في 28 يوليو 2016، أعلنت جماعة الحوثي وحزب المؤتمر الشعبي العام وحلفائه، عن تشكيل مجلس سياسي لإدارة شؤون البلاد. الاتفاق المشار إليه الموقع في العاصمة اليمنية صنعاء ينص على تشكيل مجلس سياسي أعلى لإدارة البلاد يتكون من عشرة أعضاء، وللمجلس الحق في إصدار القرارات واللوائح اللازمة لإدارة البلاد، ورسم السياسة العامة للدولة.
ووقع الجانبان ما أسمياه “الاتفاق الوطني السياسي”، الذي بموجبه ستتحدد مسؤولية قيادة البلاد، وتسيير أعمال الدولة وفقًا للدستور الدائم للجمهورية اليمنية، والقوانين النافذة، وحسب البيان الصادر عن اللقاء بين الجانبين.
وفي 6 فبراير 2015 أعلن الحوثيون عن إعلان دستوري خاص بهم لإدارة شئون البلاد بعد أن قدم رئيس مجلس الوزراء حينها خالد بحاح استقالته وأتبع ذلك استقالة الرئيس اليمني عبده ربه منصور هادي وجهها إلى مجلس النواب الذي كان من المقرر له أن ينعقد يوم السبت 7 فبراير لمناقشة تلك الاستقالة وقبولها أو رفضها، لكن ذلك تعثر بسبب الإعلان الدستوري وإستيلاء الحوثيين على الحكم بقوة السلاح وحل مجلس النواب وتشكيل ما يسمى مجلس وطني انتقالي، مكون من 551 عضوا، يتولى اختيار مجلس رئاسي من 5 أعضاء، وتعيين حكومة من الكفاءات، وقد صدر الإعلان عن ما تسمى اللجنة الثورية العليا، التي يرأسها محمد علي الحوثي.
جاء الإعلان المفاجئ عن تشكيل المجلس السياسي الأعلى بين الحزب والحوثيين قبيل يومين فقط من إنتهاء المهلة التي حددتها الكويت للأطراف اليمنية المتحاورة على أراضيها للوصول إلى اتفاق خلال 15 يومًا أو مغادرة أراضيها في إشارة منها إلى الضغط على الفريقين للاتفاق أو الانتقال إلى دولة أخرى كانت السعودية المكان الجديد للمفاوضات اليمنية كما كانت تشير من خلال العرض السعودي واعتراض صالح عن أي حوار يقام في المملكة العربية السعودية، والاتفاق يعني مرحلة جديدة من العمل السياسي داخل اليمن، لكنه نقطة تحول في العمل السياسي ويشكل ضغطًا على الحكومة والتحالف العربي وكذلك الأمم المتحدة.
وما يفهم من تأسيس المجلس السياسي الأعلى هو إلغاء الإعلان الدستوري الذي أعلنه الحوثيون في فبراير 2015، وحل اللجنة الثورية التي كانت تحكم البلاد خلال الفترة الماضية، والعودة إلى العمل بالدستور اليمني النافذ، وهذا الإتفاق جعل من اللجنة الثورية العليا أو إعلانهم الدستوري كأنها لم تكن، وهو ما يعني بقاء مجلس النواب اليمني المقرر أن ينظر في استقالة الرئيس عبده ربه منصور هادي وفقًا للدستور اليمني..
إرباك التحالف
الإعلان عن تشكيل المجلس أربك التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية وأحدث صدمة للرئيس المني عبده ربه منصور هادي والأمم المتحدة، ويدل ذلك هو الرد السريع من قبل التحالف على لسان مصدر فيه أن إعلان تشكيل مجلس سياسي أعلى في اليمن ينسف المشاورات وعلى مجلس اﻷمن اتخاذ خطوات فورية، وهو نفس ما رأته الحكومة اليمنية التي اعتبرته نسفًا لجهود إحلال السلام، كذلك موقف المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ الذي أصدر بيانًا أقل ما يقال عنه إنه إدانة، وقال إنه انتهاك قوي لقرار مجلس الأمنالدولي رقم 2216.
لكن مع كل هذا فإن المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة فرحان حق قال إنه لا فشل أمميا في الملف اليمني، ولكن تصرفات الحوثيين والمؤتمر الشعبي العام” جعلت التقدم في عملية السلام أكثر صعوبة.
