خدام الدولة: مصطلح استعماري يُعاد تصديره في المغرب مرة أخرى

lmgrb-lrby

من العيب والعار ونحن في عصر الطفرة المعلوماتية وفي عز دستور 2011، أن يردد كبار المسؤولين في بلاغات رسمية تعبيرات إنشائية، بلغة ركيكة فيها من اللغط اللغوي ما فيها، وتضم بين طياتها كلمات تنهل من القاموس الاستعماري الغابر من قبيل عبارة “خدام الدولة “، وهو اللقب الذي أضيف إلى لائحة الألقاب المخزنية من المنعم عليهم، ومن يرغدون ويزبدون في الريع الاقتصادي والسياسي وغيرهم من المستفيدين من أوجه الريع المختلف الأشكال والألوان، والذي بدأ يكشف عن وجهه البشع.

ففي الوقت الذي يهاجر فيه المئات من الشباب المغاربة وهم في ريعان شبابهم من أجل تحسين ظروفهم الاقتصادية، مستغلين طلبات اللجوء السياسي بالدول الأوروبية، متقمصين في ذلك اللسان السوري والمأساة السياسية لهذا الشعب العريق، ويعانقون المجهول بعدما ضاقت بهم أزقة وشوارع الوطن وحتى مقاهيه، في حين يستفيد “خدام الدولة” من آلاف الأمتار المربعة لتشييد فيلات فخمة بأرقى أحياء العاصمة الإدارية الرباط بأثمنة بخسة وبدراهم معدودة، كانوا فيها من الزاهدين.

“خدام الدولة” هو تكريس لتقسيم طبقي جديد بالمغرب يقوم على أساس استغلال المناصب السياسية والوظائف العمومية بمؤسسات الدولة، والتي يتقاضون عليها أصلا أموالا طائلة تجنى من جيوب المغاربة، والمحصلة من الضرائب التي باتت تقض مضجع المواطنين القابعين في قعر السلم الاجتماعي، خدام للدولة يستفيدون من تعويضات التنقل والسكن الوظيفي وإنجاز المهمات خارج الزمن الوظيفي أو داخله، تعويضات قد تفوق راواتبهم الشهرية أضعافا مضاعفة، وتفوق دخل المواطن البسيط بفارق يعادل ملايين السنوات الضوئية.

“خدام الدولة” ليسوا سوى الرؤوس التي أينعت وآن الأوان من أجل مساءلتها بمنطق من أين لكم هذا؟ إنها لعمري قسمة ضيزى تذكرنا بسخاء حاتمي توزع فيه مساحات من تراب الوطن كما لوكان توزيع لألقاب باشوات مصر الجدد بالمغرب، تقوم على أساس عرقي جديد يفوق تقسيمات ابتدعها المستعمر نفسه كالظهير البربري الشهير.

ففي الوقت الذي يقتطع فيه من أجور الموظفين ومن قوت عيالهم، وتضاف أعوام إلى سنوات كدهم و عملهم في مداشر المغرب وهوامشه، لملء ثقوب طالت الصناديق المنهوبة والمسروقة، وفي الوقت الذي تصل فيه اقتطاعات البنوك من رواتب غالبية الموظفين بالمغرب إلى حدود 50٪ والمخصصة لتحصيل إيرادات سكن نأت الدولة بمسؤليتها عن توفيره، وتركت الساحة العقارية خاوية على عروشها للتجار والسماسرة والمضاربين العقاريين الذين أضحوا يشكلون طبقة باتت أقرب إلى توصيفها بتجار وأمراء الحروب، الذين يغتنون غنى فاحشا على حساب آلام باقي الطبقات التي لاحول لها ولا قوة، وفي الوقت الذي تحذر فيه الأمم المتحدة المغرب من ارتفاع الدين الخارجي في تقريرها الأخير، نجد ما بات يطلق عليها بـ “تجزئة خُدّام الدولة” توحي لنا بالواضح انتشار منطق ريع سياسي فاضح وإجرام اقتصادي في حق الدولة ذاتها، في حين الشعب بات ينتظر أكثر من أي وقت مضى، مساءلة حقيقية لبرلمانييه الذين لا يحسنون سوى الغياب والنوم بقبة برلماننا الموقر أو التفنن في تمرير مراسيم وقوانين لا شعبية مثل قانون التقاعد مؤخرا، بطريقة معيبة تهين ذكاء المغاربة قاطبة، بالرغم من الامتيازات المادية والمعنوية التي يحصدونها، وحكومة منتخبة لا تحسن سوى التباكي وغرس رأسها في الرمال قياسا بالقول المأثور لرئيس حكومتها “عفا الله عما سلف” مافي راسيش”، في حين تستأسد الحكومة نفسها في إنهاك جيوب الطبقة المتوسطة وتفقير الطبقة الفقيرة، بزيادات في الأسعار، وتسير بطرق ممنهجة وفق خطى مرسومة للتخلي عن أهم القطاعات الاجتماعية كالتعليم والصحة.

فبعد فضيحة لوبيات نهب برامج قطاع التعليم من طرف البرلماني “اللبار”والتي سيظل المغرب يسدد فواتيرها للبنوك الأوروبية والدولية تحت يافطة إصلاح قطاع التعليم باسم البرنامج الاستعجالي عقودا من الزمن.

نتساءل هل ستكون لحكومة بن كيران الجرأة في تقديم مختلف تفاصيل تجزئة “خدام الدولة” وقبلها كثير من الملفات الساخنة والمحرجة والتي لم تعد شأنا داخليا فقط، ونستقي من ذلك أمثلة كـ “الكريمات ورخص المقالع والصيد بأعالي البحار”، “نفايات نابولي”، “فضيحة البرنامج الاستعجالي”، “حقيقة تهريب المشروع الصيني من جنوب المغرب إلى شماله” وغيرها كثير. وهل ستدفع بمختلف المسؤولين للتصريح بممتلكاتهم وخاصة المتحكمين في مفاصل الدولة ودواليبها، وهل ستصارح من وضعوا ثقتهم فيها على أساس منطق جديد يربط المسؤولية بالمحاسبة؟ أم أن الأمر لايعدو أن يكون مجرد زوبعة في فنجان المشهد السياسي المغربي،الذي أصبحت فضائحة المطردة تلامس تفاصيل حلقات مسلسل تركي بسيناريو أكثر رتابة واخراج أكثر رداءة.

عمومًا، إن عبارة “خدام الدولة” مصطلح قديم جديد له دلالات سيميائية تكرس بكل بساطة ضربة قاصمة لمضامين الدولة المدنية المبنية على قيم المواطنة الحقيقية، وأن المغاربة جميعا لم ولن يكونوا يوما سواسي في الحقوق والواجبات، وأن منطق الامتيازات حاضر في الواقع المعيش، وهاهو يحضر في الخطاب الرسمي بالرغم من عدم توفيقه في اختيار مصطلحات لغوية جديدة من قبيل مصطلح “خدام الدولة”، والذي قد يؤجج صفحات التواصل المجتمعي الذي يتسم بالموسمية والحملات الشعبوية، حيث الخطاب الرسمي اليوم يشرعن لميلاد مصطلحات جديدة تم اقحامها في  القاموس السياسي والمخزني المغربي من قبيل خدام الدولة ورعاعها؟