نشرت صحيفة نيويورك تايمز افتتاحيتها بعنوان “ماذا يقول الإيرانيون عن الشيطان الأكبر؟”
عبر هذه المقالة التي كتبتها كارول جياكومو يمكننا أن نفهم كيف تبرر الإدارة الأمريكية للشعب الأمريكي وللعالم قرارها ببدء صفقة مع الإيرانيين..
فالإيرانيون هم هم، والشعب الإيراني لم يتغير، ونظام الحكم في إيران كما هو، لكن النظرة الأمريكية تغيرت، الأمريكيون يريدون أن يقنعوا العالم بما يريدون، وما يريده الأمريكيون هذه المرة هو العمل مع إيران.
ترجمة وتحرير نون بوست
مقر السفارة الأمريكية القديم في قلب العاصمة طهران افتُتح مؤخرا لزيارات الغربيين، إنه الآن متحف يديره الحرس الثوري الإيراني والباسيج (قوات شبه عسكرية تتكون من متطوعين من المدنيين ذكور وإناث)، حيث يبقون السردية المذعورة عن الخبث والخداع الأمريكي من خلال عرض معدات التجسس المليئة بالغبار في جدارية عن الخيانة الأمريكية.
هتافات الموت لأمريكا ما زالت تتردد بعد كل جمعة في جامعة طهران، لكنها الآن تظهر بشكل طقس روتيني أسبوعي أكثر منها عرض حقيقي للغضب.
في زيارة لإيران هذا الشهر، حضرت صلاة الجمعة في جامعة طهران بالقرب من امرأة يبدو أنها في عقدها السابع. لقد قامت برحلة من زاوية بعيدة في المدينة لتتلقى تكريما لابنها الذي قُتل في الحرب العراقية الإيرانية قبل أكثر من عشرين عاما.
لقد أرتني السيدة صورة لابنها القتيل، وقالت أنها تدعو الله “ليساعدنا وأن يجعل الأمور أفضل”
ردود الأفعال التي تلقيتها كمسافرة أمريكية لمدة عشرة أيام بين طهران، أصفهان وقم أثبتت لي أن هناك رغبة حقيقية واهتماما بإعادة التواصل مع الغرب.
نظريا، لا توجد دولة إسلامية في وضع أفضل من إيران للعب دور القيادة في الشرق الأوسط المضطرب، نظرا لموقع إيران الجغرافي وثروتها النفطية وتماسكها الإقليمي وتطور نخبتها الفكرية والسياسية. ولكن إمكاناتها الحقيقية كانت متوقفة لمدة ثلاثين سنة من سوء الفهم وعدم الثقة التي سيطرت على علاقتها بالولايات المتحدة.
الندوب التي أنشأها تاريخ من الغزو الأجنبي، والانقلاب الأمريكي البريطاني ضد الزعيم المنتخب ديمقراطيا عام ١٩٥٣ بالإضافة للدعم الأمريكي للشاه لا يمكن أن تُنسى. وبالمثل، فإن الولايات المتحدة لم تتجاوز بعد الـ٤٤٤ يوما من الأسر للرهائن الأمريكيين في السفارة والذين اعتقلوا بعد الثورة الإسلامية، وفي العقود التي تلت، دعمت إيران جماعات متطرفة مثل حزب الله، والسجالات المعادية لإسرائيل من الرئيس السابق أحمدي نجاد، والسعي الدؤوب من البلاد في اتجاه البرنامج النووي جعلت إيران أكثر عزلة عن بقية العالم.
لكن الانتخابات هذا العام، والتي أتت برئيس أكثر اعتدالا، والصفقة النووية الأخيرة بين الولايات المتحدة والدول الكبرى من جهة، وإيران من جهة أخرى أحيت الآمال داخل إيران من أجل التغيير.
