في أجواء تشبه كثيرًا أجواء عقد أول قرض لمصر مع صندوق النقد في السبعينات من القرن الماضي، تحل على أرض مصر، بدعوة من الحكومة المصرية، بعثة جديدة لصندوق النقد الدولي، للبدء في جولة مفاوضات جديدة ابتداءَ من غد السبت 30 يوليو ولمدة أسبوعين، وتستهدف تلك المفاوضات – حسب ما هو معلن – مناقشة السياسات التي يمكن أن تساعد مصر في مواجهة تحدياتها الاقتصادية، ومساعدتها على استعادة الاستقرار الاقتصادي، ودعمها في تحقيق نمو قوي ومستدام وغني بفرص العمل.
وذلك عبر البدء في برنامج مالي للتعاون مع الصندوق على مدى الثلاث سنوات القادمة لتوفير التمويل اللازم لسد الفجوة التمويلية التي يعانى منها الاقتصاد المصري (يقدره بعض المسؤولين ما بين 8-14 مليار دولار بما فيهم القروض التي ستعقد مع البنك الدولي وبنك التنمية الإفريقي، في شكل قروض وودائع بشروط ميسرة من مجموعة من الشركاء الثنائيين والشركاء متعددي الأطراف)، وبما يحقق الاستقرار في الأسواق المالية والنقدية، ويساعد في تحقيق معدلات النمو المستهدفة، حسب تصريحات الحكومة والصندوق، فهل فعلاً يمكن تحقيق ما جاء في هذه التصريحات؟
في هذا المقال نراجع تاريخ الدول الفقيرة مع صندوق النقد، ومن ضمنها تجربة مصر، ونتابع شروط القرض الجديد واستخداماته المتوقعة حسب الحكومة، ومدى نفعها للمواطن المصري، لنخلص إلى بعض الشروط التي يجب أن نضعها في الحسبان، إن أردنا لاقتصادنا تعافيًا حقيقيًا، ولمواردنا حفظًا، ولإنساننا حياة كريمة.
عقيدة صندوق النقد والبنك الدوليين الاقتصادية
يؤمن خبراء صندوق النقد والبنك الدوليين، إيمانًا لا يرتد، بأن الثراء يتساقط من أعلى إلى أسفل، عبر تحرير السوق ودعم الأغنياء، فهم لا يعتبرون السوق مجرد وسيلة لتوزيع السلع والخدمات، بل هي الطريقة الوحيدة لتنظيم المجتمع، وهي السبيل الوحيد إلى التنمية، ومن ثم النمو الاقتصادي والقضاء على الفقر، ويرفضون أي تدخل من الدولة لإعادة توزيع الدخل.
لذا، فهم يتبنون مجموعة من السياسات، التي يجب اتباعها لتحقيق النمو الاقتصادي، تتمثل في:
الانضباط المالي – استخدام النفقات العامة لدعم كل من النمو المرتفع وإعادة توزيع الدخل – خصخصة الشركات التابعة للدولة – تحرير أسعار الفائدة وأسعار الصرف والتجارة والاستثمارات الأجنبية المباشرة – إزالة الحواجز أمام المنافسة الحرة – الإصلاح الضريبي بمعدلات هامشية أقل وقاعدة ضريبية عريضة – تأمين حقوق الملكية.
فبدلاً من خلق فرص عمل أفضل، أو فرض ضرائب على الأغنياء، أو التضحية بجزء من النمو لصالح التوزيع العادل للثروة، انحازوا إلى زيادة دخول الأغنياء الذين بدورهم سيقومون بخلق فرص عمل للفقراء، وهو الأمر الذي انتهى بكارثة الفقر التي تخيم على أغلبية بلدان العالم.
