شهد العام 2016 بزوغ وانتشار كبيرين لمفردة “نافريز” التي تطلق الآن على نطاق واسع بوسائل الإعلام الألمانية على مواطني “شمال إفريقيا” المهاجرين للبلاد، وأصلها ” نورد أفريكانر”، التي بدأ العمل بها من شرطة ولاية الراين الشمالي وستفاليا، التي أطلقتها على المشتبه بهم بارتكاب أكثر من 650 جناية سرقة واعتداء جنسي، على النساء المحتفلات بليلة رأس السنة الماضية، بالقرب من كاتدرائية كولون “الدوم” الشهيرة.
ويرى مراقبون ألمان أن المفردة الجديدة “نافريز” ستفوز بلقب أسوأ مفردة استخدمت في الإعلام 2016 ، مقارنة بمفردة “نيجرز” سيئة الصيت المستخدمة في وصف ذوي البشرة السمراء.
هجوم إعلامي وقلق أوروبي
مؤخرا بدأ الإعلام والشرطة الألمانيين، في تسليط الضوء على الجاليات المهاجرة واللاجئين من دول شمال أفريقيا، وتحديًدا المغرب والجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا، بعد تزايد الاعتداءات الإرهابية لمن تم وصفهم بـ”ذئاب داعش المنفردة” خلال الفترة الأخيرة في بلجيكا وباريس وألمانيا، والتي صاحبها ارتفاع كبير في عدد المحتجزين المتحدرين من أصول شمال إفريقية في السجون الأوروبية خاصة الألمانية.
زاد من قسوة الأمر هجمات بروكسل ونيس ببلجيكا وفرنسا، وقبل أن تهدأ موجة العنف بدأت سلسلة اعتداءات جديدة بالسلاح الأبيض في قطار قرب مدينة فورتسبورغ الجامعية بجنوب ألمانيا، تبعتها هجمات أخرى بعدن مدن أوروبية وأمريكية وآسيوية معظمها منسوبة لمهاجرين عرب.
شمال إفريقيا المتهم الأول
وتشير شرطة مدينة فرانكفورت إلى أن مرتكبي الجنايات المختلفة من طالبي اللجوء من شمال أفريقيا، شكلت معظم الجنايات المرتكبة من قبل طالبي اللجوء، ومن بين 30000 لاجئ متهم بارتكاب جنايات، شكل المتهمون من شمال أفريقيا 40 في المائة من مجموع المتهمين، على الرغم من أن نسبتهم لا تتعدى الـ1% من تعداد اللاجئين بالبلاد.
وتفيد تقارير الشرطة الألمانية إلى أن 40 في المائة من طالبي اللجوء من شمال إفريقيا، وقعوا في قبضة العدالة بتهم اللصوصية والاحتيال والاتجار بالمخدرات والاعتداء الجسدي، في العام 2015، غير أن عدد نزلاء السجون من الشمال من أبناء الجزائر والمغرب وتونس وليبيا وموريتانيا قد تضاعف خلال خمس سنوات، من 880 شخًصا في العام2011 إلى 2000 هذا العام، بل أن عدد نزلاء 36 سجنا في ولاية الراين الشمالي وستفاليا، التي تضم مدينة كولون، من حيث عدد السكان – من شمال أفريقيا، ارتفع من 3220 إلى 7620 خلال السنوات الخمس الماضية، و 16500 سجين في سجون الولاية، من مجموع 55 ألًفا، لا يحملون أوراقا ثبوتية، ويحتمل أن يكونوا مهاجرين من دول الشمال الإفريقي بدون هويات.
أزمة مستترة
هنا تبرز الأزمة بين الحكومة الألمانية والمهاجرين من شمال إفريقيا، حيث كشفت إحصاءات رسمية أوروبية عن أن هوية المعتدين وأسلوبهم الهجومي بألمانيا، وعدد من دول أوروبا، تعتمد بالأساس على الأجيال الصاعدة من أصول شمال إفريقية، وهم الأكثر استعدادا لتقبل الفكر القاتل، ويمنحها هذا الاستعداد عوامل عدة أبرزها ماضي أوروبا الدموي كقوة استعمارية في شمال إفريقيا، والتمييز العنصري داخل المجتمع الأوروبي كافة ضد أحفاد المهاجرين الذين جاؤوا إلى فرنسا من مستعمراتها السابقة، مع الفارق الشاسع في العادات والتقاليد بين مجتمعات إسلامية منغلقة، ومجتمعات ذات وجه علماني متحرر.