هناك صوت هام للغاية داخل إيران ساهم في دفع عجلة هذا التحول، وهو آية الله العظمى يوسف صانعي، الذي هُمش أثناء رئاسة أحمدي نجاد، وسُمح له هذا الشهر بالظهور في مقابلة تليفزيونية لأول مرة منذ أربع سنوات على الأقل.
السيد صانعي، الداعم الديني لتقدمية روحاني، انتقد أحمدي نجاد بسبب “تشويهه إيران والإسلام” كما أنه بشر بالخط السياسي الإصلاحي. وأعرب الرجب عن تأييده للصفقة النووية وقال نصا “يجب على من في السلطة سواء كانوا في إيران أو الولايات المتحدة أن يغفروا لبعضهم البعض، يجب أن ننسى الماضي، وأن نبدأ الصداقة”
الإصلاحيون مثل السيد إبراهيم أصغرزاده، أحد المسؤولين عن اقتحام السفارة الأمريكية، يمثل قوة أخرى هامة. أصغرزاده يدعو الآن لعلاقات أفضل مع الولايات المتحدة ويعمل بالفعل على إصلاح النظام السياسي الإيراني لصالح تخفيف دور الجيش في العمل السياسي وإعطاء مواطني إيران المزيد من الحريات وأدوارا أكبر في السياسة.
ثالث عوامل التغيير في إيران هو العدد الضخم من الشباب (نصف عدد سكان إيران البالغين ٨٠ مليونا كانوا تحت سن ٣٥ في ٢٠١٢) ، القلقون بالأساس على أشياء مثل الحصول على وظائف في اقتصاد مصاب بالشلل بسبب العقوبات الدولية، وسوء إدارة الرئيس السابق نجاد، والفساد. وفي واحدة من المفارقات في إيران، تمتلئ الأسواق الإيرانية بأحدث حواسيب آبل و هواتف آي فون على الرغم من العقوبات الدولية، التي جعلت خزينة الدولة فارغة تقريبا.
التحول الذي جاء به انتخاب روحاني رئيسي، لا يعكس تغييرات جذرية في النظام أو مسحا لقوة المتشددين الذين يعملون ضد التدخل الدولي أو إصلاح النظام الإيراني. من بين هؤلاء السيد حسين شريعتمداري، الذي تصفه بطاقة الأعمال الخاصة به بأنه “ممثل المرشد الأعلى للثورة” حسبما جاء في صحيفة كيهان الإيرانية. قال الرجل إنه لا يؤيد روحاني، ولا يؤمن بوجود حل وسط مع الولايات المتحدة، وحذر في مقابلة هذا الشهر أنه إذا فشلت المفاوضات النووية وقررت الولايات المتحدة أو إسرائيل الرد فإن “إيران سترد بقوة.”
حتى الأكثر تفاؤلا من بين المؤيدين لسياسات روحاني، مقتنعون بأنه إذا فشل الاتفاق النووي فإن المتشددين الإسلاميين سيعودون أقوى من ذي قبل. فبينما تخف قليلا القيود الصارمة على التنشئة الاجتماعية وحجاب النساء والموسيقى والخطاب السياسي الذي قد يختلف مع التيار السائد، لا يزال الإيرانيون يخشون عودة الأمور إلى سابق عهدها. موسيقيو الشارع والطلاب النشطاء على سبيل المثال كانوا على استعداد للحديث معي عن أنشطتهم إلا أنهم طلبوا عدم ذكر أسماءهم كاملة.
كل تلك “القوى الظلامية” لم تمثل الانطباعات السائدة في زيارتي. في مسجد في المدينة القديمة في أصفهان، قابلت أكثر من عشرين من طلاب الجامعات الذكور، جميعهم كانوا متحمسين للحديث إلى شخص أمريكي. لقد كانوا يسعون إلى مناقشة سياسات الولايات المتحدة وأعربوا عن تقارب ملحوظ تجاه البلد التي ما زال بعض الإيرانيين يطلقون عليها “الشيطان الأكبر” إن هذا الجيل يمثل أكبر آمال إيران في مستقبل جديد مع العالم.