الحصاد المر
يشهد السجل التاريخي لتجارب البلدان المختلفة في إفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية، بل وبعض بلدان أوروبا، بفشل سياسات الإصلاح الاقتصادي والمواءمة الهيكلية التي اقترحتها المؤسستان لإصلاح أحوال الاقتصاد في بلدان عدة في هذه القارات، بل ظهر لكل ذي عينين نتائجها الكارثية على مقدرات البشر وموارد هذه البلدان التي قامت بتطبيقها، وظهر ذلك جليًا في ازدياد معدلات الفقراء، وتدني معدلات النمو الاقتصادي، حتى أعلنت أغلب الدول التي اتبعت وصفات هاتين المؤسستين إفلاسها أو كادت (راجع تجارب روسيا يلستين والمكسيك والبرازيل وكينيا واليونان وغيرها)
حتى لا ننسى
كان القرض الأول لمصر من الصندوق في 17 يناير 1977م، حيث أعلن رئيس المجموعة الاقتصادية – وقتها – عبد المنعم القيسوني، قيام الحكومة باتخاذ مجموعة من القرارات الاقتصادية ”الضرورية والحاسمة”، والتي نتج عنها زيادة بعض السلع بنسبة تقترب من 50%، وقد ترتب على هذه الزيادات خروج الشعب ثائرًا غاضبًا، في انتفاضة 18 و19 يناير الشهيرة.
وكان القرض الثاني لمصر من صندوق النقد الدولي أثناء حكم حسني مبارك، في عام 1991م ، وهو القرض الذي فرض على مصر اتباع سياسة الخصخصة وبيع القطاع العام، وتخفيض قيمة العملة، وتقليص الدعم على السلع الأساسية، وسياسة تخفيض العمالة، وتشجيع القطاع الخاص ليقود التنمية، وتقليل تدخل الدولة في النشاط الإنتاجي لأقل مستوى ممكن.
وهي الشروط التي ظلت تتفاعل في مصر لمدة تقارب العشرين عامًا حتى قامت ثورة 25 يناير 2011م، بعد بيع معظم القطاع العام بثمن بخس، وتشريد عشرات الآلاف من العمال المصريين، وغلق آلاف المصانع، وصعود طبقة طفيلية لقمة الهرم الاجتماعي عبر تحالفها مع قمة الفساد السياسي في البلاد، وزيادة تساقط ملايين المصريين تحت خط الفقر بعد أن عضها الجوع، ونهش جسد كل مصري الفساد، وباتت مصر في ذيل قائمة الدول في معظم المجالات، ماعدا الفساد والفقر والمرض حيث تتربع مصر على مقعد الصدارة منذ بدأت في اتباع وصفات الصندوق والبنك الدوليين.
فحكومتنا ومجلس نوابنا يهملان جهلاً أو عمدًا، ما نكبت به بلدان إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية التي تبنت هذه البرامج من نكبات وكوارث بشرية واقتصادية، ويبدو أنه لا يكفي ما ضاع من وقت وجهد وموارد منذ توقيع أول اتفاق مع المؤسستين الاستعماريتين، ويبدو أن النظام الحالي يسعى بكفاءة يحسد عليها لتضييع مقدرات البلاد في القرن الجديد أيضًا وليضيع هو أيضًا بضياعها.
خمس سنوات من الجري وراء السراب
بعد ثورة يناير 2011م، كان من الطبيعي أن تتغير نظرة حكوماتنا للاقتصاد المصري، ومن ثم الابتعاد نهائيًا عن وصفات صندوق الدين والخراب هذا، لتتبني البلاد سياسات اقتصادية تنموية تكفل للاقتصاد المصري تعافيًا حقيقيًا، يثمر معدلات تنمية فعلية، تغير من حالة البؤس والشقاء الذي يعيش فيه الإنسان المصري.
لكن ما حدث كان عكس المطلوب تمامًا، حيث استمرت محاولة الهروب للأمام التي اتبعتها حكومات ما بعد مبارك، حيث لهث الجميع: المجلس العسكري، ثم تبعه الإخوان، وحكومة الببلاوي في عهد عدلي منصور وراء قرض من الصندوق يعالجون به مشكلات الاقتصاد المستعصية، مدعين أن للقرض فوائد عديدة بدءًا من توفير التمويل الأجنبي للمشروعات، وخفض عجز الموازنة، وليس انتهاءً بالحصول على شهادة صلاحية بجدارة اقتصادنا لاستقبال الاستثمارات الأجنبية، وكأن الجدارة لا تكون إلا بالاستدانة، ولكن ذهبت محاولاتهم أدراج الرياح لأن الصندوق لا يعطي دولارًا قبل أن يضمن أن يعود لسادته دولارين، وفي ظل ظروف التردي الأمني وعدم حسم ميزان القوة لجهة محددة في البلاد – ساعتها – لم يكن للصندوق أن يعطي مصر دولارًا واحدًا.
