أيًا كان مَن سيُنتخب يوم 8 نوفمبر القادم، سيكون رئيسًا يميل إلى الحرب منذ اليوم الأول، مع السلطة والاستقلالية لتنفيذ البرامج المزعزعة للاستقرار، وهجمات الطائرات بدون طيار، وغارات العمليات الخاصة وتعميق التدخلات العسكرية. اليوم، يجري نشر القوات القتالية بشكل روتيني من قِبل المتحدثين التنفيذيين، كما أنَّ قرارات دعم الحروب الجوية المفتوحة في دول مثل اليمن عن طريق “شركاء” مثل المملكة العربية السعودية سيتم الإعلان عنها عبر مؤتمر صحفي، وجلسات استماع الكونغرس تتلخص في مطالبة المشرّعين مع القادة بالمزيد من القوات وقواعد الاشتباك المرنة.
الكثير من هذه الأمور ربما تناسب هيلاري كلينتون.
على عكس دونالد ترامب الذي لديه مواقف متغيّرة وخطط “سريّة” مزعومة لهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية، كلينتون لديها سجل حافل على أساسه يمكن للمرء أن يقيّم مواقفها المحتملة. باستخدام أي مقياس منطقي، يمكننا وصف كلينتون بأنها من الصقور أو المتشددين. على الرغم من أنها عارضت استخدام القوة التي تعتقد أنها كانت فكرة سيئة، إلّا أنها أيّدت باستمرار بدء حروب جديدة وتوسيع حروب أخرى.
فيما يلي نستعرض أبرز سبع حالات كان عليها أن تقرر ما إذا كانت تدعم استخدام القوة العسكرية الأمريكية أم لا:
هايتي
في عام 1994، عارضت هيلاري كلينتون التدخل في هايتي لإعادة حكومة جان برتران أريستيد. يحكي المؤرخ تايلور برانش في مذكراته عن المقابلات التي أجراها مع بيل كلينتون: “سألته ما هو رأي هيلاري، فقال إنَّ الاندفاع بتهور للغزو كان جنونًا بالنسبة لها. وردًا على الضغط، وعدم وجود خيارات كافية، وإحساسه بأنه محاصر، قالت هيلاري إنَّ زوجها تضرر بشدة من فريقه المختص بالسياسة الخارجية.” وكان هذا تصريح ذكي من قِبل السيدة الأولى آنذاك، نظرًا لأنَّ الخيارات التي وضعتها القيادة الأمريكية الجنوبية وهيئة الأركان المشتركة كانت سيئة، ومن المستحيل تنفيذها لوجستيًا. ولكن لحسن الحظ، تمّ تفادي الغزو من قوات مكّونة من 25 ألف جندي بعد توسط جيمي كارتر والتوصل إلى اتفاق في اللحظة الأخيرة مع راؤول سيدراس الذي أكّد أنه سيتنحى عن السلطة.
العراق
في عام 2002، بصفتها أحد أعضاء مجلس الشيوخ عن ولاية نيويورك، صوّتت هيلاري كلينتون لاستخدام القوة العسكرية في العراق. وفي بيان لها، ادّعت أنَّ الهدف من ذلك هو ضمان أنَّ الرئيس جورج دبليو بوش كان “في وضع أقوى لقيادة بلادنا في الأمم المتحدة أو في الحروب” وإظهار أنَّ البلاد كان موحدة. وبعد أن دافعت عن التصويت، غيّرت موقفها في وقت لاحق، وقالت “أعتقد أنه كان مجرد تصويت لوضع المفتشين هناك مرة أخرى. وكان قائمًا على أساس الحقائق والتأكيدات التي كانت لدي في ذلك الوقت،” وبالتالي “كان من الخطأ أن أثق في بوش. “كما بررت كلينتون تصويتها عام 2002 على أنه مجرد تصويت من أجل امتثال مقنع، وأعلنت في المناظرة الرئاسية في يناير عام 2008: ” أنا أؤمن بالدبلوماسية القسرية.” وبغض النظر عن الأسباب أو الأعذار وراء تصويتها، كانت حرب العراق والسياسة الخارجية كارثة جيوسياسية.
باكستان
في عاميّ 2007 و2008، اختلفت هيلاري كلينتون بقوة مع السيناتور باراك أوباما بشأن ضرب أهداف تنظيم القاعدة داخل باكستان. وصف أوباما مثل هذه الهجمات بأنها “منطقية” إذا كانت هناك “معلومات استخباراتية.” وأشارت كلينتون إلى ضربات صاروخ كروز عام 1998 في أفغانستان التي فشلت في قتل أسامة بن لادن وحذّرت من أنّه “علينا أن نكون على وعي تام بكل العواقب” ولا سيما تلك التي من شأنها زعزعة استقرار الترسانة النووية الباكستانية. استمر أوباما في تأييد شنّ 407 غارة جوية عن طريق الطائرات بدون طيار في باكستان، مما أسفر عن مقتل 3089 شخصًا. حدثت نحو 300 غارة في حين كانت كلينتون وزيرة للخارجية، وفي ذلك الوقت عارض الدبلوماسيون الأمريكيون غارة واحدة فقط أو اثنتين. تردد كلينتون بشأن الهجوم على المتشددين في باكستان اختفى بمجرد تعيينها وزيرة للخارجية الأمريكية.
