ترجمة من الفرنسية نون بوست
بعد إعلان تنظيم الدولة تبنيه لهجومي نيس وأنسباخ ، اللذان ارتكبهما شخصان يشتبه في إصابتهما بأمراض نفسية، فهل يمكن الحديث عن تحول جديد “للتوجه الجهادي”؟ هذا ما سيجيب عنه، الأستاذ في المعهد الجامعي الأوروبي بفلورونس ومؤلف كتب: “الإسلام المعولم” و”الجهل المقدس” و”البحث عن المشرق الضائع” وكتاب “الجهاد والموت” الذي سينشر قريبا، محدثنا هو “أوليفييه روا”.
- بالنظر إلى نتائج التحقيق الحالية، هل يمكن اعتبار منفذ هجوم نيس جهاديا؟
أنا مثل جميع الأطراف التي تنتظر نتائج تحقيقات الشرطة. وقد قيل لنا في البداية، إن ما وقع هو حادثة منعزلة، صدرت عن شخص يعاني من اضطرابات نفسية وعقلية. ثم نفيت هذه المعلومات وأوردت السلطات المعنية، خاصة بعد أن أعلن التنظيم الدولة مسؤوليته عن هذه العملية، أن تحضيرات وإعدادات واتصالات قد سبقت الهجوم.
تندرج حادثة نيس حسب قراءتي في ما يسمى بـ”أسلمة التطرف”
إلا أني أرى أن مرتكب هذا الفعل الإجرامي هو في الحقيقة يجمع بين هاتين الخاصيتين. فكما ينفذ التنظيم عمليات مدروسة ومخطط لها جيدا، يمكن أن تصدر عنه عمليات منفردة، نظرا لقدرة خطابه على استقطاب عديد الأشخاص بجنسيات ودوافع مختلفة.
- ألا تعتبر أن التبني المتأخر لتنظيم الدولة لهجوم “نيس”، الذي ارتكبه شخص لا يملك أي صفة من صفات “جنود الخلافة” (فهو بعيد كل البعد عن الإسلام، ولا يربطه أي اتصال بسوريا أو العراق …)، ولهجوم “أنسباخ” ذو طابع انتهازي؟ بعبارة أخرى، هل يمكن قراءة هذه الهجمات على أنها دليل على ضعف يشهده التنظيم أم على أنها استعراض لنوع جديد من النفوذ؟
بالنسبة لي أرى أنها دليل ضعف وقوة في الوقت ذاته. إن ما يحدث اليوم مع تنظيم الدولة حدث سابقا مع تنظيم القاعدة، الذي يخطط لضربات تنفذها قوات خاصة مدربة بشكل جيد. إلا أنه يشرف أيضا على عمليات فردية ومنعزلة كما كنت قد أشرت سابقا.
إن المشكلة لا تكمن في عدد موالي تنظيم الدولة أو القاعدة، وإنما في زيادة نسبة المتطرفين، خاصة في صفوف الفئة الشبابية، الذين ربما لم يعلنوا ولاءهم لأي منظمة إرهابية إلا أن أفعالهم يكون لها وقع وصدى رهيب.
ربما كان منفذ هجوم أورلاندو سيهاجم على أية حال ملهى ليلي للمثليين الجنسيين، ولكنه نسب تصرفه لتنظيم الدولة للتأكد من أن ما قام به سيهز العالم ويتصدر اهتمامات الإعلام والمحللين السياسيين. ولكن إذا تناولنا الأمر من وجهة نظر هذه المنظمة الإرهابية، فسنجد أن ما وقع يدل على إتباع التنظيم إستراتيجية جديدة، يهدف من خلالها إلى تأصيل خطاب ينادي بـ”التطرف العنيف”، خطاب قادر على استقطاب فئات مختلفة؛ من نشطاء سياسيين إلى انتحاريين.
- هل يمكن ربط هجمات أورلاندو، نيس وأنسباخ بالخسائر الميدانية التي تكبدها التنظيم خاصة في كل من العراق وسوريا؟
هذا أمر مؤكد. إن تنظيم الدولة لم يتبن إلى حد الآن سوى العمليات التي قام بتنظيمها. ولكن من هنا فصاعدا من الوارد جدا أن يقوم بإعلان مسؤوليته عن أي حدث دموي في أي مكان في العالم. هذا لا يعني أنه لم يكن هناك أي اتصال بينه وبين إرهابيي أورلاندو أو نيس. فهذه المنظمة الإرهابية لا توفت أي فرصة لاستعراض عضلاتها وإثبات قدراتها الهجومية، إلى حد أنها صارت تضرب بطريقة عشوائية تماما، خلافا لتنظيم القاعدة الذي يختار عادة أهدافا رمزية.
