنقرة يوم 17/12/2013 بين السفير الأمريكي وبين بعض سفراء الدول الأوربية تم مناقشة عدة أمور منها :
إجراءات لإعاقة قيام “خلق بنك” التركي بالتعامل مع ايران بشكل ينافي العقوبات الأميركية المطبقة عليها، وادعاءات أخرى بأنه قال “ستتابعون انهيار الإمبراطورية بعد اليوم”، وقد أعلن السفير الأميركي “فرانسيس ريكاردوني” أنه لا صلة لبلاده بالعمليات الجارية لمكافحة الفساد في تركيا، وعلق السفير، على ما تناقلته الصحف التركية حول ضلوع الولايات المتحدة الأميركية بالعملية نافياً على حسابه في موقع التواصل الاجتماعي توتير، الادعاءات التي نسبت إليه.
وقد رد رئيس الوزراء أردوغان على السفراء الأجانب بخاطبة أمام شعبه في مدينة “سمصون” فقال “على السفراء الأجانب الاهتمام بعملهم وعدم التدخل بأعمال أخرى لم تؤكل إليهم ، ووجهة حديثة للسفير الأمريكي بدون ذكر اسمه “أننا لسنا مجبرين بأن تكون بيننا أو إبقاءك في بلادنا “.
كما تحدثت الصحف التركية عن زيارة رئيس حزب الشعب الجمهوري “كمال كلج دار أوغلو” رئيس الحزب المعارض الأم إلى السفارة الأمريكية بأنقرة بمفرده مما أثار حول هذه الزيارة الشكوك .
وسأفرد مقالة خاصة عن قضية “هلق بنك” لأعتقادي أنه هو مربط الفرس بما يجري الآن من صراع مصالح في تركيا