أفغانستان
في عام 2009، دعمت هيلاري كلينتون زيادة القوات الأمريكية في أفغانستان. عندما طلب الجنرال ستانلي ماكريستال، قائد القوات الأمريكية في أفغانستان، أربعة ألوية من القوات الأمريكية الإضافية في صيف عام 2009، أقرّت كلينتون نشر ثلاثة منهم (ما يعادل تقريبًا 30 ألف جندي). وأفادت بعض التقارير في ذلك الوقت أنَّ “كلينتون عادة ما كانت تفضّل إرسال المزيد من القوات على عكس موقف وزير الدفاع روبرت جيتس.” وفي النهاية، أمر أوباما بنشر 33000 جندي إضافي. من الصعب تحديد أي مكاسب سياسية أو أمنية دائمة في أفغانستان نتجت عن هذه الزيادة في القوات الأمريكية. وعلاوة على ذلك، أكثر من ثلاثة أرباع الخسائر في القوات الأمريكية في هذا البلد منذ أحداث 11/9 قُتلوا أو أصيبوا في السنوات الأربع بعد أن بدأت زيادة القوات.
ليبيا
في عام 2011، كانت هيلاري كلينتون من أشد المؤيدين لتغيير النظام في ليبيا (كما كان ترامب). اليوم، ينسى الكثيرون أنَّ المبرر الأساسي الذي طرحته كلينتون للدور العسكري الأمريكي في ليبيا كان لرد دين الحلفاء لما فعلوه في أفغانستان. وكما ذكرت في أواخر مارس 2011: “لقد طلبنا من حلفائنا في الناتو الذهاب إلى أفغانستان معنا منذ عشر سنوات. لقد كانوا هناك، والكثير منهم كان هناك على الرغم من أنهم لم يتعرضوا للهجوم. … وعندما يتعلق الأمر بليبيا، بدأنا نسمع ردود أفعال من المملكة المتحدة، وفرنسا، وإيطاليا، وغيرهم من حلفائنا في الناتو. لقد كان هذا يصب في مصالحهم الوطنية.” تُظهر الأبحاث الأكاديمية أنَّ القوى العظمى تتمتع بحرية العمل لتجنب الوقوع والانخراط في الحروب التي تنطوي على حلفاء، لكن التدخل في ليبيا لتغيير النظام كان، للأسف، قرارًا دعمته إدارة أوباما على الرغم من تضليل الشعب الأمريكي في الوقت الذي لم يكن هناك أي هدف. وقد تمّ وصف أوباما بأنّه لا يخطط لسيناريو ما بعد الحرب وأنَّ التدخل في ليبيا ان “أسوأ خطأ” ارتكبه، لكنه وصف ليبيا بأنها “فوضى”.
أسامة بن لادن
في عام 2011، أعربت هيلاري كلينتون عن تأييدها للغارة الأمريكية في أبوت أباد، باكستان، التي قُتل فيها أسامة بن لادن، حتى مع الاعتراف أنّها من المرجح أن تسمّم العلاقات الدبلوماسية مع باكستان لفترة قصيرة. وفقًا لنائب الرئيس الأمريكي جو بايدن -الذي عارض ذلك – كان كل مسؤول آخر (بما في ذلك كلينتون) بنسبة “51-49” يدعمون هذا الهجوم. قبل إعلان الخبر، دعا أوباما بيل كلينتون (الذي، كرئيسي سابق، وقّع ثلاث مذكرات سريّة تجيز قتل بن لادن) ليخبره أنَّ زعيم تنظيم القاعدة مات أخيرًا. “، أعتقد أنَّ هيلاري أخبرتك” هكذا قال أوباما لكلينتون. وفي وقت لاحق كتبت هيلاري كلينتون في مذكراتها: “لقد قالوا لي لا تخبري أحدًا، لذلك لم أخبر أي شخص.” وبعدها مازحني بيل قائلًا: “لا أحد يشك في أنكِ قادرة على الحفاظ على الأسرار!”
