ادعت روسيا والنظام السوري إن جيشي روسيا والنظام سيبدآن “عملية إنسانية على نطاق كبير” في حلب، لمساعدة السكان الذين وصفوهم بأنهم أصبحوا رهائن لدى “الإرهابيين”.
وذلك بعدما أحكم النظام والمليشيات الداعمة له الحصار على الأحياء الشرقية من مدينة حلب، وحوصرت المُعارضة في هذه الأحياء التي يقطنها قرابة 350 ألف سوري. ثم أعلنت روسيا بعدها أنها ستفتح ثلاثة ممرات لخروج المدنيين الراغبين في مغادرة المدينة، وممرًا رابعًا للمسلحين شمالي حلب بالقرب من طريق الكاستلو.
وكان النظام السوري أيضًا قد أعلن الأربعاء الماضي عن سيطرته على طريق الكاستلو، وقطع جميع طرق الإمداد عن المعارضة في أحياء حلب الشرقية. واستهدفت قوات النظام والمليشيات دوار الليرمون، بقنابل محملة بغاز الكلور، وسيطرت على نقطة الكراجات وسط اشتباكات عنيفة مع المعارضة.
وكذلك كانت “وحدات حماية الشعب” الكردية قد سيطرت في نفس الوقت، بالتزامن مع عمليات قوات النظام والمليشيات التابعة له، على السكن الشبابي في الأشرفية، ما دفع المعارضة لإخلاء حي بني زيد كي لا تحاصر هناك بين “وحدات الحماية” وقوات النظام والمليشيات.
ويُذكر بأن وجود قوات النظام في معركة حلب يكاد يكون رمزيًا، إذ تخوض المعركة بشكل فعلي مليشيات “لواء القدس” الفلسطيني، و”لواء الباقر” و”عصائب الحق” و”حركة النجباء” و”أبو الفضل العباس” العراقية، و”لواء فاطميون” الأفغاني، و”لواء زينبيون” المكون من مقاتلين باكستانيين، و”حزب الله” اللبناني، و”الحرس الثوري” الإيراني.
مقدمات تدعم خطة الممرات الآمنة
أصدر الرئيس السوري بشار الأسد بعدها يوم الخميس، مرسومًا تشريعيًا “بمنح عفو للمقاتلين المعارضين الذين يلقون السلاح ويسلمون أنفسهم للسلطات خلال ثلاثة أشهر”.
كما حاول السفير النظام السوري الدائم لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري، إيصال رسالة للمجتمع الدولي جاء فيها: “في إطار محاربة الإرهاب في الأحياء الشرقية من مدينة حلب، واستناداً على اهتمامها (الحكومة السورية) بأمن وحماية المدنيين في تلك الأحياء، أبلغ الجيش السوري المدنيين المقيمين في تلك الأحياء بأنه قد أمن ممرات لمن يرغب الخروج بأمان من تلك المناطق، وتخصيص إقامة مؤقتة له. الحكومة السورية تؤكد للمدنيين في تلك المناطق حرصها على تزويدهم باحتياجاتهم المعيشية”.
يرى مراقبون أن مثل هذه الخطوات من جانب النظام السوري تستهدف بالأساس نصب فخاخ للمعارضة السورية المسلحة والمدنيين في هذه المناطق، بحيث أنهم يعلمون جيدًا بعدم استجابة أحد لهذه النداءات لعدم وجود أدنى درجات الثقة في النظام ومليشياته لدى المدنيين، ومن ثم اتخاذ ذلك ذريعة تفويض ضمني، بتصفية المتبقين في تلك الأحياء، تحت ذريعة أنهم “إرهابيون” رفضوا الاستسلام.
ورغم أن الوضع الإنساني في مدينة حلب وصف بأنه كارثي، حيث يخضع أكثر من ثلاثمئة ألف من سكانها لحصار قاتل، إلا أنهم متمسكون رغم ذلك بالبقاء في ديارهم رغم إعلان روسيا فتحها ممرات آمنة بالمدينة، حيث ينظر البعض للإعلان الروسي أنه يمهد لتطهير طائفي واضح وصريح ليس في حلب فحسب، بل في كل المدن السورية.