وعلى نفس الخطى، سارت حكومتي السيسي برئاسة محلب، ثم شريف إسماعيل، والتي نجحت بعد محاولات شديدة من التكتم على المفاوضات مع المؤسسة الدولية – وبعد اطمئنان الدائنين لاستقرار حكم السيسي وتلبية حكومته ومجلس نوابه لكل شروط الدائنين ولمصالحهم المؤكدة في استمرار الأوضاع الحالية في مصر التي هي أنسب الظروف لتحقيق مآربهم الاقتصادية والسياسية في البلاد – أبدى الصندوق موافقته على بدء التفاوض على القرض الجديد، فى محاولة على ما يبدو لاحتواء أزمة العملة الطاحنة ونقص السيولة الدولارية التي دفعت العملة الأمريكية فوق مستوى 13 جنيهًا لأول مرة فى التاريخ فى تعاملات السوق الموازية، كأحد الحلول لدعم الموازنة وتوفير غطاء دولاري لدعم الاحتياطي النقدي، وتمويل برنامج الحكومة ومساندتها حتى لا تدخل في نفق مظلم في نهايته شعب غاضب.
ما هي شروط القروض الجديدة؟
تمثل إصلاحات المالية العامة، حجر الزاوية للبرنامج الذي قدمته مصر لصندوق النقد الدولي، حيث تخطط الحكومة لـ:
– تقوية إدارة الدين، وضبط سوق الدولار، وتعويم سعر الصرف، حتى تضمن تأمينًا كاملاً لسداد مديونيات البلاد القديمة والحديثة في مواعيدها وبفوائدها، وهذه أهم شروط أي قرض، وباقي الشروط تصب في اتجاهه.
– إصلاح دعم الطاقة وتحرير الطاقة، واستهداف الدعم للفئات المستضعفة، والحفاظ على السلع الأساسية وتوفيرها بأسعار الاعتمادات للسلع، وهو يعني ببساطة زيادة أسعار الطاقة وباقي خدمات الحكومة، مع ضمان الدائنين لاستمرار تدفق السلع المدعومة للفقراء بأسعار ثابتة ضمانًا لاستمرار الحكومة والنظام، لا لتحقيق حياة كريمة للمصريين.
– رفع الإيرادات المحلية من خلال إصلاح النظام الضريبي، عن طريق رفع تصاعدي لضريبة الدخل وتوسيع قاعدة الضرائب العامة على المبيعات بحيث تصبح ضريبة شاملة للقيمة المضافة، وهو ما يحمل الفقراء والطبقة الوسطى عبئًا لن يقدروا على الصمود تحت وطأته طويلاً.
– الحد من تضخم الأجور، وهو يعني إصدار قانون الخدمة المدنية، والتخلص من العمالة الزائدة بالحكومة والشركات التابعة لها، ووقف أي تعيينات جديدة.
– تشجيع القطاع الخاص، وتعزيز بيئة أنشطة الأعمال من خلال حزمة من الإصلاحات تستهدف تقليص الإجراءات الروتينية، وتقليل الحواجز أمام دخول السوق، والتشجيع على المنافسة، وهي كلها إجراءات سبق وقام بها مبارك فلم يتحقق نمو ولا تنمية، اللهم إلا نمو طبقة أغنياء الفساد.
– طرح سندات دولارية يتم الانتهاء منها في أكتوبر المقبل، ونعيد سيرة سندات مبارك الدولارية والتي حملت البلاد فوائد لا قبل للبلاد بها.
– طرح مشروعات، وطرح شركات في البورصة، وواضح لكل مصري كيف أدت سياسة الخصخصة التي انتهجها مبارك وأعوانه في ضياع ثلثي القطاع المصري بثمن بخس لصالح حفنة من الفاسدين الذين باتوا من أغنى أغنياء بلادنا في سنوات معدودة، ويبدو أن حكومة السيسي الحالية تنوي أن تجهز على ما تبقى للمصريين من أصول.
ماذا سنفعل بهذه المليارات؟
تدعي الحكومة أن هذا الاقتراض يمثل فوائد عديدة منها أنها عندما تحصل على هذه المليارات من الدولارات، فإنها ستكون قادرة على تمويل المشروعات مثل الطرق والبنية التحتية الخاصة بالعاصمة الإدارية الجديدة، وزيادة الاحتياطي النقدي الأجنبي بالبنك المركزي، وأنها سترد هذا القرض بأقساط على مدار 28 عامًا، وفترة سماح خمس سنوات.