لن تتخلص من تنظيم الدولة في غضون الأشهر الست القادمة لأن هذا يتطلب إرسال عشرات الآلاف من القوات البرية إلى الميدان
ولا ترمي هذه الإستراتيجية الجديدة إلى تحريض المسلمين، في جميع أنحاء العالم، على خلق “حرب حضارية”، كما يظن “جيل كيبيل”، الباحث الفرنسي المختص في دراسة ظاهرة التطرف، وإنما إلى إجبار الغرب على وقف ضرباته التي تسبب له أضرارا.
نحن نشهد، اليوم تقلصا بطيئا لمناطق نفوذ التنظيم في سوريا والعراق ساهمت فيه جهات متعددة بدوافع مختلفة مثل الأكراد والشيعة ونظام بشار الأسد . إذ أن التنظيم يخسر يوميا عناصر من جنوده وضباطه، وبالتالي فهو يعطي الأولوية لوقف العمليات العسكرية الموجهة ضده.
- إذن، كان الرئيس الفرنسي “فرانسوا هولاند” على حق حين أعلن، فور انتهاء هجوم نيس، تكثيف ضرباته على معاقل التنظيم في سوريا و العراق؟
لا أظن ذلك، لأن هذا سيسهم في تواصل التصعيد دون البحث عن حلول عملية للتصدي لعمليات مماثلة. نحن لا زلنا على مستوى ردود الفعل الحينية، دون أن نتجه حقا إلى تحليل ودراسة موازين القوى بشكل معمق.
لن تتخلص من تنظيم الدولة في غضون الأشهر الست القادمة لأن هذا يتطلب إرسال عشرات الآلاف من القوات البرية إلى الميدان. وعلاوة على ذلك، فإن القضاء على معاقل التنظيم في سوريا والعراق لن ينهي تطرف الشباب المتأثر بالفكر الجهادي الذي لا يفكر في الانضمام إلى أي عمل عسكري أو القتال في صفوف التنظيم. لذلك ينبغي أن نبدأ بالتخلي عن الطريقة الخاطئة الذي تعاملت بها الحكومة مع السلفية منذ فترة طويلة. فالجهاديين لا يأتون بالضرورة من المساجد السلفية.
- ما الذي يجب فعله إذن؟
إن المرور إلى حرب عسكرية على الميدان سيعطي الفرصة للتنظيم ليظهر أنه على حق كما سيمكنه من تصدير رؤيته المروعة لحرب دينية بين “الصليبيين” والمسلمين. لذلك إضافة إلى الحلول العسكرية يجب البحث عن حلول سياسية. وهو ما فهمه “أوباما” عندما أعاد إدخال إيران في اللعبة، أما نحن فقد أضعنا وقتا كثيرا لنتمكن من استيعاب ذلك. ويجب أن نستنتج هنا أننا بحاجة إلى إيجاد خطط سياسية فعالة وليس إلى تصدر قائمة الدول التي توجه ضربات عسكرية إلى هذا التنظيم.
ومن ناحية أخرى، وتحديدا بخصوص موضوع التطرف الديني و”الفكر الانتحاري”، لا يجب أن ننفي أن الدولة حققت تقدما واضحا في المجال ألاستخباراتي. لذلك أعتقد أن الخلايا المنظمة التي تعمل على تزويد التنظيم بالأسلحة ستسقط قريبا.
ولكن ستكون هناك هجمات أخرى مماثلة ستتواصل إلى أن ينتهي استقطاب هذه المنظمة لتابعين جدد، إما تحت تأثير الاشمئزاز أو الروتين. لكنني لا أرى كيف يمكن أن نتجنب عمليات جديدة صادرة عن أشخاص مصابين بأمراض نفسية، مثل الشاب السوري الذي فجر نفسه في مهرجان الموسيقى في” أنسباخ”، والذي تصدر طليعة اهتمام أطراف عديدة وأعطى لوفاته معنى وضجة في آن واحد.
- هل يعود اختلاف ردود أفعال المسؤولين الألمان والمسؤولين الفرنسيين فقط إلى أن ألمانيا كانت أقل تضررا من ضربات تنظيم الدولة؟
إن ألمانيا لم تشهد عمليات قتل جماعي كتلك التي عاشت على وقعها فرنسا سنتي 2015 و 2016. ولكن تحليل جيل كيبيل، الباحث الفرنسي المختص في دراسة ظاهرة التطرف، الذي يتبنى فكرة أن ثورة الضواحي ليس لها أية علاقة بالهجمات الإرهابية في ألمانيا، والذي أتبناه أن لا علاقة لها بالعمليات الإرهابية بفرنسا.
