يمر الاقتصاد الجزائري بأزمة حادة بسبب انهيار أسعار النفط، المورد المالي الأساسي للبلاد، الأمر الذي دفع الحكومة إلى اعتماد سياسة التقشف للحد من تأثيرات هذه الأزمة التي أربكت ماليتها العامة.
ودفع الهبوط الحاد في الأسعار العالمية للنفط الخام الحكومة الجزائرية لخفض الإنفاق 9% خلال سنة 2016، على أن ترتفع نسبة الخفض على مدى السنوات القليلة المقبلة.
وسجلت الحكومة الجزائرية، عجزًا قياسيًا في الميزانية بنحو 16% من الناتج المحلي الإجمالي سنة 2015، فيما أكّد تقرير الوضع الاقتصادي والمالي للبلاد الصادر عن البنك المركزي الجزائري، مؤخرًا، أن الأمور غير مطمئنة على مستوى التوازنات الكبرى للاقتصاد.
وقدّر عجز الميزان التجاري في 2015 بنحو 13.7 مليار دولار، بسبب تراجع الإيرادات النفطية بنحو 40% لتبلغ 37.7 مليار دولار، بينما بلغ حجم الواردات 51.5 مليار دولار، بحسب بيانات رسمية.
تراجع حاد في الاحتياطي المالي للبلاد
وكانت احتياطاتها المالية سنة 2013 في حدود 194 مليار دولار وارتفعت في 2014 إلى 195 مليار دولار، قبل أن تنخفض في نهاية 2015 سنة إلى نحو 179 مليار دولار لتستقر في الربع الأول من 2016 عند 143 مليار دولار، لتنخفض مجددًا إلى 136 مليار دولار في الربع الثاني من العام الحالي، في انخفاض يعكس منحى تنازلي استنزافي لتلك الاحتياطات بفعل الصدمة النفطية وفي ظل غياب موارد بديلة للنفط تغطي جزءًا من تراجع الإيرادات.
ويؤكد خبراء وجود عجز في موارد صندوق ضبط الإيرادات، يبلغ 40 مليار دولار، وصندوق ضبط الإيرادت هو صندوق سيادي يتم تمويله من الفرق بين سعر النفط الحقيقي والسعر المرجعي، 37 دولارًا، الذي على أساسه يتم إعداد ميزانية الدولة، وتعتمد عليه الحكومة لتمويل العجز في الميزانية.
تراجع إيرادات الطاقة في الجزائر بنسبة 41% خلال السنة الماضية
وتقول الحكومة إن الناتج المحلي الإجمالي نما 3.9% سنة 2015 بعد أن كان متوقعًا أن يبلغ 4%.
ونزلت إيرادات الطاقة التي تشكل 95% من صادرات الجزائر العضو في منظمة أوبك و60% من موازنتها العامة بنسبة 41% إلى 35.72 مليار دولار في 2015.
الانطلاق في الخفض التدريجي للأجور
قلصت الحكومة الجزائرية المخصصات المالية السنوية للقطاعات الوزارية بـ 25%، وأمرت بالخفض التدريجي للعلاوات والمنح المرتبطة بالرواتب كمنحة المسؤولية ومنحة المردودية، كما طالت إجراءات التقشف تقليص إيفاد بعثات تكوينية إلى الخارج بمختلف القطاعات الوزارية.
وبدأت الجزائر تنفيذ القرار رسميًا بحرمان رؤساء البلديات ونوابهم وإطارات البلديات من منحة المسؤولية، فيما لم يتم صرف علاوة المردودية لبعض أعوان وزارة الصحة في عدة محافظات، بالموازاة مع اقتطاع المنحة نفسها من أجور عدد من عمال وزارة التربية التربية.
تقليص ميزانية الجامعات ومختلف المراكز التابعة لقطاع التعليم العالي إلى أقل من 25%.
وكشفت مصادر جزائرية مسؤولة عن تعليمات وجهت لجميع قطاعات الوظيفة العمومية تقضي بالشروع في تطبيق صارم لإجراءات التقشف، من خلال التخلي عن بعض المنح والتعويضات تدريجيًا.
فيما أشارت مصادر إعلامية عن صدور قرارات رسمية تلقتها دوائر وزارية مؤخرًا مثل وزارة التعليم العالي، تأمرها بتقليص ميزانية الجامعات ومختلف المراكز التابعة للقطاع إلى أقل من 25% مع منع عمال الإدارة من الاستفادة من التربصات والتكوين بالخارج.
من جهتها تراجعت رواتب موظفي قطاع الصحة الجزائري دون أن تقدم الإدارة أي تفسيرات أو حتى التزام بتسوية الوضعية، وما يزال مستخدمو بعض قطاعات الصحة في عدة محافظات في انتظار صرف منحة المردودية، بعد أن تم اقتطاعها من أجورهم منذ شهرين.
يبلغ متوسط راتب الجزائريين حوالي 400 دولار.
وكان الوزير الأول عبدالمالك سلال، وقبله وزير العمل محمد الغازي، قد وجها دعوة صريحة إلى جميع الراغبين في الاستفادة من التقاعد النسبي، للتعجيل في إيداع ملفاتهم قبل نهاية العام بعد أن أكدا بأن هذا النظام لا زال ساري المفعول إلى غاية نهاية السنة.
ويبلغ الحد الأدنى للأجور في الجزائر 18 ألف دينار أي ما يعادل 167 دولارًا، أما متوسط راتب الجزائريين فهو حوالي 400 دولار.
وعرف الجزائريون مطلع التسعينات قرارًا مماثلاً، حيث قرر رئيس الحكومة الجزائرية أحمد أويحيى العام 1994 الاقتطاع من رواتب عمال وموظفين من أجل تسديد رواتب عمال آخرين أعلنت المؤسسات التي كانوا يشتغلون بها الإفلاس.