سوريا
في عام 2012، اقترحت هيلاري كلينتون على البيت الأبيض – جنبًا إلى جنب مع مدير وكالة المخابرات المركزية ديفيد بترايوس – برنامجًا سريًا لتوفير الأسلحة إلى الجماعات المتمردة في سوريا التي تحارب بشار الأسد. عارض أوباما هذا الاقتراح على أساس أنه لن يكون هناك أي ضمانات بشأن مصير تلك الأسلحة وأنَّ محللي وكالة المخابرات المركزية حدّدوا أنهم لن يكونوا قادرين على تسريع إزالة الأسد من السلطة. لذلك، من الصعب تقييم فعّالية برامج التدريب والتسليح التي تقودها وكالة المخابرات المركزية، مقارنة بجهود أكبر تقودها وزارة الدفاع، ولكن لم يعد هناك أي مجموعة من المجموعات المتمردة المدعومة من الولايات المتحدة التي تهدد وجود حكومة الأسد المدعومة من القوة الجوية الروسية.
خارج تلك التدخلات المحددة، دعمت كلينتون استخدام القوة كوزيرة للخارجية. ويصف مراسل صحيفة نيويورك تايمز مارك لاندر النقاش الذي حدث في يوليو 2010 بالبيت الأبيض حول تحويل مسار حاملة الطائرات “يو إس إس “جورج واشنطن من مسارها الطبيعي في البحر الاصفر. في ذلك الوقت، اتفق الأدميرال روبرت ويلارد قائد القيادة الأمريكية في المحيط الهادئ، والأدميرال مايك مولن، رئيس هيئة الأركان المشتركة، ووزير الدفاع روبرت غيتس، على هذه المناورة العدوانية. “أيّدت كلينتون هذه المناورة بشدة. وقالت لمساعديها قبل بضعة أيام: “يجب أن نهاجم بقوة”. لكن أوباما رفض هذا الطلب، وأعلن: “أنا أرفض تغيير مسار حاملات الطائرات”. الجدير بالذكر هنا هو أنَّ تحديد العدوانية التي تجري بها الولايات المتحدة عمليات الملاحة في المياه البحرية التي تطالب بها الصين سيكون من ضمن قرارات الرئيس القادم.
كانت لدى هيلاري كلينتون اتصال استثنائي بالجيش من الوظائف المدنية المتعددة، مما قد يجعلها على استعداد للعمل كقائد عام أكثر مما كان زوجها في عام 1993، عندما كان يجد صعوبة بالغة في قيادة الجيش. وكسيدة أولى، كانت كلينتون تتعرض بشكل روتيني لمناقشات التدخل العسكري بين كبار المسؤولين، بشأن هايتي، والبوسنة، وأفغانستان، كما عملت لمدة ست سنوات في لجنة الخدمات المسلّحة في مجلس الشيوخ وأربع سنوات كوزيرة للخارجية. وبالإضافة إلى ذلك، طوّرت كلينتون علاقات وثيقة مع ضباط الجيش المتقاعدين مثل الجنرال جاك كين، الذي نادرًا ما رأي دولة لا يمكن تحسينها من خلال القوات البرية الأمريكية والغارات الجوية. كما كتب بوب وودوارد عن لقاء في عام 2009 بين هيلاري وكين لمناقشة زيادة القوات الأمريكية في أفغانستان: “استقبلت كلينتون كين بعناق قوي، الأمر الذي أذهل مبعوث الولايات المتحدة في أفغانستان وباكستان ريتشارد هولبروك؛ لأنّه يعلم أنَّ هيلاري نادرًا ما تعانق أي شخص بهذا الشكل.”
لقد تحدثت عن كلينتون مع حفنة من الضباط العسكريين الذين خدموا في إسلام أباد وكابول، وشاركوا بشكل روتيني في المؤتمرات معها كوزيرة للخارجية. وجميعًا وصفوها بأنها كانت المشاركة الأفضل استعدادًا في كل الاجتماعات وكانت تقرأ جميع المذكرات والتقارير التي يتم إرسالها كمادة تحضيرية. وأضافوا أنَّ كلينتون لديها فهم دقيق للعقيدة العسكرية، ومختصرات وزارة الدفاع الأمريكية، ومبادئ التخطيط العسكري ولم تكن خائفة من الضغط على كبار القادة لتوضيح “مسارات العمل” و”الهدف النهائي” المقصود من أي تدخل عسكري.
في حال فوز هيلاري كلينتون بالبيت الأبيض، فإنَّ الولايات المتحدة، المنخرطة في الحروب منذ 15 عامًا، ستكون تحت قيادة رئيسة لديها وعي عميق بالأمور العسكرية. وبطبيعة الحال من المستحيل أن نعرف ما هي الأزمات الأمنية الوطنية التي ستضطر إلى مواجهتها. ولكن أولئك الذين يصوّتون لها يجب أن يعرفوا أنها ستتناول هذه الأزمات مع سجل حافل بكونها من أشد المؤيدين للتدخلات العسكرية الأمريكية وتوسيعها.
المصدر: فورين بوليسي – ترجمة إيوان 24