إن الأتراك والألمان لم يحركوا ساكنا لأنهم ليسوا معنيين بالإرهاب، ما عدى بعض الحالات الاستثنائية. لذلك يشعرون بالخوف من ارتباط ثورة اجتماعية بتفشي نظرية “أسلمة المجتمع” التي تهز الجميع هنا.
- لم يستهدف التنظيم فرنسا بهذه الطريقة؟
أعتبر أن التواجد المفرط للأشخاص الناطقين بالفرنسية بين الجهاديين يمثل عاملا حاسما لهذا الاستهداف. ولا يعود هذا إلى تأثير معاناتهم من العلمانية الفرنسية، لأن معظمهم لم يعرفوا بالتزامهم الديني قبل أن يصبحوا جهاديين. ولكن سببه هو أن المجال “الفرنكوفوني” يعرف مشكلة كبرى تتعلق بابتعاده عن أسسه الحضارية وهويته الثقافية، سواء كان ذلك في فرنسا أو بلجيكا أو حتى في شمال أفريقيا.
إن فقدان الهوية الثقافية، الذي ينشأ ويتطور حين لا يتكلم الأشخاص لغة أجدادهم وحين تصبح علاقة الدين بالثقافة سطحية ولا تتسم بأي عمق، يخص أساسا المتحدثين باللغتين الفرنسية والروسية الذين يمثلون أغلبية التابعين لتنظيم الدولة في سوريا.
ربما كان منفذ هجوم أورلاندو سيهاجم على أية حال ملهى ليلي للمثليين الجنسيين، ولكنه نسب تصرفه لتنظيم الدولة للتأكد من أن ما قام به سيهز العالم ويتصدر اهتمامات الإعلام والمحللين السياسيين.
وفي بلجيكا، أغلب الملتحقين بالجهاد في سوريا هم من الذين يتكلمون اللغة الفرنسية كما أن أغلب الجهاديين البرتغاليين هم من الأنغوليين. فعندما يلتقي هاجس الخوف من ممارسة الإسلام ومنعه ثقافيا فإن الهاجس يتحول إلى “إرهاب”.
- هل يمكن الحديث عن مفهوم “التطرف السريع”؟
لطالما قلت بأن التطرف يرسخ قبل المرور إلى الفعل الإرهابي ويسبقه بأشهر أو بسنوات. ولكن تجدر ملاحظة أن الشخص الذي يتبنى الفكر الجهادي، لأي سبب من الأسباب الشخصية، (سواء كان ذلك بفعل ثورة داخلية أو اضطراب في الشخصية )، يخطط لهجومه وينفذه في فترة قصيرة. ولم يتم الحديث في السابق عن استقطاب أو”دمغجة” بطيئة. فالتحول إلى “جهادي” يصير في وقت وجيز جدا.
- أفرز الجدل بين علماء المسلمين، حول الإرهاب، مفاهيم جديدة مثل “تطرف الإسلام”و “الأسلمة الراديكالية ” أو حتى “الجنون الجهادي”، فأي تسمية يمكن أن تطلق على الهجوم في نيس؟
تندرج حادثة نيس حسب قراءتي في ما يسمى بـ”أسلمة التطرف”. ولكن يجب الحذر من أن يتحول هذا هجوم إلى بداية سلسلة من الهجمات الأخرى. كما أن الجهاديين لديهم ملامح مختلفة. وقد كنت كتبت أن المجندين ينتمون أساسا إلى الجيل الثاني. ولا يوجد شك في وجود رغبة جدية لتنظيم الدولة في نشر التطرف بملامحه المختلفة كي يظهر نفسه في صورة الراعي والمشرف على هذا التوجه الفكري.
- لماذا يمثل الجهاد الملجأ الأولي الحاضن لحالات الإحباط والغضب والعنف ومؤخرا لحالات الجنون في عصرنا؟
في الحقيقة هذا ليس صحيحا تماما. فاليسار المتطرف تموقع في مستوى دفاعي وقطع مع فكره ونظرياته الأممية، لذلك ظهر تنظيم الدولة بمثابة الحركة العالمية الوحيدة الشاملة. ذلك أن هذه المنظمة تتميز بقدرة هائلة على الاستقطاب، خاصة في ظل “العولمة”. وعلاوة على ذلك، يبدو أن تنظيم الدولة قد فهم ثقافة الشباب واستطاع أن يستغل موضوع “معاناة الأمة المسلمة” لمصلحته، وذلك باستعمال خطاب قريب من الفئة الشبابية، مكنه من استقطاب حتى الأطفال المهاجرين.
المصدر: صحيفة ميديا بار