يمتلك العراق في البصرة موانئ بحرية تجارية وصناعية تطل على الخليج العربي مثل أم قصر وخور الزبير وأبو الفلوس والمعقل، يتم عبر هذه الموانئ تصدير نفط العراق بنسبة 80%، وتعرف هذه المنطقة أنها رئة العراق الوحيدة على البحر وتعرف بالمناطق الحرجة ملاحيًا لتداخلها بين ثلاث دول هي الكويت والعراق وإيران حيث لم تربط بين هذه الدول اتفاقية مشتركة تنظم عمليات الاستفادة من موارد الجرف القاري حتى الآن على الأقل.
وبسبب تكدس الحاويات على طول الموانئ العراقية لعدم تمتعها بالسعة الكافية والقدرة الاستيعابية، فإن العراق فكر سابقًا ومليًا في بناء ميناء على الخليج العربي يفي بغرض الحاويات من كل المقاسات ويكون على أحدث طراز بحيث يغدو ميناءً تجاريًا ينافس الموانئ الأخرى المتواجدة في المنطقة، ويخرج العراق من عزلته الدولية التي غرق بها منذ سنوات طويلة بالإضافة إلى انتشال الاقتصاد العراقي من غياهب الركود الاقتصادي والشلل التام الحاصل في مختلف القطاعات الاقتصادية في البلاد.
مدينة الفاو الاقتصادية
يقع ذلك الميناء في منطقة الفاو أو شبه جزيرة الفاو جنوب محافظة البصرة عند مصب شط العرب في الخليج العربي، ويعد ميناء الفاو الكبير والذي من المنتظر أن يصبح من أكبر الموانئ في العالم وأكبر ميناء في الشرق الأوسط، وسيحول الفاو إلى مدينة عالمية تجارية اقتصادية ضخمة، ويسهم في خلق فرص عمل كثيرة، حيث من المتوقع أن يبلغ عدد العاملين في بناء الميناء نحو 300 ألف عامل.
سيتم في نهاية الشهر الجاري عقد ورشة عمل كبيرة بين الجهات المعنية الممثلة بوزارة النقل والمال ومجلس الوزارء وحكومة محافظة البصرة وهيئة الاستثمار وممثلين عن لجان البرلمان المختلفة وهيئة النقل والقطاع الخاص، لتحديد موعد نهائي لإعلان مشروع مدينة الفاو الاقتصادية.
علمًا أن الحكومة العراقية كانت قد طرحت المشروع في العام 2010 ووضعت حجر الأساس في أبريل/ نيسان من ذلك العام وقد قدرت تكلفة المشروع آنذك بـ 4.4 مليارات يورو، وقامت الحكومة العراقية بتمويل المراحل الأولى للمشروع على أن يتم تأسيس شركة محلية قابضة، واستلمت شركة دايو الكورية الجنوبية إنشاء كاسر الأمواج الغربي في موقع الميناء فيما قامت شركة أرشيرودون اليونانية بإنشاء كاسر الأمواج الشرقي وبعدها من المقرر المباشرة بحفر حوض الميناء وتعميق القناة الملاحية للميناء، ووصل الميناء لمراحل متقدمة ولكنه واجه العديد من المشاكل المالية التي أعاقت إكماله وأدت إلىتوقف العمل.
ميناء الفاو من المتووقع أن يصبح أكبر الموانئ في العالم وأكبر ميناء في الشرق الأوسط، وسيحول الفاو إلى مدينة عالمية تجارية اقتصادية ضخمة، ويسهم في خلق فرص عمل كثيرة
وقد عقد يوم أمس الأربعاء 27 يوليو/ تموز مؤتمر استثماري في البصرة لطرح ميناء الفاو الكبير للاستثمار أمام 31 شركة أجنبية ومحلية في مسعى للإسراع بافتتاح الميناء.
ويأتي إعلان طرح المشروع للاستثمار، إثر يأس حكومة البصرة من استكمال تنفيذ المشروع من قبل الحكومة المركزية في بغداد والذي بقي على طاولتها منذ العام 2005 وتم تأجيله مرات عديدة، فبحسب ما جاء على لسان رئيس مجلس محافظة البصرة خلال المؤتمر يوم أمس، فإن “ميناء الفاو الكبير تعطل إنجازه منذ 2009 وحتى الآن لأسباب نجهلها ولكن بعد اليوم لن نسكت على تعطيل المشروع الحيوي”.
ومن جملة الأسباب التي أدت لتأجيل المشروع وعدم إنهائه، عدم استقرار الأوضاع في العراق منذ احتلاله في العام 2003 بالإضافة إلى ما تبعه من انخفاض أسعار النفط وما فرضته من ضغوط على الميزانية العراقية التي تعتمد على 95% من إيرادات النفط والوضع السياسي غير المستقر والذي يشهد استقطابات حادة بين الفرقاء السياسين، وانشغال الحكومة بقتال الدولة الإسلامية مع عدم نسيان المصاريف الباهضة التي ترصدها الحكومة لميزانية الدفاع، كل هذه الأمور وغيرها شكلت حافزًا لحكومة البصرة لاتخاذ التدابير اللازمة لتعجيل إطلاق المشروع أفضل من المماطلة فيه أكثر.
