يبدو أن منسوب المياه في 500 مدينة حول العالم لا يسرمؤيدوالعولمة، حيث أن النتائج لا تخص المدن الريفية أو المناطق المهجورة فحسب، بل هي صادرة من أكبر مدن في العالم، وهذا يعني أن المدن المتمدينة كذلك لم تسلم من نقص منسوب المياه الحاد فيها، حيث أن بكين في الصين ونيو دلهي في الهند و نيو ميكسكو في المكسيك كانت في طليعة المدن الموجودة على قائمة الدول التي تُعاني من نقص المياه فيها، وهذا بالتبعية يعني أن كثير من مدن العالم على حافة العطش.
هناك ما يقرب من 2.5 بليون شخص حول العالم لا يستطيع توفير احتياجاته من الماء النظيف لمدة شهر على الأقل في السنة في كل قارات العالم، حيث أن المعدل يزداد سوءًا في كل يوم تزداد فيه الكثافة السكانية في المناطق الحضرية، فحتى الآن يصل عدد ساكني الحضر حوالي 4 بليون شخص حول العالم، ومن المتوقع أن يزداد العدد للضعف وأكثر بحلول عام 2050.
لا يكون عامل الطبيعة هو العامل الوحيد الذي يؤثر على نقص المياه في البلاد، فعلى الرغم من أن قلة المطر، أو حدوث الجفاف أو التغيير المستمر في المناخ هي من العوامل الأكثر تأثيرًا في نقص المياه، إلا ان التلوث المستمر، وقلة وسوء المشاريع الاستثمارية للبحار والأنهار من العوامل المؤدية إلى نقص المياه في البلاد كذلك.
كان الجفاف نصيب العديد من الولايات المتحدة الأمريكية في عامي 2014 و 2015 لكونهم أكثر السنوات تسجيلًا لمعدلات عالية من الحرارة في مناطق مختلفة من العالم، جفت العديد من المواسير الناقلة للمياه العذبة، واضطر العديد من الناس وبخاصة المزارعون من إعادة الحفر والتنقيب عن المياه الجوفية في ولاية كاليفورنيا، وهو ما أضرّ باحتياطي المياه الجوفية المخُخزنة في باطن الأرض منذ عشرين ألف عامًا.
يعتقد البعض أن الهجرة لمناطق الحضر هو الحل الأمثل بدلًا من نشر المياه في مساحات واسعة ومختلفة من البلاد، إلا أن ما يحدث هو العكس، فالهجرة للحضر هي من أكثر الأسباب المؤدية إلى زيادة الضغط على استهلاك المياه بشكل مستمر، وذلك مع تقدم التكنولوجيا وزيادة استخدامات الأجهزة التي تزيد من ضغط المياه في المواسير المغذية للمباني، كغسالات الصحون، وأجهزة الاستحمام الي تتنوع في خدماتها المريحة والترفيهية للفرد، وهو ما أدى إلى معاناة مدينة واحدة من بين كل أربعة مدن من نقص في المياه حول العالم.
قائمة بأكثر المدن تعرضًا لنقص المياه حول العالم
استجابت الولايات المتحدة لما حدث في عامي 2014 و 2015 في كاليفورنيا من جفاف باستخدام تقنيات حديثة للتعامل مع الاستهلاك المستمر للمياه، بفرضها الرش بالتنقيط، كما خصصت وكالات معينىة خاصة بتحديد تسعيرة جديدة للمياه بتقليل ضغط المياه في الخزانات والمواسير، وذلك من أجل عدم تكرار ما حدث في حالة الجفاف التي أصابت الولاية من قبل.
كما اتبعت البرازيل خطى الولايات المتحدة في مواجهة الجفاف في الحد من استهلاك المياه، فقد انخفضت سعة الخزان الرئيسي الذي يغذي مدينة ساو باولو بنسبة 6 % من سعته الأصلية، كما تم إجبار بعض العائلات للانتقال إلى مجمعات سكنية يتم توصيل المياه إليها بشكل أقل استهلاكًا.