خطوة لن يكتب لها النجاح
تؤكد جمعيات حقوقية متابعة للوضع في سوريا أن خطوة الممرات الآمنة لن يكتب لها النجاح إلا إذا تمت بتنسيق مع الأمم المتحدة وبضمانات دولية وبالتنسيق مع المقاتلين، وفي إطار محادثات جنيف كبداية لحل سياسي للأزمة السورية.
وعليه طالب مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا ستفان دي ميستورا بالفعل بأن تترك روسيا خطة الممرات التي اقترحتها لخروج المدنيين والمقاتلين من مدينة حلب إلى الأمم المتحدة، وذلك في ظل حصار قوات النظام السوري للمدينة، وقال دي ميستورا أثناء مؤتمر صحفي في جنيف إنه بحث الخطة الروسية بشأن ما سماها “الممرات الإنسانية”، وإنه ينتظر مزيدًا من التوضيحات بشأنها.
لكنه أكد أن الممرات الإنسانية في سوريا يجب أن تكون “مستديمة”، ودعا روسيا إلى ترك إنشاء الممرات للأمم المتحدة قائلا إن “هذه مهمتنا”، وكذلك بدورها قالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إن خطة إقامة ممر إنساني في حلب لن تنجح إلا إذا اتفقت عليها الأطراف المتحاربة.
وفي ظل الصمت الروسي تشكك المعارضة السورية ومنظمات حقوقية ومحللون في نوايا النظام السوري وحليفته روسيا، في ظل الحصار الكامل المفروض على الأحياء الشرقية منذ 17 يوليو الجاري واستمرار القصف بوتيرة يومية.
حيث تؤكد مصادرمن داخل المدنية أنه ليس هناك أي ممرات في حلب توصف بممرات إنسانية، فالممرات التي تحدث عنها الروس يسميها أهالي حلب بممرات الموت، وأعلنت المعارضة مدينة حلب “مدينة منكوبة” في ظل مخطط يشارك فيه الطيران الروسي والحرس الثوري الإيراني لتهجير الأهالي من مدينتهم”، بإحداث تدمير كامل ومنهجي للمدينة على سكانها سواء كانوا مدنيين أم مقاتلين.
وكان المنسق العام للهيئة العليا للمفاوضات التابعة للمعارضة رياض حجاب وجه رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة ندد فيها بما أسماه “تغيير ديمغرافي وتهجير قسري” في حلب.
كما انتقدت فرنسا “الممرات الإنسانية” الروسية المزعومة. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية رومان نادال إن “فرضية إقامة ممرات إنسانية تقضي بالطلب من سكان حلب أن يغادروا المدينة لا تقدم حلا مجديا للوضع”، مشيرا إلى أن القانون الدولي الإنساني يفرض إيصال المساعدة بصورة عاجلة إلى السكان المحاصرين.
وحذر وزير الخارجية الأميركي كذلك جون كيري من أن إعلان روسيا عن ممرات لتمكين المدنيين من الخروج من أحياء مدينة حلب المحاصرة قد يكون خدعة، وأضاف كيري في تصريحات له عن الأمر، إن التعاون بين بلاده وروسيا بشأن حل سياسي في سوريا قد ينهار بالكامل في حال تبين أن الإعلان الروسي عن خطة “إنسانية” لخروج المدنيين من الجزء الخاضع للمعارضة في حلب مجرد خدعة, مشيرا إلى أنه تحدث مع الروس مرتين خلال 24 ساعة.
وكان المتحدث باسم الخارجية الأميركية شكك بدوره في الإعلان الروسي، وقال إنه يبدو وكأنه طلب باستسلام فصائل المعارضة وإجلاء المدنيين السوريين من حلب.
ولم تكن هناك أي حركة نزوح من أحياء حلب الشرقية بعد الإعلان الروسي، وأظهرت صور بثتها فضائية الجزيرة خلو معبر بستان القصر -الذي يصل مناطق سيطرة المعارضة بمناطق النظام في حلب- من أي حركة للمدنيين.