ترجمة حفصة جودة
في العام الماضي، كان هناك قلقًا متزايدًا بشأن استراتيجية “المنع” الحكومية، وكان المقرِر الخاص للأمم المتحدة وجماعات حقوق الإنسان والمراجع الحكومي المستقل لقانون مكافحة الإرهاب، قد أبدوا مخاوفهم الجدية بهذا الشأن، وقد دعا النواب وزملاؤهم في اللجنة المشتركة لحقوق الإنسان إلى إجراء مراجعة مستقلة.
في الصيف الماضي، أصبحت سياسة الحكومة لمكافحة الإرهاب واجبًا قانونيًا في المدارس ودور الحضانة ومقدمي الرعاية للأطفال، فبعد بضع ساعات من التدريب، أصبح متوقعًا أن يستطيع مجموعة من العاملين في القطاع العام، التعرف على الأشخاص المشتبه في تطرفهم، ثم إحالتهم للبرنامج الحكومي لمكافحة التطرف “Channel”.
تزايد الجدل حول هذا البرنامج بعد قيام مجموعة من الأشخاص ممن يرسلون تقارير إلى البرنامح، بتبادل إطلاق النار، وفي شهر مارس تم الإبلاغ عن 4000 شخص – أي ثلاثة أضعاف العام الماضي – وإحالتهم إلى البرنامج، أي ما يقرب من 11 شخصًا يوميًا، بينما ذكر تقرير “التايمز” أنه تم إحالة 1041 طفلاً من خلال مدارسهم إلى البرنامج (في عام 2012 كانوا 9 أطفال فقط).
هناك ما يكفي من الأمثلة المثيرة للقلق تظهر لنا انتشار شبكة واسعة من الشك، فعلى سبيل المثال طفل في الرابعة من عمره يقول إن المعلمة هددته بالإبلاغ عنه لأنه يخطئ في تلفظ كلمة “خيار” فيقولها “قنبلة الطباخ”، بينما قال أحد الأطفال – 14 عامًا – إنه تم استجوابه لإجابته في حصة اللغة الفرنسية عن سؤال يتعلق ببيئة الإرهاب، كما تم استجواب أحد المراهقين بسبب نشاطه السياسي إزاء القضية الفلسطينية، وهناك ادعاءات بأنه تم استجواب صبي لارتدائه قميص مكتوب عليه اسم شخصية تاريخية مسلمة.
لقد تحدثت مع آباء وأمهات ونشطاء في المجتمع وأخبروني عن قصص أكثر إثارة للقلق، فهناك أطفال يتم استجوابهم بشأن تعليقات طائشة أو حضور صلاة الفجر أو ارتداء الحجاب وحتى مجرد وجود خيال نشط لبعضهم.
كان البرنامج قد حصل على سمعة سيئة، حتى قبل تطبيقه في المدارس، فمنذ البداية كانت هناك العديد من المخاوف لاعتباره أحد أشكال المراقبة الجماعية للمجتمعات الإسلامية (خاصة بعد تركيب 200 كاميرا في المناطق ذات الأغلبية المسلمة في برمنجهام)، كما تفضل أيضًا العديد من فئات المجتمع، عدم الإعلان عن تلقيها أموال من برنامج “المنع” بسبب وصمة العار الشديدة المرتبطة بذلك.
في الوقت نفسه، تتحفظ الحكومة في نشر معلومات عن تلك الاستراتيجية – بداية من كيفية قياس النجاح إلى ما الذي يحدث في تلك البيانات – مما يؤدي إلى زيادة الشكوك بشأن هذا البرنامج، ويتفق العديد من الناس وضباط الشرطة ونواب البرلمان على أن هذا البرنامج أصبح “مشبوهًا”.