لذا فقد تم عرض المشروع للاستثمار عبر عقد شراكة ثلاثي يجمع الحكومة والقطاع الخاص والمواطن، وستكون الإدارة المحلية كمراقب لآلية المفاوضات مع الشركات الاستثمارية للميناء كما ستكون خصمًا لكل شركة يثبت أنها تعمل على تعطيل إتمام المشروع.
وأوضحت التقارير الواردة أن أسهم المشروع المخصص للمواطنين سيتم طرحها لمدة شهر كامل في محافظة البصرة ومن ثم سيتم طرحها للاكتتاب في سوق بغداد المالي وبعدها سيحق لأي مستثمر عراقي أو عربي أو أجنبي الاستثمار في المشروع.
تم عرض مشروع مدينة الفاو الاقتصادية للاستثمار عبر عقد شراكة ثلاثي يجمع الحكومة والقطاع الخاص والمواطن
وفيما يخص الشركة التي ستستلم بناء البنية التحتية من الأرصفة فإنها ستلتزم وفق العقد المعروض بتأمين 85% من إجمالي الكلفة بحيث تدير المشروع لمدة 30- 40 سنة لاسترداد التكاليف من خلال الأرباح وبعدها تتخلى عن حصتها للحكومة العراقية، حيث من المتوقع أن يتم طرح 49% من أسهم المشروع لتمويله عن طرق الشركة المنفذة للمشروع.
المرحلة الأولى للمشروع سيتم فيها بناء ستة أرصفة، خمسة للحاويات ونقل البضائع علمًا أن المكان المخصص لبناء الميناء، يكفي لبناء 80 رصيفًا وسيكون بمقدور المشروع التعامل مع نحو مليوني حاوية سنويًا.
أهمية المشروع
المشروع كما سبق وذكر له أهمية استراتيجية على العراق، عبر تحريك عجلة الملاحة البحرية وستكون المدينة الصناعية في منطقة الفاو الأولى في الشرق الأوسط ومن المتوقع أن يكون للمشروع مردودات مالية كبيرة للعراق من خلال نقل وإيصال البضائع والنفط بشكل أسرع من أي وقت مضى كما ستبلغ طاقته الاستيعابية القصوى 99 مليون طن سنويًا ويهدف فضلاً عن تنشيط قطاع النقل في العراق إلى تنويع طرق الاستيراد والتصدير، وتوقع اقتصاديون أن يحقق الميناء للعراق منافع تقدر بنحو 15 مليار دينار شهريًا عند اكتمال المشروع وعمله بطاقته القصوى.
ومن المقرر إنشاء خط سكة حديد يربط منطقة الخليج عبر الأراضي العراقية بشمال أوروبا من خلال تركيا وهذا ما يضفي عليه أهمية عالمية على مستوى التجارة العالمية.
كما سيتم بناء مخازن للحبوب وأبراج وساحبات هوائية وأحزمة ناقلة عدد 2 و22 رافعة نمطية بطاقات مختلفة ومهابط للطائرات وفتح طرق دولية وإقامة معامل لمعالجة المياه ومحطات للوقود.
كما يعد المشروع حلقة وصل بين دول الخليج العربي التي تعتبر مستهلكًا رئيسيًا للبضائع الأجنبية، كما تعد حلقة وصل مع تركيا التي تعتبر مستهلكًا رئيسيًا للنفط وفي نفس الوقت المصدر الرئيسي للبضائع، لذا من المتوقع أن تصبح منطقة الفاو حلقة وصل تربط العديد من الأطراف مع بعضها.
مشاكل تعيق المشروع
هناك معوقات ومهددات عديدة للمشروع أبرزها:
من الناحية المحلية فإن الحالة المالية السيئة التي تمتع بها العراق في السنوات الماضية، فالعراق يعتمد في بناء ميزانيته على إيرادات النفط وبعد انخفاض أسعار النفط العالمية عمدت الحكومة إلى تخفيض نفقاتها في الكثير من المشاريع والدخول في سياسات تقشفية، ومن ناحية أخرى فإن القتال في العراق مع تنظيم الدولة الإسلامية قد استنزف كثيرًا من موارد العراق المالية التي تصرف كنفقات على الجيش.
- ميناء مبارك الكبير- الكويت
بحسب التصريحات الواردة على ألسنة المسؤولين العراقيين فإن ميناء الفاو سيمكن العراق من أن يكون الأول في المنطقة في مجال الموانئ، ومن دون ميناء الفاو لن يستطيع العراق أن يتموقع في المكانة الصحيحة في المنطقة مستقبلًا.
ويأتي الخطر الأول والأكبر من ميناء مبارك الكبير في الكويت الذي باشرت الكويت بناءه في العام 2010 بقيمة 1.1 مليار دولار قبالة السواحل العراقية على جزيرة بوبيان ومن المفترض أن ينتهي في العام 2016.
