“السيسي تمكن من دفع الدولار من 13 جنيهًا إلى 10:50 جنيهًا وذلك خلال اجتماع واحد، ولو قرر السيسي مواجهة الدولار احتمال سعر الجنيه يصل إلى 10 دولارات” هكذا قال الإعلامي تامر أمين، فهل يتكلم عن أزمة الدولار في مصر حقًا؟ أم أنه يتحدث عن دولة أخرى؟ أم أن تامر أمين لا يعيش في مصر أصلاً؟
كل هذه الأسئلة من الطبيعي أن تتبادر إلى ذهنك عندما تشاهد هذا الفيديو، وبالمناسبة هذا الفيديو خارج نطاق المنطق والواقع، فحتى لو تراجع الدولار اليوم إلى 4 جنيهات لن يلبس أيام حتى يعود إلى مستوى 12 و13 جنيهًا للدولار، وهذا الأمر بات طبيعيًا بفعل الظروف الاقتصادية العصيبة التي تعيشها البلاد.
بالطبع لا يتكلم أمين عن أزمة الدولار التي تعيشها مصر وربما فعلاً يقصد دولة لا نعيش بها، بل إنه يتحدث عن وضع من نسج خياله الذي يبدو أنه خيال واسع جدًا، فالدولار لم يتراجع على أرض الواقع بل إن التراجع الذي سجله كان نظريًا فقط، لأن السوق شبه متوقف إما بسبب الحملات الأمنية أو ترقبًا لقرارات جديدة من المركزي، وهذا ليست نظرة تشاؤمية للوضع ولكن هي نظرة واقعية بعض الشيء، حيث يقولون إذا عُرف السبب بطل العجب، وإذا عُرف الداء سهل الدواء، ولا شك أن كل المصريين باتوا الآن يدركون تمامًا أسباب الأزمة والتي يمكن تلخصيها في سبب واحد وهو تراجع مصادر الدولار في مصر.
ولكن متى يستطيع السيسي حقًا كسر شوكة الدولار؟ هذا فعلاً هو السؤال الذي يجب أن يجيب عليه أمين وباقي الإعلاميين الذين احتفوا بتراجع الدولار في السوق السواء التي باتت تمثل الواقع وبات السوق الرسمي هو الذي يستحق وصفه بالأسود لأنه غير حقيقي أو لا وجود له أصلاً على أرض الواقع.
كما ذكرت إذا عرف الداء سهل الدواء، والداء هنا هو الانتكاسة في مصادر العملة الصعبة في مصر وأبرزها: “السياحة – إيرادات قناة السويس – الصادرات – تحويلات المصريين العاملين في الخارج”، والدواء هو إعادة هذه المصادر لمسارها الطبيعي ومحاولة إنعاشها، وبالنظر إلى وضع هذه المصادر نجد أن سقوط الجنيه إلى 13 جنيهًا للدولار أمر منطقي جدًا، ولنضرب مثالاً بالسياحة والصادرات لندرك مدى الخلل الحاصل في مصادر مصر الدولارية.
السياحة
قطاع السياحة من أهم مصادر الدخل القومي ولكن في الآونة الأخيرة سقط سقوطًا مدويًا، حيث قال الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر مؤخرًا، إن عدد السياح الوافدين إلى مصر، خلال شهر يونيو الماضي، تراجع بنسبة 59.9%، على أساس سنوي، حيث بلغ 328.6 ألف سـائح، وبالنظر إلى عدد السياح الوافدين إلى مصر في نفس الشهر بالأعوام السابقة نجد:
إذًا في الواقع تراجع عدد السياح بأكثر من 200% خلال 6 سنوات، وفي حال عادت السياحة إلى مسارها الطبيعي التي سجلتها في يونيو 2010 وقتها سنقول أن أزمة الدولار بدأت في الانتهاء.
قناة السويس
كان من المفترض أن تكون قناة السويس قد عوضت خسائر باقي قطاعات الاقتصاد القومي وخاصة بعد مشروع تفريعة قناة السويس الجديدة، ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فبحسب البنك المركزي المصري فإن رسوم مرور السفن عبر قناة السويس، تراجعت بما يقارب 210 مليون دولار خلال النصف الأول من العام المالي الماضي 2015-2016، لتحقق ما يزيد عن 2.646 مليار دولار خلال الفترة من يوليو حتى ديسمبر 2015-2016، مقارنةً بإيرادات تجاوزت 2.857 مليار دولار خلال نفس الفترة من العام المالي السابق عليه.
وبالنظر إلى إيرادات القناة في الأعوام السابقة نجد أنه من الملاحظ أن إيرادات القناة تبتعد عن المستوى الذي سجلته في العام المالي 2009/2010 وذلك بالرغم من إنفاق أكثر من 8 مليارات دولار على مشروع التفريعة، وهو ما يشير إلى خسائر كبيرة ولن يكون هناك تحسن في سعر صرف الجنيه حتى تتحسن عوائد القناة، وذلك أيضًا في ظل توجه القناة لخفض الرسوم المحصلة من السفن لجذب مزيد من السفن في وقت تحتدم فيه المنافسة وتتراجع التجارة العالمية.
على الجانب الآخر يجب ملاحظة أنه في ظل تراجع المصادر تتنامى الاحتياجات للعملة الصعبة بشكل سريع، حيث إن مصر تعتمد على أكثر من 70% من احتياجاتها السلعية على الاستيراد، الأمر الذي يحتاج إلى زيادة المصادر وليس نقصها، لذلك نستطيع أن نقول إن أزمة الدولار في مصر لم تنته ولن تنتهي حتى تنتعش مصادر الدولار، وهذا أمر ليس له علاقة بالسياسة النقدية في البلاد “البنك المركزي”، وأيضًا لن نرى تحسنًا حقيقيًا إذا استبدلنا المصادر بالقروض.