وستكون ساعتها قادرة على جذب الاستثمار، وتحقيق الاستقرار الاقتصادي، وتوفير تمويل بفوائد بسيطة تساعد البلاد على النهوض من كبوتها وسط ما تعانيه من انخفاض في الاحتياطي النقدي وتراجع مواردها من السياحة ونقص الاستثمار الخارجي.
فالحكومة، لا تنظر للقرض باعتباره دعم مادي بفائدة ضئيلة على مدة زمنية طويلة وفترة سماح فقط، بل تنظر إليه باعتباره شهادة ثقة من هذه المؤسسة الدولية، مما ستؤثر على التقييم العالمي لمصر وبرنامجها الاقتصادي الحالي، وسيؤدي إلى تحسين المناخ الاستثماري بمصر، وعمل برامج قومية أكبر، وهذا هو أهم إنجاز، كما تدعي الحكومة ووزراؤها.
استراتيجية خنق النمو
لكن، الحقيقة المؤلمة تقول غير ذلك، فقد حصلت مصر على أضعاف هذا القرض خلال السنوات الخمس الماضية – وخصوصا في السنوات الثلاث الماضية من بعد 30 يونيو 2013م -، ولم يحدث ما تقوله الحكومة، فلا المالية العامة استقر حالها وانخفض عجزها، ولا النمو زاد ولا تحققت تنمية حقيقية يشعر بها المواطن المصري، ومازالت عملة البلاد تهوى إلى القاع شهرًا بعد الآخر، وآلاف المصانع مغلقة، والبطالة في ازدياد، وتزداد الحياة صعوبة كل يوم على الأسر المصرية من جراء الارتفاع الجنوني للأسعار، ولم تفلح أي حكومة في تحقيق إنجاز واحد في ظل ما جاء من عشرات المليارات خلال هذه الفترة.
فكيف ستستطيع حكومة شريف إسماعيل ببضعة مليارات جديدة أن تحقق كل ما سبق، خاصة أن الحكومة والصندوق يضعان العربة أمام الحصان فيما يتعلق بحل مشكلة الاقتصاد المصري، فالطبيعي أن تستأنف عملية التنمية ويبدأ المجتمع في العمل، وتتحرك المصانع وتبدأ المزارع في الإنتاج، حتى يمكن البدء في إجراءات تحقيق الاستقرار المالي ومعالجة عجز الموازنة، أما أن يبدأ الأمر من الموازنة وعجزها، وتقليل المعروض من النقود عبر رفع الفوائد في البنوك، وتحرير أسعار صرف العملة وأسعار السلع والخدمات، فهو عين الانتحار الاقتصادي لأنه لا يؤدي إلا لخنق أي أمل في التنمية الحقيقية التي هي مفتاح الخروج من أزمتنا الاقتصادية، فهذا الأمر لم يكن صحيحًا أمس ولا اليوم ولا غدًا أبدًا ولن يكون.
لا أمل في هذا النظام بشكله الحالي
في اعتقادي، إن أي اتفاق مع هاتين المؤسستين في الوقت الحالي، وبالشروط المعروضة، هو في حقيقة الأمر إعادة استعمار حقيقية لبلادنا، لصالح الرأسمالية المتوحشة وحلفائها في الداخل، وهذا النظام السياسي بتصرفاته الحالية، أبعد ما يكون عن تحقيق مصالح المصريين الذين خرجوا وانتخبوه رئيسًا وبرلمانًا.
وهذه الحكومة بما تقدم عليه اليوم من توقيع اتفاق بهذا الشكل مع صندوق النقد، ترتكب جريمة حقيقية في حق المصريين ومستقبلهم واقتصادهم، وهي غير مؤتمنة على حكم البلاد، وإذا أقر مجلس النواب هذا القرض بتلك الشروط، فإنهما يضعان أقوى مسمار في نعش هذا النظام الذي لم يتعلم شيئًا من سابقيه الذين مازالوا أحياء بين أيدينا، ويبدو كما حكى القرآن أن الآيات والنذر لا تغني عن قوم لا يعقلون ولا يسمعون ولا يصلحون ولا يحبون الناصحين.