المشروع وكما اختارت الكويت تنفيذه، يقع على بعد كيلومترات قليلة من مشروع الفاو الكبير وتعد أحرج منطقة ملاحية في العالم، كونها تفرض واقعًا جغرافيًا سياسيًا على العراق من حيث إنها تغلق الرئة البحرية الوحيدة للعراق الذي لا يملك منفذًا بحريًا غيرها، وتحرم العراق من ارتباطاته البحرية مع البلدان الأخرى، فضلاً عن أن المشروع ينوي مد خطوط سكك حديدية باتجاه أم قصر الميناء العراقي ما سيؤدي إلى تبعات على تجارة العراق البرية.
علمًا أن دراسة جدوى المشروع أقرت أن ميناء مبارك سيعتمد على التجارة الكويتية العراقية بشكل كبير، إذ سيعتمد على الحركة التجارية العراقية بشكل كبير، من باب الاعتماد على الاستهلاك الذي تتركز أعلى نسبة له في العراق بنسبة 68%، ومن المتوقع أن 80% من السوق العراقية ستتحرك عبر ميناء مبارك الكبير في بوبيان لأن الموانئ العراقية لا تحمل سعة كبيرة للحاويات كما سيحمله ميناء مبارك.
المشروع بحسب التقاير الكثيرة التي وردت بشأنه أقرت بالأضرار الجسمية التي ستلحق بالاقتصاد العراقي بشكل مباشر، حيث ستصاب الموانئ العراقية الواقعة شمال خور عبد الله بالشلل التدريجي بعد تنفيذ المشروع، كما سيلحق امتدادت الميناء بتقليص مساحة الجرف القاري للعراق، وإنشاء السواتر الخرسانية في خور عبد الله سيلحق ضررًا جسيمًا بالثروة السمكية في المياه الإقليمية العراقية.
وكما تشير أحد التقارير فإن المشروع مدعوم من قبل الولايات المتحدة ويسهم في احتواء نفوذ إيران المتزايد على الكويت وإخماد مخاوف الكويت مما تعتبره تهديد الجار المستمر لاستقلالها.
فضلًا عن خطة لتحويل الكويت إلى مركز إقليمي، تطمح فيها الكويت أن تصبح منطقة أساسية للتجارة الحرة تربط آسيا بأوروبا من خلال بناء مدينة تبلغ قيمتها 90 مليار دولار وبناء سكك حديدية وشبكة مترو تخدم الميناء.
- قناة السويس
مشروع الفاو الكبير صُمم ليستوعب 99 مليون طن من الشحن سنويًا وليربط الخليج العربي بأوروبا بواسطة شبكة حديدية وهذا بدوره يعد تهديدًا كبيرًا على قناة السويس ودورها في المنطقة المتمثل في الشحن البحري ما بين آسيا وأقيانوسيا وأوروبا وصولًا إلى القارة الأمريكية، خصوصًا في ظل ما قامت وتقوم به الحكومة المصرية من تطوير لقناة السويس بحفر التفريعة الجديدة للسويس وتطوير الأرصفة البحرية بهدف توسيع مدخولات القناة.
- إيران
أظهرت إيران اهتمامًا بميناء الفاو الكبير وهذا ما يبرر الضوء الأخضر المعطى للحكومة العراقية لإنشاء الميناء ردًا على ميناء مبارك الكبير وكون الميناء يقع في منطقة قريبة من الحدود الإيرانية ولإتاحته تطوير فرص التجارة لإيران، حيث أعربت إيران في وقت سابق عن اهتمامها بربط السكك الحديدية الإيرانية بالقناة الجافة التي ستربط سكك الحديد العراقية بأوروبا مرورًا بتركيا وهي مرحلة من مراحل بناء المشروع الكبير.
- جبل علي – دبي
مشروع الفاو الكبير في العراق يهدد مكانة موانئ جبل علي في دبي الذي يعد أكبر ميناء في المنطقة العربية بما يؤمنه من نفاذ لأسواق محلية وإقلمية وعالمية فيها أكثر من ملياري شخص، والجدير بالذكر أن الميناء المتعدد وسائط النقل البحري والبري والجوي يلعب دورًا محوريًا في اقتصاد إمارة دبي بشكل خاص واقتصاد الإمارات العربية المتحدة بشكل عام، ويعتبر محوريًا كذلك لأكثر من 90 خدمة ملاحية أسبوعية تربط أكثر من 140 ميناءً في أنحاء العالم.
وقد شكلت الإمارات ثقلًا كبيرًا على مصر في فترات الحكم المختلفة من أيام مبارك إلى مرسي ومن ثم السيسي لعدم المساس بتطوير قناة السويس، لما تحمله من آثار سلبية على موقع جبل علي واقتصاد دبي، لذا فإنه من غير المستبعد أن تكون الإمارات ساهمت أيضًا بضغوط على الحكومة العراقية منذ إعلان المشروع في السنوات الماضية للقضاء على الفكرة أو لتأخيره كأضعف الإيمان.