يبدو ان تداعيات الاتفاق النووي الايراني الغربي بدات ترخي بظلالها على الساحة اللبنانية، فقد انفجر مدير المخابرات السعودية في وجه اللبنانيين، واتضح جليا ان آل سعود يكابرون الواقع الجديد ويعاندون الرياح الجديدة القادمة من الشرق، تراجعت السياسة الى الخلف ودوى الرصاص والتفجير و سالت الدماء في طرابلس وصيدا وعكار وعرسال واغلب المناطق الواقعة في نفوذ تيار المستقبل.
لم يكن امام تيار الثامن من مارس بقيادة حزب الله الا تنفيذ الهجوم المضاد، هجوما ليس بالمعنى الكلاسيكي المعروف لدى لاعبي كرة القدم او حتى في المعارك العسكرية الدموية، بل هو هجوم يروم الحفاظ على “توازن القوى”.
مبدأ توازن القوى هذا يعتبر الاداة التي تستطيع عبرها الدول تنظيم صراعاتها فيما بينها، بشكل يضمن استمرار النظام الدولي او الاقليمي على ما هو عليه تفاديا لحدوث تغيرات دراماتيكية، وهو ما حذث ويحذث طيلة الفترة التي قضاها ما يسمى “بالربيع العربي”، وبرز بشكل شديد مذ دخل حزب الله الى اتون الحرب السورية حاملا السلاح بجانب الجيش العربي السوري ضد جماعات المسلحين المدعومين من السعودية وقطر وتركيا وحلفائهم الغربيين والصهاينة.
في الخرجة الاخيرة للسيد حسن نصر الله بمناسبة تأبين احدى شهداء الحزب، وضع الامين العام للحزب النقط على الحروف بل وتجاوز جميع الخطوط الحمر المعروفة في بلاد الفرادة، توعد وهدد حلفاء السعودية في الداخل اللبناني أن لاحكومة أمر واقع ولا تمديد لميشيل سليمان، ولن يستطيع احد تحييد الجيش وسرقة الدولة،: لاتلعبوا معنا ” هكذا قالها نصر الله، وهي اشارة تهديد واضحة، تعني امكانية الذهاب الى السلاح فالامر يتعلق بسرقة الدولة وسحب البساط من تحت اقدام اكبر ممثل للشيعة وحليفه اكبر تيار مسيحي في لبنان وحلفائهما.
بالنسبة للسعودية كان الحزب واضحا بلغة الرمز،اي تفجير في بيروت سيقابله تفجير في السعودية وان زمن الراحة والاطمئنان والاستجمام قد ولى، هل هي حرب معلنة على السعودية أم ان نصر الله يلعب سياسة حافة الهاوية؟
حسب نظرية توازن القوى فقد تراجعت لغة العلاقات العامة والقوة المرنة لتترك مكانها للدبلوماسية التقليدية لتحاول التوفيق بين ادوات الاكراه وادوات التفاوض حيث هذا النوع من الدبلوماسية يعتبر القناة الوحيدة لتصريف التهديدات المباشرة بين الدول، فحزب الله يدرك جيدا ان الصراع حول المصالح في هذه المرحله الشديدة الحساسية والتي تسبق جنبف السوري، يتوجب عليه فيها احتواء اكبر عدد ممكن من الاخطار وذلك عن طريق اقامة نظام اقليمي يحكمه عامل التهديد (threat system).
حسب نظرية توازن القوى فالخرجة الاخيرة للسيد حسن نصر الله هي سلوك حتمي يندرج في اطار الحفاظ على احدى القوانين الحديدية والصارمة للعلاقات الدولية، وهو قانون توازن القوى و تهديدات الحزب تدخل في اطار “أتوماتيكية رد الفعل الدولي وشموليته”،وبدون هذه الاستجابة الذاتية التلقائية او شبه التلقائية، ينهار التوازن الدولي او الاقليمي.
على المستوى السياسي من اللافت ان ميل حزب الله الى لغة التهديد هذه المرة لم تكن في نظري بسبب السلوك السعودي في لبنان على المستوى الامني، بقدر ما كان توجه 14 مارس نحو تشكيل الحكومة والتمديد لسليمان هو الباعث الرئيسي والمحدد الاهم في عملية قلب الطاولة واعادة التوازن التي سلكها الحزب.
استراتيجيا في حال استمرت الاوضاع في لبنان على نفس المنوال، واستمرت السعودية في تاجيج الاوضاع اللبنانية أمنيا وسياسيا كحلبة بديلة عن الحلبة السورية التي يبدو انها خسرتها الى غير رجعة، فالحزب سيندفع الى استخدام القوة في لبنان وغيرها قبل ان يفقد السيطرة على الوضع.
بالنسبة لتحالف 14 مارس،ودائما وفق نظرية أورجانسكي ففي حالة تكافؤ القوى فانه عادة ما تكون للطرف المدافع ميزة اقوى من الطرف المهاجم ومن ثم فان كان هناك عاقل في 14 مارس فانه لابد وان يمتنع عن اثارة المتاعب، وتكافؤ القوى هنا بين تحالفي 14 و 8 مارس لا يقصد به التكافؤ العسكري بقدر ما هو تكافؤ مبني على ارضية العيش المشترك والوحدة الوطنية، لان القول بتجبر طرف على الاخر لا يعني في بلد الارز سوى شبح الحرب الاهلية المرعب .
ونفس الشئ بالنسبة لحلفائهم في الخارج، فايران لم تكن في يوم من الايام قوية كما هي اليوم، وسوريا لم يعد لها ما تخسره فقد خسرت الكثير من ابنائها وبنيانها، وذلك رغم كل العنف الاعمى الذي وصل الى مرحلة هيستيرية وغير مسبوقة والتي تتوخى فرض ميزان قوى جديد، تذكيها مسات الجنون التي اصابت ال سعود بسبب الاتفاق الايراني الغربي وكذا الفشل الذريع في اسقاط النظام السوري….. فعلى من يستمر في خلخلة التوازن الاقليمي والدولي ان يكون مستعدا للتضحية بأمنه و طمأنينته.
السباق الى جنيف السوري في مراحله الاخيرة وجاري ترصيد اوراق التفاوض.