لا يمكن بحال من الأحوال إغفال حقيقة أن أعداد الجاليات الإسلامية بدول بريطانيا وفرنسا وألمانيا تحديدا، أكبر نسبياً من الدول الأوروبية الأخرى، خصوصا وأن الحذر الأمني الشديد الذي خلفته اعتداءات داعش الأخيرة، أدى إلى ظهور نوع جديد من الإرهاب يقوم بتنفيذه غالباً أشخاص يعرفون بالذئاب المنفردة، وينقسم هؤلاء بين من يمكن اعتبارهم مجندين من قبل التنظيمات الإرهابية عن بعد، وبين المتأثرين بشكل عام بالفكر المتطرف من دون إبداء أي ولاء لأي جماعة إرهابية بعينها، وهذا النوع من الأفراد يسهل بصورة أكبر استغلال وضعه وغسل دماغه، وتحويله إلى آلة قاتلة ضمن المحيط الذي يعيش فيه.
إحصاءات مرعبة
لإثبات وجهة النظر تلك، يمكننا ببساطة سرد عينة من اعتداءات المجندين عن بعد في أوروبا خلال الأعوام الخمس الماضية، والتي بدأت حينما هاجم البلجيكي من أصل مغربي نور الدين عمراني، في يناير 2011 ساحة سان لامبرت ببلجيكا بقنبلة وإطلاق نار عشوائي مخلفا 6 قتلى و125 جريحا، قبل أن ينتحر بإطلاق النار على نفسه، وفي 20 يناير 2014 هاجم برتران نزوهابونايو محطة للشرطة الفرنسية في مدينة تور صارخًا “الله اكبر”، وطعن 3 من عناصر الأمن قبل أن يقتل برصاص الشرطة، وبعد التحريات، أثبتت صفحته على “فايسبوك” أنه متأثر بتنظيم “داعش”، وفي 14 فبراير 2015 هاجم عمر عبدالحميد الحسين، مركزاً ثقافياً في العاصمة الدنماركية كوبنهاغن، كان يشارك فيه لارس فيكس، أحد أصحاب الرسوم التي سخرت من الرسول عليه الصلاة والسلام، وأدى الهجوم بإطلاق النار إلى مقتل 3 أشخاص وإصابة 5 بجروح، وكشفت التحقيقات عن أن الحسين أعلن عبر صفحته على “فايسبوك” قبل الهجوم بساعات، مبايعته زعيم “داعش” خليفة للمسلمين.
وفي 26 يونيو 2015، قام ياسين صالحي في ضاحية بالقرب من ليون في فرنسا بقطع رأس مديره في العمل، ثم تصور سيلفي إلى جانب رأس الضحية، وأرسلها إلى أحد معارفه المنتسبين إلى “داعش” في سوريا، كما حصلت حوادث طعن متفرقة في لندن وباريس وهانوفر، قام بها أفراد متأثرون بـ”داعش”، أو حاولوا السفر للانضمام إلى التنظيم ومنعهم ذويهم من ذلك.
وفي 13 يونيو الماضي قام حب الله العروسي بقتل شرطي فرنسي وزوجته بمنزلهما ، وأكد “داعش” أنه أحد جنوده الذي لبى النداء لقتل الكفار!!، وفي 14 يوليو الجاري قام الفرنسي التونسي محمد لاهوج بوهلال، بقيادة شاحنة ضخمة بشكل متعرج على كورنيش منتجع الإنجليز بمدينة نيس الفرنسية ليقتل 84 شخصا وجرح 303 آخرين قبل أن ترديه الشرطة بإطلاق النار، وفي 19 من نفس الشهر هاجم اللاجئ محمد رياض، ركاب قطار في فورزبورج في بافاريا، وأصاب 18 بجروح قبل أن يلقى حتفه برصاص الشرطة ، قبل أن يظهر فيديو له يعلن فيه ولاءه لـ”داعش”.
القادم أسوأ
الإحصاءات إذا كثيرة ومقلقلة للأوربيون، والقادم أسوأ، مالم تظهر في الأفق استراتيجية جديدة للتعامل مع اللاجئين العرب والمنتمين لشمال إفريقيا بشكل خاص .. فهل ننتظر دماء بيضاء جديدة على الأراضي الشقراء؟