لا يمكن للحكومات مواكبة التغيرات الحادثة بعد المرور بجفاف من الممكن أن يستمر لشهور أو لعدة سنوات، فالجفاف ينتهي في الأغلب بفيضان، ولكن لا يمكن إهمال تأثيره الشديد على المدن، فمثلما حدث في مدينة ساو باولو في البرازيل، على الرغم من انتهاء الجفاف فيها إلا أنه كاد أن يجعلها على رأس قائمة أكثر المدن نقصًا للمياه في العالم.
مدينة ليما في بيرو، أمريكا الجنوبية
تعاني مدينة ليما من ندرة سقوط الأمطار، حيث تعتمد الكثافة السكانية في المدينة والتي تُقدر على 8.5 مليون نسمة على ثلاثة أنهار فقط كمصدر للمياه العذبة، إلا أن المياه العذبة الصالحة للشرب لا تصل إلى حوالي خُمس الكثافة السكانية تقريبًا.
شبكات تم وضعها من قِبل السكان للحصول على المياه من الندى الموجود في الضباب بجوار البحر
تفتقر ليما للمطر، إلا أن ذلك النقص يتم تعويضه في الرطوبة والتي تصل أحيانًا إلى نسبة 98%، حيث استخدم سكان ليما ذلك الأمر لصالحهم، فأقامت حركة ” أهالي بيرو بدون ماء” المحلية أكثر من 1000 شبكة لالتقاط المياه من ضباب البحر الكثيف، واستطاعوا بالفعل استخراج ما يقرب 200- 400 لتر من الماء يوميًا.
لا يختلف الحال كثيرًا في الشرق الأوسط، حيث تحتل الكويت والبحرين والإمارات و مصر وقطر قائمة أكثر البلاد التي لا تحتوي على مصادر متجددة للمياه لكل فرد، كما أن هناك العديد من المدن في البلاد السابقة يمكن تصنيفها على أنها واحدة من أكثر المدن جفافًا في العالم، مثل أبو ظبي والدوحة.
تعتمد الدول العربية وبخاصة دول الخليج على تقنية محطات تحلية مياه البحار، يكون أغلبها في المملكة العربية السعودية والإمارات المتحدة والكويت والبحرين، والتي عوضت احتياطي المياه الذي تعتمد عليه تلك الدول من الآبار الجوفية.
لا تمتلك كل الدول العربية الثروة الكافية لإقامة محطات تحلية مياه البحار، حيث سجلت المياه في قطاع غزة معدلات كبيرة من التلوث جعلت منظمة الصحة العالمية تصرّح أن المياه غير صالحة للاستخدام الآدمي في القطاع وذلك بسبب اختلاطها بالمياه المالحة، بسبب تضرر الخزانات وأنابيب المياه على مدار عقود متتابعة من الحروب.
تُعد اليمن من أكثر الدول التي تعاني من نقص حاد في المياه، حيث ينال الفرد 2% من المتوسط الدولي لحصة الفرد من المياه حول العالم، كما تصل المياه إلى 48% فقط من الكثافة السكانية في اليمن يتركز أغلبها في العاصمة صنعاء، بالإضافة إلى هدر 60% من المياه نتيجة للتسريبات من الخزانات والأنابيب.
تكون مدينة عمان في الأردن كذلك من بين المدن العربية التي تعاني في الحصول على اكتفاءها الذاتي من المياه الصالحة للشرب، وذلك بعد وصول عدد اللاجئين السوريين فيها إلى 1.2 مليون لاجيء، فقد كانت حصة الفرد من المياه في 2014 هي 92 متر مكعب فقط، ليكون إضافة 20- 40 % للكثافة السكانية أمرًا يشكل ضغطًا كبيرًا على النظام الأردني في مواكبة توصيل نفس الموارد للعدد المتضاعف، ولكن تأمل الأردن أن يتم تفعيل اتفاق الـ 900 متر مكعب من الماء مع اسرائيل المتفق عليه في عام 2015، فبتفعيله يتم تقليل الضغط على النظام.