جمدت الجزائر عدة مشروعات في البنية التحتية لتخفيف الضغوط المالية منذ أن بدأت أسعار النفط في التراجع في منتصف سنة2014.
إجراءات التقشف وصلت قطاع الدفاع المدني، فقد تراجعت الحكومة الجزائرية، عن فتح مسابقة توظيف لنحو 10 آلاف عنصر في قطاع الدفاع المدني، وجمدت صفقات ضخمة لاقتناء طائرات مروحية جديدة كان مخططًا لشرائها خلال الصيف الحالي لغرض استعمالها في عمليات الإطفاء والإنقاذ.
وأكّد المدير العام للدفاع المدني العقيد مصطفى لخضر لهبيري، في تصريحات صحافية، أن الحكومة حريصة جدًا على ترشيد النفقات في ظل الأزمة الاقتصادية الراهنة، وهو ما فرض تجميد التوظيف حتى عام 2019 مع عدم تنفيذ خطة اقتناء طائرات مروحية، وشاحنات إطفاء جديدة.
كما جمدت الجزائر عدة مشروعات في البنية التحتية لتخفيف الضغوط المالية منذ أن بدأت أسعار النفط في التراجع في منتصف سنة 2014.
نموذج جديد للنمو الاقتصادي
ومن المنتظر أن تطبق الجزائر “نموذجًا جديدًا للنمو الاقتصادي” في السنوات الأربع القادمة يركز على إصلاح النظام الضريبي لتحقيق مزيد من الإيرادات وتقليص الاعتماد على صادرات الطاقة.
ويستند النموذج الاقتصادي الجديد في الجزائر إلى سياسة ميزانية تم تجديدها وتعتمد على تحسين عائدات الجباية العادية بما يمكنها مع آفاق 2019 من تغطية نفقات التسيير إلى جانب نفقات التجهيز العمومي غير القابلة للتقليص”.
شدّد وزير الداخلية الجزائري على ضرورة تحصيل الضرائب لزيادة الإيرادات
ويهدف النموذج الجديد إلى تعزيز الاستثمارات في “القطاعات ذات القيمة المضافة العالية” مثل الصناعات الغذائية والطاقة المتجددة والخدمات والاقتصاد الرقمي والصناعة والتعدين وأنشطة المصب في قطاع النفط والغاز، وستعمل الجزائر على حشد الموارد الإضافية في السوق المالية المحلي بما في ذلك إصدار سندات الشركات.
وشدّد وزير الداخلية الجزائري على ضرورة تحصيل الضرائب لزيادة الإيرادات، معلنًا أن المصالح المختصة التابعة لوزارة الداخلية قدمت مقترحات بزيادة تسعة رسوم ضريبية جديدة في قانون المالية للعام 2017 وهي رسوم تصنف في خانة الضرائب المستعجلة، بحسب صحيفة “الشروق” المحلية.
وأوضح نورالدين بدوي أن إدراج الرسوم الضريبية الجديدة يأتي في إطار مخطط الحكومة الذي يرتكز بالدرجة الأولى على الجباية المحلية من خارج قطاع الطاقة.
صندوق النقد الدولي يحذر من خطورة الأزمة المالية
من جهته أصدر صندوق النقد الدولي في تقريره السنوي تحذيرًا من أن الجزائر باتت على شفير أزمة مالية حادّة وشيكة نتيجة تداعيات انهيار أسعار النفط ومضاعفات تراجع إيرادات البلاد.
وجاء في التقرير أن الجزائر مقبلة على أزمة خانقة ما لم تتغير السياسات المالية المتبعة حاليًا التي أدت إلى عجز متواصل في الاقتصاد الكلي وميزان المدفوعات والميزان التجاري، ولاحظ التقرير أن تراجع احتياطات الجزائر من النقد الأجنبي أصبح مصدر قلق، ودعا المسؤولون في الحكومة إلى تقليص حجم النفقات العامة، واتباع سياسة تقشفية صارمة.
وخلص تقرير الصندوق إلى أن الحكومة الجزائرية ستتوجه حتمًا إلى الاستدانة الخارجية بل توقع أن تتحول الجزائر إلى إحدى أكبر الدول المقترضة خلال الفترة الممتدة حتى سنة 2021.
وتصدر الجزائر، البلد العضو في منظمة الدول المصدرة للنفط أوبك، 1.16 مليون برميل من النفط يوميًا.
مخاوف من هزات اجتماعية محتملة
وحذر متابعون للشأن الجزائري من هزات اجتماعية محتملة قد تضرب البلاد نتيجة أزمة انهيار أسعار النفط، الأمر الذي دعا وزير الداخلية الجزائري نورالدين بدوي يوعز للولاة في مختلف محافظات البلاد بالعمل على الحفاظ على الأمن العام والاستقرار.
وبحسب تقارير صحفية جزائرية قال بدوي “الولاة مسؤولون عن استقرار وسكينة مختلف ربوع الوطن من خلال تفعيل عمل اللجان والاستجابة لكافة الطلبات المرفوعة وامتصاص انشغالات المواطن ووضعها على رأس الأولويات”.
ووفقا لتقرير أمني صدر حديثًا، فإن هزات شعبية محتملة ردًا على إجراءات التقشف الشديد التي تنتهجها الحكومة تتصدر قائمة من العوامل الموضوعية التي تضمنتها التقارير كأسباب رئيسية تثير مخاوف السلطات وبقوة، من احتمال أن تفقد الجزائر مجددًا حالة من الاستقرار الاجتماعي الهش.