ويبدو أن “تشكيل المجلس السياسي” أقلق التحالف العربي من أن ينعقد مجلس النواب لمناقشة استقالة الرئيس هادي، وفقًا للدستور، ونتائج ذلك الاجتماع إن عقد أصلًأ قد يعقد من شرعية التحالف الذي شكل من أجل الدفاع عن الشرعية الدستورية في اليمن المتمثلة بالرئيس هادي، وانقعاد البرلمان قد ينهي تلك الشرعية وسيعود المربع اليمني إلى الصفر من جديد، وسيكون دور التحالف العربي هذه المرة دور سياسي أكثر من عسكري لكونه فقد الشرعية في التدخل العسكري.
“المجلس السياسي الأعلى” سيجعل المملكة العربية السعودية أن تقرأ خلفيات هذا الاتفاق جيدًا ومآلاته السياسية والعسكرية، لكن الغريب أنها لم تعلق على هذا الاتفاق حتى اللحظة، غير أنها تركت ذلك الرد على وسائل إعلامها الذي توعد بعضه بـ”تدمير صنعاء، والتوسع في الحرب التي أنهكتها في حقيقة الأمر، وهو سبب في لجوؤها مؤخرًا إلى دعم الحوار السياسي ليخفف عليها الضغط في الحدود الجنوبية التي تتكبد فيها خسائر فادحة في الأرواح والعداد تارة، وتارة تقدم عرضًا لإنهاء الأزمة السياسة، وأخرى على إبرام الاتفاق مع الحوثيين، وتسعى لإنهاء الحرب بالحل السياسي لكن وفق رؤيتها حتى لا يكون ذلك خسارة سياسية لها، لكنها لا تريد المزيد من الحرب، وما يؤكد ذلك حديث وزير الخارجية العمانية يوسف بن علوي لقناة روسيا اليوم، عندما قال “ليس من المقبول لدولة عربية أن تتورط في حرب دون ان تتشاور معنا، والآن تطالبنا بإخراجها من الحرب.
مراعاة الصدام الأممي
في حقيقة الأمر أن الاتفاق سهل من التحاور مع وفدين اثنين (الحوثيين وصالح) واختزله إلى وفد واحد، ولن يكون له أي تأثير على نتيجة المفاوضات في حال التعامل مع المجلس الجديد على أنه يمثل خصم واحد دون خصمين سياسيين، لاسيما وأنه حقق هدفا واحدًا من أهداف القرار الأممي 2216، وهو إلغاء الإعلان الدستوري الذي بموجبه ينسحب الحوثيين من المؤسسات الحكومية التي يسيطرون عليها.
التراجع عن الإعلان الدستوري والتنازل عنه، كان هدف أساسيًا وشرطًا غير قابل للنقاش بالنسبة لعلي عبدالله صالح الرئيس اليمني السابق، مقابل أن يوافق المؤتمر الشعبي العام على تشكيل مجلس رئاسي وحكومة من الطرفين، ومع قبول الحوثيين هذا الشرط وعدم تشكيل حكومة وحدة وطنية يبدو أنه راعا محذور التصعيد مع المجتمع الدولي، واختار ما يسمى “المجلس السياسي” كحل وسط ” بدلا عن “الرئاسي”، وهو كما يعني أيضًا اللعب بقطع الشطرنج، وعدم تشكيل حكومة جديدة أو مجلس رئاسي أو منح فرصة أخيرة للحل السياسي، وإن فشلت التسوية السياسية قد يصبح هذا المجلس فيما بعد مجلسًا لحكم البلاد وإدارتها.
ومن خلال تسمية هذا المجلس ” المجلس السياسي الأعلى” وبنوده يبدو أنه وليد ضغوط ومجاراة، ضغوط من الحوثيين على الرئيس اليمني السابق لتشكيل حكومة وحدة وطنية وتخفيف الضغط عليهم، ومجاراة لهم من صالح، لكن الأخير أستطاع أن يخفف من حدة المشروع حتى لايزيد من حدة الصدام مع الإقليم والعالم، مع تحقيقه في المقابل نقطة هامة هي اسقاط الاعلان الدستوري الذي كان هدفًا أسمى له.
الخلاصة
“المجلس السياسي الأعلى” هو اتفاق سياسي يعزز من تماسك الجبهة الداخلية أكثر من كونه شرعية جديدة، ومازال غامضًا في بعض بنوده التي تركت لتحديد اﻻختصاصات، ويبدو أنه أعد على عجل لمواجهة ضغوط المفاوضات أو ربما لقطع الطريق على محاولات شق الصف بين المؤتمر والحوثيين، ومازالت نقطة احياء المؤسسة التشريعية كخط مواز لشرعية الرئاسة او بديل عنها غامضة ولم تحدد في اﻻتفاق حتى فيما يتعلق بمصير مايسمى “اللجنة الثورية العليا” والتي دعت الى خروج مسيرات يوم اﻻثنين مما يشير الى بقائها وأنها لم تمس حتى الان.