أصبح هذا الشعور أكثر قوة بعد أن أصبح قانون “المنع” لا يهدف فقط إلى ردع الناس عن الأفكار المتطرفة، بل يهدف أيضًا إلى ردعهم عن التطرف غير العنيف، وهذا لا يعني فقط القلق بشأن تحول الناس إلى إرهابيين، لكنها تحاول أيضًا محاسبة الناس على أفكارهم التي يرونها “متطرفة”.
تعريف الحكومة لتلك الأفكار يبدو غامضًا بشدة، فهي تقصد بها كل ما يعارض “القيم البريطانية” وهو مصطلح غامض للغاية، فكما يقول هاريست هارمان في تقرير اللجنة الأخير، تعتمد سياسة الحكومة على فكرة أن هناك سُلمًا متحركًا يبدأ بالتزمت الديني وينتهي بدعم الجهاد العنيف، لكن هذه النظرية لم يتم إثباتها أبدًا، ويشير النقاد إلى أن الحكومة تقوم بتعريف أية آراء لا تتفق معها على أنها علامة على التطرف.
كما أعرب الاتحاد الوطني للمعلمين منذ فترة طويلة عن قلقه بشأن قانون “المنع”، حيث أدت ضرورة الإبلاغ إلى انتشار “ثقافة الشك” في المدارس، تقول كارون مكارثي ضابط منع ومدير مساعد في “Chobham Academy”:” يبدو أن بعض المعلمين متحمسين قليلًا ويشعرون بالخوف لاعتقادهم بأنهم إذا لم يقدموا تقريرًا ما، فإنهم بذلك يخالفون القانون”.
في الآونة الأخيرة أصبحت أشعر بالقلق إزاء حقيقة أن المعلمين – مهما كانوا عادلين ومهنيين – إلا أنهم ليسوا محصنين ضد الخطاب العام حول الإسلام، هذا الخطاب الذي يتزايد بشكل مخيف، فمن قبل كانت هناك محاولات مشبوهة لتشويه عمدة لندن صادق خان بسبب علاقته بإمام مسجد له أفكار متطرفة، حتى إنهم افتروا على هذا الإمام في البرلمان وقالوا إنه على علاقة بداعش، بالرغم من مهاجمته المستمرة لتلك الجماعة الإرهابية.
عندما يكون الحوار عن الإسلام والمسلمين سلبيًا للغاية؛ فإن تأثيره يدوم طويلًا، فكل شخص مسلم يتم اعتباره بأنه عرضة للتطرف دائمًا، ونتيجة لذلك أصبح الطلاب المسلمين أقل ارتياحًا في مناقشة القضايا المثيرة للجدل.
فقد جاء في تقرير “رايتس ووتش” بالمملكة المتحدة: “لقد أصبح الأطفال المسلمون يقومون بالرقابة الذاتية في جميع أنحاء المملكة خوفًا من الإبلاغ عنهم، ويبدو هذا الخوف مبررًا، فقد تم الكشف عن عديد من الحالات التي تم فيها الإبلاغ عن أطفال مارسوا حقهم المشروع في حرية التعبير في قضايا لا تشكل أي تهديد للمجتمع على الإطلاق، هذا الأمر قد يؤدي إلى إخفاء الأشخاص وجهات النظر المثيرة للقلق، لكنها ظاهرة سوف تتفشي وتنتشر في المجتمع”.
وبغض النظر عن الاستثناءات المرعبة، فمسلمو بريطانيا يرغبون في حماية بلدهم وشبابهم تمامًا مثل غير المسلمين (وهم لديهم استثناءات مرعبة أيضًا)، فقد أظهرت استطلاعات الرأي أنهم أكثر وطنية من بقية المجتمع ككل.
من الضروري أن تكون هناك استخبارات لمكافحة الإرهاب من داخل التجمعات المسلمة، وحتى يتم ذلك، ينبغي أن يشعر مسلمو بريطانيا بأنهم شركاء في الحفاظ على أمن البلاد، وليسوا أشخاصًا مشتبه بهم دائمًا.
المصدر: الغارديان