ما الذي يحتاجه الاقتصاد المصري؟
صحيح، أن حاجة مصر لتمويل مشروعاتها الضخمة التي تسعى لإنجازها في خطواتها للتنمية، في الوقت الراهن، تمثل تحديًا كبيرًا يجاوز طاقاتها، ولذا فإن التمويل يبقى مثار للأزمة دائمًا، إلا أن السعي للاقتراض من صندوق النقد بالشروط السابقة أعلاه يزيد الأمر تعقيدًا، ويلقي الاقتصاد في هاوية تبعية مقيتة ويهدد حياة غالب المصريين ومستقبلهم عبر إجراءاته التقشفية الفاشلة التي ما طبقت في اقتصاد إلا وتركته جثة هامدة.
إن مصر اليوم تحتاج إلى وضع سياسة لإعادة انطلاق التنمية، ورفض برامج المواءمة الهيكلية التي يعمل بها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في رؤيتهما للإصلاح (الإفساد) الاقتصادي.
ما العمل؟
إدارة الاقتصاد لا تعني مجرد تحقيق النمو الاقتصادي، أو إنجاز استقرار اقتصادي كلي، على حساب التنمية الاقتصادية والإنسانية المستدامة، لا، ولكنه أداة لتحقيق الحياة الكريمة لعموم المواطنين، الذين اختاروا تلك الحكومة لتلبية احتياجاتهم وتأمين حياتهم، فدور الحكومات أن تتيح لكل إنسان فرصة عادلة لكي يتقدم في الحياة، لا أن تراكم عليه ديونًا وتغلق أمامه أبواب العمل والأمل، ثم تطالبه بضرائب ورسوم لقاء معيشته على تراب بلده، لذا، فإن حل مشكلة الاقتصاد المصري تستلزم نوعين من التحرك هما:
- أولاً: الإصلاح السياسي
وهو متعلق بوجود نظام ديموقراطي يخضع لقيم العدل والمساواة والحرية، ويخضع للمعايير العالمية للحوكمة والشفافية، ويتم فيه فصل المال عن السياسة، وإعادة الحكم للشعب، وإصلاح التعليم والإعلام والاهتمام بالصحة والأخلاق.
- ثانيًا: إصلاح الاقتصاد
وهو يتعلق بإعادة توزيع الدخول بين رأس المال والعمل، وأن تعكس السياسة العامة الهم الإنساني الأساسي، بدلاً من الاهتمام بالنمو فقط، فإصلاح الاقتصاد يتطلب خطط لإعادة توزيع الدخول، وسياسات لرفع المستوى المعيشي للشعب، وتيسير سبل العمل والاستثمار، وترشيد الإنفاق الحكومي، وغلق منافذ الفساد بكل أنواعه في أجهزة الدولة.
ومن هنا لن يكون الطريق لأي إصلاح اقتصادي حقيقي للاقتصاد، إلا عبر مشاركة أبناء الشعب في العملية السياسية بكل قوة، واختيار العناصر الكفؤة الأمينة القادرة على التصدي لمهام التنمية بجد وإخلاص، فالسلبية السياسية، هي التي تنتج القيادة الرديئة، وتلك تأتي معها بالخراب والفقر وصندوق الدين وبنكه، لذا، فالسياسة هي أرض المعركة الحقيقية التي ينبغي النضال عليها إن أردنا لاقتصادنا نهوضًا.
ولذلك، سنظل نكرر مع كل المخلصين، أن مشكلة مصر الحقيقية تتخلص في كلمتين: المشاركة والقيادة.
وقد آن للمصريين جميعًا مؤيدين ورافضين لهذا النظام، أن يسمعوا لصوت العقل، ويقروا بحقيقة خطأنا جميعًا في التنازع المقيت والصراع الصفري، وطريقتنا الخاطئة في إدارة العمل السياسي بعد ثورة يناير، ويبدأوا جميعًا في السعي الجاد لتحقيق هذين الأمرين، عبر الانخراط الكامل الواعي في العملية السياسية، والمشاركة الجادة في الحياة السياسية، والاختيارات الصحيحة للقيادات القادرة على تخليص مصر من أزمتها التي طالت واستحكمت.
وحتى يتحقق ذلك ستظل مقولة السيد المسيح عليه السلام، تنطبق تمامًا على حال اقتصادنا: من له سيعطي ويزاد (الدائنون الخارجيون وأغنياء الفساد والاستبداد الداخليون من رجال المال والسلطة ومن يسايرهم)، وأما من ليس له، فالذي عنده سيؤخذ منه (أي عموم الشعب المصري).